أن تحضر حفلا لعلي الحجار وتشاهده واقفا أمامك على المسرح فهذا يعني أنك منحت لروحك هدنة من مصاعب الحياة، وقررت بإرادتك أن تترك همومك، ومشاكلك خارج القاعة، ولا تسمح لها أن تعبر معك إلى داخلها.
شعور لا يمكن تعويضه بسماع أغانيه مسجلة، أو مشاهدة حفلاته (أون لاين) فالطاقة التي تحتاجها روحك لتستجمع قواها من جديد تخرج من عيناه لتنفذ مباشرة إلى قلبك دون وسيط، وشعورك أنه يغني لك وحدك رغم الزحام، لا يمكن أن تشعر به مع أي مطرب آخر سواه، أما أغانيه التي ينتقيها بعناية في كل حفل، تحلق بك إلى عالم آخر، تذهب إليه، ويعز عليك أن تتركه، فحفلته وصفة مضمونة للسعادة، وتأثيرها باقٍ، وممتد حتى ميعاد الحفلة التالية، وإذا كان البشر حتى الآن لم يجدوا علاجا قاطعا للفيروس اللعين، فالحجار يعالج ببهجة صوته الأثر الذي تركه الفيروس في نفوسهم.
بالأمس، كان لقاءه الأول بجمهوره بعد غياب طال لمدة سبعة أشهر، وقد كان لقاءا مميزا كالعادة، ليس فقط بفعل الشوق وطول فترة الغياب، لكن التحديات أيضا كانت أحد أهم أسباب المتعة، وأقصد بالتحديات هنا مكان الحفل، الذي أقيم على مسرح النافورة بدار الأوبرا المصرية، وهو مسرح مكشوف تم تجهيزه في ساحة الأوبرا مؤخرا، تماشيا مع الاجراءات الاحترازية، وحفاظا على خطة التباعد الاجتماعي اللازمة للحد من انتشار الفيروس، ولن أخفي أن قلقا قد انتابني قبيل بدء الحفل بقليل، فحرارة الجو، وارتفاع الرطوبة، مع التشديد على ضرورة الالتزام بارتداء الكمامة طوال الحفل، كلها أمور خانقة، وتتعارض مع حدوث أي متعة، والجمهور الذي جاء مبكرا جدا ليحجز بمقعده مكانا مميزا في المسرح، فقد صبره، وتصبب عرقه، وتهافت على شراء زجاجات المياة الباردة، حيث وفرت دار الأوبرا كافتيريا مجهزة في المكان، وهو أمر جيد، لا بد أن تشكر عليه أيضا، لكن هذا المشهد تبدل كليا بمجرد ظهوره على المسرح، فدبت الحياة، وأشتد الحماس، وتعالى التصفيق، والغناء، ونسي الجميع أمر الحر والعطش.
لدى الحجار قدرة غريبة على أن يقرب جمهوره منه، ويشعرهم جميعا أنهم جزء من أهله، ويشاركهم حكايته، ونوادره بين الأغنيات، كما يجعلهم يشاركونه في تهنئة أصدقائه بأعياد ميلادهم، ومناسباتهم الخاصة، فيذكر اسم الصديق، ويرسل له التهنئة مغناة، ويردد الجمهور معه الغناء بكل حب، وكـأن بساط الريح قد احتضن الحضورجميعهم، وذهب بهم إلى منزله، ليصبحوا أهلاً يجلسون في ضيافته، لا جمهورا عابرا يحضر الحفل ليستمع إلى أغانيه.
والحقيقة أن الجمهور يعي هذا الأمر جيدا، ويبادله نفس الشعور، وإذا كان لكل النجوم على وسائل التواصل الاجتماعي
(Fans)
يحبونهم، ويتابعون جديدهم، فإن للحجار عائلة، هم جمهوره العريض، ويُطلق عليهم اسم (العائلة الحجارية) يعرف بعضهم بعضا بالاسم، ويتبادلون الصور، والتعليقات، والذكريات، لذلك إذا لم تكن قد حضرت حفلا للحجار من قبل، وتنوي قريبا فعل ذلك، فسوف تلحظ حالة الألفة بين الجمهور، فلا تتعجب إذا أهدى أحدهم لك علما قبل ختام الحفل بقليل، فهناك إتفاق ضمني بينهم على أن يرفرف علم مصر عاليا بينما يغني الحجار الميدلي الوطني الذي يختتم به كل حفل.