لكل مهنة صعوباتها التي لا يعرفها سوى العاملين بها، مقولة قد تبدو ساذجة من فرط بديهيتها، لكنها في الواقع ليست كذلك، فعلى سبيل المثال، لا يرى الجمهور في حياة أهل الفن سوى البذخ، والملابس الأنيقة، والمنازل الفخمة، والأجور التى تقدر بالملايين.
وإذا اردت أن تحدثه عن الصعوبات التي قد يواجهها أي فنان بسبب تقمصه للشخصيات، والتأثيرات النفسية التى قد تطرأ عليه من جراء تجسيدها، أو إذا قررت أن تلفت نظره إلى العوائق التى قد تضعها الشهرة أمامه ليحى حياته بشكل طبيعى فحتما سيتهمك بالجنون، فهو لا يرغب أن يرى سوى حياة الترف، وسيظل متجاهلا لأي سلبيات قد تفرضها مهنة الفن على أصحابها.
اقرأ أيضا: من صلاح جاهين إلى شريف منير ...عد كما كنت!
وفي مجال الصحافة الفنية - الطرف الآخر للمعادلة الفنية شئنا أم أبينا- باتت الصعوبة الكبرى فى الآونة الأخيرة والتى تتردد على ألسنة كل العاملين في هذا المجال هي عدم القدرة على الوصول إلى المصادر بشكل سلس، ومع رحيل عمالقة الفن الذين كانوا يقدرون الصحافة حق قدرها بات الأمر أكثر صعوبة، وكثيرا ما أجلس مع أساتذتي في مجلتي "صباح الخير" و"روز اليوسف" ليحدثوني عن نجوم كانت شهرتهم ملئ السمع والبصر، ومع ذلك كانوا يأتون بأنفسهم إلى المجلة ليعلنوا عن بدء تصوير فيلم جديد، أو ليقدموا الشكر لصحفي داعم، أو رسام بورتريه متميز.
بعضهم أيضا كان يأتي لصداقة شخصية تربطه بصحفي الفن في المجلتين، كل هذا كان يحدث قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي التي يظن بعض الفنانين –وبعض الظن إثم- أنها بديل يغنيهم عن التواصل مع أهل الصحافة، وقبل ظهور شركات العلاقات العامة أيضا التي لا أبالغ إن قلت إن لها اليد الطولى في إفساد الصحافة الفنية، حيث يدفع الفنان للشركة في مقابل أن ينشر له حوارا موحدا في غالبية الصحف والمواقع، وكأن الصحفي قد تحول إلى مجرد أصابع تدق على (الكي بورد) دون أن تكون له لمسته الخاصة، أو تساؤلاته النابعة من فكره، وعقله، لست هنا بصدد إلقاء الإتهامات، فجميعنا مسؤولون عن الوضع المتردي الذي آلت إليه الصحافة بشكل عام.
لكن (بوست) كتبته ليلة أمس الفنانة صاحبة الموهبة الكبيرة "عارفة عبد الرسول" جعل من تلك المقدمة المؤلمة أمرا ضروريا، كتبت الفنانة الحكاءة تقول: (ماصدقت انام بعد مارجعت م السفر وانا فى اشد التعب ... تليفونى سايلنت جنب منى بس فيه رقم قعد يزن ورا بعض تخلص الرنه يرن تانى ... انا صراحه خوفت ليكون فيه خبر وفاه مثلا ولا حد عايزنى تصوير دلوقتى حالا والكلام ده وارد ... رديت وانا قلبى فى رجلى ... انا صحفيه فى جريده كذا .... قولتلها يادمك ياشيخه وقفلت السكه .... اول مره فى حياتى اعمل كده ... بس اتغاظت قوى ... هو فيه كده)
والحقيقة أن هذا البوست قد أصابني بغصة كبيرة، أزعم أنها أصابت زملائي على حد سواء، لا أقصد هنا بالطبع أن الصحفية لم تخطئ في فعلتها فكما ذكرت لست هنا بصدد إلقاء الاتهامات، ولا أقيم رد فعل الفنانة أيضا، فالفنان في النهاية إنسان، يسرى عليه كل ما يسرى على بقية البشر، وردود فعله تخضع لحالته النفسية، والجسمانية، ما هالني بحق هو تفاخر الفنانة بفعلتها كأنها انجزت عملا بطوليا بغلقها الهاتف في وجه الصحفية، رغم أن هذا الفعل الكريهة لن يساهم مثلا في تلقين الصحفية الشابة درسا في احترام الخصوصية –وهي ليست مهمة الفنان بالطبع- كل ما سيفعله أنه سيحفر لدى تلك الفتاة انطباعا لن يزول عن مدى غلظة الفنانة، وطريقتها المنفرة.
والحقيقة أن تفاخرها بفعلتها تلك لم يكن ليحدث لو أنها لا تعرف أن هناك على (التايم لاين) من ينتظر أي شيء تقوم به ليمتدحه مهما كان هذا الفعل خاطئ، ومهما كان هذا الخطأ واضحا للعيان، هذه النوعية من الجمهور تفسد فطرة الفنان التي فطره الله عليها.
اقرأ أيضا: "صاحب المقام"... حينما تحل البركة على فيلم!
مع الأسف غاب عن "عارفة" أن تعرف أن بساطتها هي جواز مرورها إلى قلوب محبيها، منذ أن جاءت من الأسكندرية، واستقرت فى القاهرة قبل أكثر من عشر سنوات، وإنها إن فقدتها فستفقد كثيرا من بريقها الذي لا علاقة له بتعاظم الموهبة، فهي فنانة موهوبة بلا شك، أذكر أنني حاورتها قبل سنوات، ولا انسى أبدا إجابتها عندما سألتها عما إذا كانت تنوي إجراء عمليات تجميل في المستقبل، فأجابتني بالنفي، لإيمانها بأن عمليات التجميل تفسد انفعالات الوجه.
لكنها صارحتني يومها بنصيحة بعض الأصدقاء لها بعمل (تاتو حواجب) لأن حواجبها خفيفة، أو عمل (هوليود سمايل) من أجل أن تبدو أسنانها أكثر تناسقا، لكنها حينها كانت لا تزال مستمرة في تجاهل تلك النصائح لأنها تريد أن تكون شبه الأم المصرية، فكما قالت يومها أنها تربت في السوق بحكم عملها كبائعة في محل مملوكا لوالدها، وقد مرت عليها نماذج كثيرة لسيدات، ولديها مخزون تحتفظ فيه بالعديد من الشخصيات لا توجد بينها شخصية سيدة لديها هوليود سمايل!!
كم أتمنى أن تظل "عارفة" تشبه الأم المصرية التي إن ارتكب أحدهم خطأ أمامها، فمن الممكن أن توجهه، أو تغضب منه، لكنها حتما لن تكتب بوست تتفاخر فيه بذلك.