يبدو أن الحجر الذي ألقاه إبراهيم عيسى كان كبيرا، نجح فيلم "صاحب المقام" في تحريك المياه الراكدة، وحقق الهدف منه، ، فأحدث كل هذه الضجة.
لن نتحدث هنا عن الفيلم وتفاصيله وفنياته ومميزاته وعيوبه، فقد فعلنا هذا بالفعل.
إبراهيم عيسى "صاحب المقام" الذي يرفض الخروج من عش الدبابير
لكن سنحاول أن نجيب على السؤال "التهمة" ... هل فيلم "صاحب المقام" مسروق من فيلم "مكتوب" الإسرائيلي؟
رد الفعل على الكتابات أصبح سريعا وفوريا، وهو ما يعرفه كل من يعمل في مجال الصحافة الإلكترونية، نصف ساعة فقط هى ما يلزمك لتتلقى ردود الأفعال على كتاباتك وموضوعاتها.
وبمجرد نشر الموضوعات الخاصة بفيلم "صاحب المقام" لم يرد تقريبا ولا تعليق واحد خارج هذين التعليقين:
الأول: "الفيلم ده تافه" ولفظ "تافه" تكرر بشكل غير طبيعي، وجميعنا يعرف ماذا تعني هذه النوعية الموحدة من التعليقات، ولا مجال للرد على الآراء فهي حرية شخصية.
والثاني: "الفيلم مسروق من فيلم إسرائيلي"، وهو الاتهام الذي نقله عدد كبير من المعلقين على وسائل التواصل الاجتماعي من بعضهم البعض، وكأنهم فجاة أصبحوا منتخصصين في الأفلام الإسرائيلية التي أنتجتها منصة "نتفليكس"، وتحديدا الفيلم الإسرائيلي "مكتوب" الذي تم إنتاجه عام 2017.
وهذه النتقطة ما سنتحدث بشأنها، لأنها ليست أمرا شخصيا يخضع لذوق المتلقي، إنما قضية سينمائية من حقنا وواجبنا أن نبحث فيها ونثبتها أو نثبت عكسها.
فيلم "مكتوب" مصنف فيلم كوميدي صريح، الهدف الأول والآخر منه هو الإضحاك عن طريق عدد من الإيفيهات، بينما فيلم "صاحب المقام" ليس كوميديا وتم تقديمه بوصف صريح "أول فيلم صوفي" يناقش
بطلا فيلم "مكتوب" (تشوما وستيف) لصان، ذهبا إلى حائط المبكي للصلاة وتقديم الشكر بعدما نجيا من انفجار مطعم كانا ذاهبين لسرقته، بينما ذهب (يحيى) بطل فيلم "صاحب المقام" لزيارة أولياء الله الصالحين للدعاء لزوجته المريضة، التي ترقد في غيبوبة لا يملك أمامها الطب حيلة.
"ستيف" بطل فيلم "مكتوب" لم يلجأ للخطابات التي يتركها اليهود المتدينون في شقوق (حائط البراق / المبكي) إلا لكتابة رسالة لصديقه الذي يقف بجواره ولا يسمعه بسبب تأثر أذنه بالانفجار.
قصة فيلم "مكتوب" لا تتشابه مع قصة "صاحب المقام" في شيء سوى فكرة محاولة تحقيق أمنيات مكتوبة في رسائل بمكان يتبارك به الناس في كلا المجتمعين، مع اختلاف الهدف والطريقة والظروف الشخصيات، وهو ما لا يكفي إطلاقا لاتهام الفيلمين بالتشابه، ناهيك عن اتهامه بالسرقة.
بعد استعراض الخطوط العريضة للفيلمين، هل تشابه موقف في عمل درامي يعني أنه مسروق بالكامل؟
دارسو السينما والفنون بشكل عام يعرفون قاعدة مهمة تقول "الفن تفاصيل"، والتفاصيل كلها مختلفة بين العملين، ولو بحثنا سنجد فكرة طلب الناس وتدوين أحلامهم وطلباتهم موجودة في جميع الثقافات والديانات، والترويج المبالغ فيه لاتهام إبراهيم عيسى بسرقة الفيلم مريب، وجميعنا يعرف من وراؤه، لكن اختيارهم لفيلم إسرائيلي تحديدا ليس أكثر من لعب على مشاعر البسطاء التي يعتمدون عليها كثيرا.
الحكم على عمل فني أنه مسروق ليس بهذه البساطة، فالدراما في العالم كله تقوم على 36 تيمة رئيسية فقط تعرف بـ "حبكات بولتى الـ 36 الكلاسيكية"، هل لك أن تتخيل عدد الأعمال الدرامية في العالم التي اعتمدت على هذا العدد المحدود من التيمات منذ بدأ التسجيل السينمائي والتليفزيوني؟ هل يعني هذا أن الجميع يسرق من بعض؟؟!!
التفاصيل والمعالجة والهدف وبناء الشخصيات والتطور الدرامي لها، وتصاعد الأحداث وتحولها، هى التي تميز عمل عن الآخر.
ثم، هل هبطت قصة "صاحب المقام" عليكم من السماء ولم تسمعوا عنها من قبل لتتهموا صاحبها بسرقتها؟ ياللعجب ... فهذه القضية مطروحة منذ سنوات طويلة هل تتذكرون؟ منذ موجات الهجرة لدول الخليج في السبيعينات، ثم موجات العودة لنشر ثقافات لم نعرفها وليست منا ولسنا منها.
هل فاجأكم إبراهيم عيسى بقضية لا تزال مفتوحة حتى اليوم رغم مئات الكتب والأبحاث والفتاوي ومئات الساعات الإعلامية التي أنفقت في مناقشتها حتى اليوم؟ لا يمكن أن تكون الأفكار مسروقة وهى تهمنا وتشغلنا ولازلنا غير قادرين على حسمها.
هل فاجأتكم وحتى الآن هناك من يسأل هل يجوز الصلاة في مسجد به مقام أم لا؟
إذا كانت فكرة صاحب المقام مسروقة فماذا عن أفكار الخيال العلمي والإنسان الآلي والسفر في الزمن؟!