تعد دار الأوبرا في أي مكان من أعرق وأهم المراكز الثقافية في أي دولة، وتحرص جميع البلدان على دعم دور الأوبرا بها، لما تقدمه من رسالة هامة لنشر شكل من أشكال الثقافة العامة لدى الجمهور بالتوازي مع الفنون التي تقدم وتتطور دائما.
كما تدعم وزارة الثقافة دائما هذا الصرح، وذلك لنفس الهدف، وليس من المفترض أن تتربح دار الأوبرا من الأعمال التي تقدمها، بالعكس فيخصص لها ميزانية ضخمة لدعم البرامج التي تقدمها.
ولكن في الفترة الماضية لاحظت أن دار الأوبرا في مصر كانت مسار جدل للكثيرين، من حيث الحفلات التي تقدمها، والمشاكل الكثيرة التي تنشر على صفحات الجرائد اليومية الخاصة بالفنانين العاملين بالأوبرا، أو حتى مع رموز الفن داخلها، وطريقة التعامل معهم من قبل الإدارة.
وفي زيارتي الأخيرة للأوبرا شعرت بأن أشياء كثيرة داخلها فقدت قيمتها، بداية من ساحة الانتظار الخاصة بالأوبرا التي أصبحت ساحة انتظار تابعة لنادي الأهلي، وأن معظم رواد النادي يصفون سيارته داخل الأوبرا، للتحول إلى "جراج" النادي الأهلي، وستلاحظ ذلك في الأيام التي لا تعرض الأوبرا فيها أي عروض هامة، ومع ذلك ستجد ساحة الانتظار ممتلئة بالسيارات؟.
حتى ساحة الانتظار أصبحت أشبه بالخرابات، وذلك بسبب التخلص من الديكورات القديمة الخاصة بعروض الأوبرا فيها، لتزيد من شكل الإهمال الواضح، لا أعرف لماذا لا يتم التخلص منها بشكل أفضل من ذلك.
بعدها تجولت في ساحة الأوبرا والتي تضم مساحة خضراء رائعة تلفت معظمها، وما لفت انتباهي عدم الاهتمام بالتماثيل الموضوعة في ساحة الأوبرا لرموز الغناء والفن، وهما تمثالي موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب وكوكب الشرق أم كلثوم، واللذان أصبحا في حالة سيئة للغاية بسبب عدم الاهتمام بهما، وعدم تنظيفهما من عوامل الطقس وفضلات الطيور!.
أما الأهم هو المحتوى الذي تقدمه الأوبرا وهي الحفلات التي تجذب الجمهور، وستجد أن معظم العروض يتم إعادتها باستمرار إلى أن يمل الجمهور، حتى مع جهود الأوبرا لجذب فرق موسيقية من التي تعجب الشباب لتقديم عروضها داخل الأوبرا، وحفلات لكبار الفنانين، إلا أن بعض هذه الفرق بدأت تتهرب من الأوبرا، بخلاف المطربين الذين يعتذرون لأسباب واهية، ويتم الكشف بعد ذلك عن أنهم فضلوا تقديم حفلات في أماكن أخرى بدون ذكر نماذج.
أما الجديد والذي دفعني لكتابة هذا المقال هو الاعتصامات والاضرابات التي بدأ أعضاء الفرق في تنظيمها، اعتراضا على سياسة الأوبرا، وعدم حصولهم على مستحقاتهم أو مكافئاتهم، وشعورهم أن إدارة الأوبرا لم تعد كما كانت في السابق.
فبالفعل قرأنا مؤخرا عن الإضراب الذي نظمه أعضاء فرق الموسيقى العربية، وتهديدهم بعدم المشاركة في مهرجان الموسيقى العربية السنوي، والذي بدأت فاعليته منذ أيام، مطالبين بتحسين كدرهم الوظيفي، وللمطالبة بالتأمين عليهم ومد عقود العمل معهم.
كما تم تنظيم احتجاج آخر من قبل أعضاء الموسيقى العربية بعدما تأخر عبد المنعم كامل رئيس دار الأوبرا في تطبيق التوصيات التي أقرتها اللجنة المشكلة من قبل الرئيس مبارك للبحث في مشاكلهم، لتطبيق التأمينات الاجتماعية والعلاوة الخاصة بالعاملين في الدولة عليهم كفنانين.
وسبق هذا الاعتصام إضراب أخر من قبل فرقتي الأكابيلا والأوبرا قبل بدء عرض أوبرا عايدة اعتراضا منهم على عدم زيادة رواتبهم، وتقليص المكافئات التي كانوا يحصلون عليها من 1800 جنيه إلى 400 جنيه بدون أي سبب، وأن أكثرهم لم تزيد رواتبهم منذ 5 سنوات!.
ومن ناحية أخرى تجد الخلافات بين رموز الأوبرا مثل المايسترو سليم سحاب والفنان يحيى خليل ظهرت في الفترة الأخيرة، واللذان يعتبرا من أعمدة الأوبرا، ولكن الإدارة تعاملت معهم بشكل غير لائق، وهو ما دفعهما في فترة من الفترات لإعلان انسحابهما، وعدم تقديمهم لعروض للأوبرا مرة أخرى وتم تسويه الوضع بعدها.
هذا بخلاف المراكز الثقافية التي بدأت تنتشر مؤخرا، وسحبت البساط من تحت الأوبرا، وجذبت الفرق لتقديرهم لأعمالهم ماديا ومعنويا، أصبحت هذه المراكز تنشر ملصقات دعائية في كل الشوارع والميادين للحفلات التي تنظمها، في الوقت الذي أوقفت الأوبرا جميع أشكال الدعاية لحفلاتها تقريبا، هذا بخلاف اعتراض الجمهور على السياسة التي يتبعها معهم أمن الأوبرا في حفلات الفرق الصغيرة، حيث يحظر عليهم الوقوف أو الهتاف أو تشجيع فرقتهم داخل جميع مسارح الأوبرا حتى المسرح المكشوف الصغير، في الوقت الذي تتيح لهم المراكز أن يفعلوا ما شاء من أشكال التشجيع ما دام في إطار الاحترام ولا يخدش الحياء.
وهنا أتساءل ...هل حافظت دار الأوبرا على أهدافها، هل حققت التوازن المطلوب، هل استطاعت أن تحافظ على روادها، هل قدمت التقدير المادي والمعنوي للفنانين الذين يقفون على مسارحها، هل سيتم الاستجابة لمطالب فناني الأوبرا؟؟؟.
أسئلة كثيرة ستجيب عليها الأيام أو الشهور المقبلة، والتي أتمنى أن تكون إجابة مرضية، لكي لا يضيع هذا الصرح مع مشاكل الوطن وتتحول الأوبرا إلى مكان مهجور أو ساحة انتظار كبيرة من الخارج والداخل.