"الفن" نتاج عملية إبداعية خالصة، صورة جميلة لامعة، مقتطعة من سياق كبير، وحياة طويلة، مليئة بتفاصيل وذكريات وحكايات لا حصر لها، منها ما يعرفه بعضنا، ومنها ما نسمعه للمرة الأولى.
وإذا كان إبداع الفنان مسجل صوت وصورة، فإن هناك جانبا آخر من حياته وتفاصيلها وأسرارها، حلوها ومرها، صعوده وهبوطه، أزماته الشخصية وانتصاراته الحياتية، نلقي الضوء عليه في هذه السلسلة "حدث بالفعل".
من الفنانين الذين تحمل حياتهم الشخصية قصص وتفاصيل مغايرة تماما لشكلهم على الشاشة "سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة" ... عن بعض ملامح هذه الشخصية المغايرة للملاك الهادئ على الشاشة تعالوا نتعرف على وجه آخر لفاتن حمامة.
كيف عرّفت فاتن حمامة نفسها؟
في حوار لفاتن حمامة نشر بمجلة "الاثنين" بتاريخ 1951 بعنوان "أنا كما لا يعرفني الناس" ... وبصراحة منقطعة النظير، تعكس ثقة في النفس، وصفت فاتن حمامة نفسها بهذه الكلمات : "إنني خيالية جدا، وعاطفية جدا، وواقعية جدا، وغيورة لكن بعقل، "وحرامية صغير"، ومسرفة أيضا، لكن في حدود المعقول، فأنا لا أرمي فلوسي في الهواء ... لكني احب أن أبحبح على نفسي بقدر الإمكان".
الجميع يضايقنا والحكومة تكرهنا
أزمة الفنان في فترة ما قبل ثورة 52 كانت ممتدة وقاسية، ظروف عمل صعبة، مقابل مادي يمنح العامل في المجال فرصة الحياة على الكفاف، باستثناء الفنانين أبناء العائلات الثرية، وهؤلاء تبرأت منهم عائلاتهم، وعاقبتهم بحرمانهم ماديا، ولم يكن الأمر قاصرا على الضيق المادي فقط، بل كان الفنان اجتماعيا يعيش في طبقة اجتماعية غير مرحب بها بين باقي طبقات المجتمع، بداية من رفض شهادته في المحاكم، ونهاية برفض عضويته في الأندية الرياضية التي تضم الطبقة الارستقراطية، حتى لو كان هذا الفنان فاتن حمامة، التي تحدثنا عن تجربتها مع هذا الموقف المؤلم: "هناك فئة من المجتمع ما زالت تنظر للفنان بأنه عجينة أخرى دون عجينتها، ومن هذه الفئة السادة أعضاء مجلس إدارة النادي الأهلي، تصوروا أنني قدمت لهم طلبا لكي أتشرف بعضوية ناديهم، كأي مواطنة مصرية، وأنهم رفضوا طلبي بحجة أنهم ليست لديهم أماكن خالية! ثم تقدمت لعضوية نادي الجزيرة ورفض طلبي أيضا، وفهمت منهم أنهم لا يرتاحون لوجود أهل الفن بين زمرتهم".
خيالية "وقنزوحة"
بخفة دم معهودة عنها، تحدثت فاتن عن طفولتها وذكريات شقاوة ومرح الطفولة، التي حملتها الذاكرة من عمر الخامسة: "أنا خيالية جدا ومغرورة "وقنزوحة"، وأنا في الخامسة من عمري اصطحبني والدي لحضور حفلة العرض الأول لفيلم من بطولة النجمة السينمائية " ىآسيا"، وتصادف أن كانت جلستها بجوارنا، وعندما انتهى الفيلم انطلقت الأكف والأصوات من المتفرجين تحيي نجمة الفيلم، ووقفت على الكرسي لا لتحية الفنانة كغيري من المتفرجين، وإنما لأريهم نفسي بأنني أنا المقصودة بهذا الهتاف والتصفيق وليس السيدة آسيا".
اعتراف بالسرقة ... حرامية "مقروضة" ببراءة كتكوت
حكايات عن الشقاوة والعفرتة لا يصدقها القارئ عن الملاك الرقيق الهادئ، لا يمكن أن هذه الفنانة الهادئة الرومانسية كانت في يوم من الأيام طفلة معجونة بـ"ماية عفاريت" كما وصفت نفسها: "طفة صغيرة "مقروضة" في وجهها قسمات ملاك، وفي عينيها براءة كتكوت، كانت تقف هادئة أمام "الفكهاني" المجاور لبيتها في حي السيدة زينب، وفجأة وبحركة لا شعورية تغافل الفكهاني وتخطف خيارة أو مشمشة، ثم تضع زيلها في أسنانها وتنطلق هاربة ضاحكة، سعيدة بالمسروقات التي ظفرت بها، لكن لم تكن تنعم بانتصارها طويلا، فسرعان ما يتصايح وراءها أخوانها الذين يلعبون قائلين: الحق يا عم محمد ... فاتن سرقت خيارة! وطبعا عرفتم الآن أن السارقة هى أنا فاتن حمامة."
كيف تعاملت مع زملائها بالمدرسة بعد التمثيل مع عبد الوهاب في فيلم "يوم سعيد"؟
"عندما كنت أدخل المدرسة، وكانت زميلاتي الصغيرات يتدافعن حولي، وعلى لسان كل واحدة منهن سوال عن هذا الممثل أو ذاك، وكان غروري يأبي أن أجيب بأني لا أعرف إلا الممثلين الذين ظهروا معي في فيلم "يوم سعيد"، كنت أهز رأسي وأقول لهن إن هذه أسرار لا أستطيع البوح بها، وإن وقت إذاعتها لم يحن بعد، بلهجة مصطنعة توهمهن بأنني عليمة ببواطن الأمور".