منذ سنوات قررت أن أحيي ذكرى وفاة "فؤاد المهندس" بملف خاص نشر في (مجلة روزاليوسف) كان الخيار التقليدي، والمعتاد هو أن أذهب مباشرة لمعشوقته التي أحبها من صميم قلبه "شويكار" لكي تحدثني عن ذكرياتها معه، لكنني قررت أن أجعل حواري معها خيارا ثانيا، ولا سيما أن ما كان يشغلني وقتها هو سبب طلاقهما الذي لا يعرفه أحد، بعد مشوار طويل من النجاحات الفنية المشتركة، والذكريات العامرة بالحب والدفء والتي كانت تصورها البرامج، وأغلفة المجلات كنموذج للحب المتكامل بين زوجين.
هذا السؤال قادني بالطبع إلى أسئلة آخرى كان من المحرج أن أسألها لها مباشرة، فالحديث عنها كزوجة محبة، وطليقة صائنة للعشرة، لا ينفى أبدا أنها كانت في وقت من الأوقات –وبلغة المجتمع- ضرة خطفت "المهندس" من أم أبنائه السيدة "عفت سرور" فكيف كانت تعاملها؟ وما هي علاقتها بنجليه "أحمد، ومحمد"؟ هل كانت زوجة أب قاسية تحاول الاستحواذ على زوجها، لتنسيه ابنيه؟ أم أنها اعتبرتهما مثل ابنتها "منة" التي أنجبتها وهي صغيرة من زواجها الأول؟
كل هذه الأسئلة قادتني لأن تكون نقطة البداية من عند نجله الأصغر"محمد"
استدعيت هذا اللقاء عندما شاهدت صوره باكيا في جنازتها يوم أمس، ربما كان لقائي معه سببا في أنني لم أشعر بالدهشة التي شعر بها غالبية من شاهد الصور، فقد كان لها أكثر من ابن، وكانت هي كما وصفها لي في حواري معه (أمه الروحية) التي ساهمت في تربيته.
على ضفاف نيل القاهرة الساحر، حيث يمتلك باخرة جميلة تحولت بمرور الوقت إلى (كافية وصالة أفراح) ظل "محمد" يحدثني عن فؤاد المهندس حديثا شيقا جدا، لكن حديثه عن "شويكار" أو "طنط شوشو" كما يحلو له أن يناديها لم يكن يقل جاذبية، فهي حاضرة بقوة في غالبية الحكايات التي لا تقتصر فقط على سنوات زواجها بأبيه، والتي امتدت نحو عشرين عاما، فرغم أن "المهندس" قضى بعد طلاقه منها أربعة وعشرين عاما يشكو من وحدته، إلا أنها كانت حاضرة معه أيضا في هذه السنوات، وداعمة ومحبة، فقد كانت تحدثه تليفونيا كل يوم، وبما أنها (أستاذة طبيخ) فقد كان "فؤاد" يطلب منها أن تطبخ له الشركسية، والأرز باللحمة الموزة، وغيرها من الأكلات التي كان يعشقها من يديها، فتأتي له بها فورا وتطعمه بنفسها، وكأنهما لم يفترقا يوما.
بداخل "محمد" تولدت قناعة استمدها من حديثه الدائم مع والده، وهي أنه بالرغم من زواجه بوالدته، وزيجاتها الثلاثة، إلا أن "شويكار" لم تتزوج سوى "بفؤاد"، و"فؤاد" لم يتزوج سوى من "شويكار"، فقد كانت تجمعهما علاقة خاصة جدا، ليس به وحده، بل بأهل بيته أيضا، فوفقا لرواية نجله الأصغر كانت الاتصالات دائمة بينها وبين والدته السيدة "عفت" فلم تبدي الأخيرة أي شعور بالضغينة تجاهها كالذي تبديه السيدات في مثل هذه الظروف، وفي المقابل أحبتها شويكار كثيرا وعاملتها بكل ود، فتحولت العلاقة بينهما إلى صداقة لم تنتهى سوى برحيل "عفت" قبل سنوات طويلة، ورغم كل هذا القرب، والحب الذي كان يكنه الثنائي بداخلهما، إلا أنه لم يكن هناك بوادر للتراجع عن الطلاق طيلة تلك الفترة، لم يرغب "محمد" في أن يفصح عن سبب الطلاق، ورأى أنه أمر شخصي لا يصح أن يتحدث فيه، طلبت منه أن ينسق لي معها لقاء، ولا سيما أنها في هذا الوقت كانت قد امتنعت عن الظهور، وكانت تكتفي بالأحاديث والمداخلات التليفونية، فأخبرني أن لقائي بها مستحيل، لأنها تود أن تحافظ على صورتها الجميلة في عيون الناس، لذلك تكتفي بالحوارات التليفونية فقط.
على الهاتف جاء صوتها رقيقا، فقد ظلت رغم مرور السنوات محتفظة بنفس الصوت المبهج الذي تميزت به طوال مشوارها، حتى (آلو) التي قالتها لي في بداية المكالمة تشبه كثيرا التي كانت تقولها "عصمت" ل "رأفت" في مسرحية (سك على بناتك) سألتها مباشرة عن سبب الطلاق، وعدم العودة، فلم تبح بالسر، واكتفت بقولها إن الظروف وقتها، والناس (الوحشة) سبب مباشر في استمرار الطلاق، لكن الحب بينهما باق إلى الأبد، واختتمت حديثها معي بأن شهر سبتمبر يمر عليها بصعوبة بالغة، فهو شهر ميلاد "المهندس" ورحيله، ولو أنها - وعلى حد تعبيرها- لا تنساه أبدا طوال العام، فهو موجود معها وحولها في كل مكان، وها هي رحلت قبل أن يحل سبتمبر بقليل، لتذهب إلى حبيبها دون أن تتألم على فراقه هذا العام.