نواصل في الحلقة الثالثة من مذكرات الهضبة مع الكاتب الكبير يسري الفخراني التفتيش في حكايات الأيام الأولى في رحلة عمرو دياب مع الأضواء والشهرة والنجومية.
لا تفوتك الحلقة الثانية: مذكرات الهضبة 2 – حكاية أول ألف جنيه وقرار الاعتزال المؤجل منذ 20 عامًا
يبني عمرو يوما بعد الآخر حجرا جديدا في مشروعه الفني، يزيد من رصيد علاقاته وأغانيه وخبراته، وحان الوقت ليقف لأول مرة أمام موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب.
في عام 2007 انفرد الكاتب الكبير يسري الفخراني بنشر مذكرات عمرو دياب، أسرار وكواليس واعترافات مر عليها 14 عامًا، ولكن ما بين سطورها يستحق أن نعيد قراءته مع أجيال جديدة ستعرف الوجه الآخر للهضبة في حلقات خاصة تنشر لأول مرة في المواقع المصرية والعربية على FilFan .
يحكي عمرو دياب: السؤال الذي يطاردني دائما: هل أنت سعيد في حياتك؟
الناس تري عمرو دياب النجم المشهور وهو يضحك ويغني ويسافر ويتخيلون كل أنواع البهجة في حياتي، كأنني أنسان خرافي ليس له مشاعر وليس لديه مشاكل ولا عنده أحزان، بعض الناس فقط هم اللذين يعرفون أن وراء الأبتسامة الكثير من الألم والأرق والخوف، لكن الحمدلله، أقولها مرة وألف. أنا حصلت في حياتي علي أكثر مما تمنيت وربما مما أستحق.
أشكر الله سبحانه وتعالي علي وجود زوجة تحبني وأحبها تتحملني في كل شيء علي الرغم من أنشغالي المستمر حتي وانا معها، بأفكر وأسرح وأشتغل، وأطفالي هم عمري ومن أجلهم أتحمل مثل أي أب مصري أولاده حياته كلها، ومعي أمي وأخويا وأولاد أخويا، عائلتي التي أشعر معها بالأمان وبالسعادة وأن كل التعب يهون في قعدة معاهم، هم متعة حياتي وأستمتع بوجودهم معي، العيد عندي ما نتلم سوا، ولما أنجح، أنا لا أعرف يعني أيه إجازة، في كل الأعياد بأشتغل لأن مهمتي ومهنتي أني أشتغل واسعد الناس، أصدقائي وعائلتي عارفين أن العيد عند عمرو يعني يوم ما أحس أن أغنياتي نجحت، وقتها أشعر بالسعادة الكاملة بالفرحة الكبيرة، لما الناس تكون بتغني معاك معناها أنك لسه عايش، لسه الناس بتفرح بصوتك، أنا واقعي جدا وعارف أن العمر بيجري، وكل سنة فيه سنة بتضيع من أحلامي ومشروعاتي وشبابي وطاقتي وعمري، علشان كدة عندي مسئولية كبيرة تجاه جمهوري.
لا تفوتك الحلقة الأولى - مذكرات الهضبة 1 - عمرو دياب يكتب عن "أسطورة" عبد الحليم حافظ
السؤال دائما الذي يطاردني: كيف اجعله يصدقني عندما أغني في عالم كل شيء عشوائي وصعب أنك تصدق حد، مهمتي أن الناس تثق في شغلي، في عقلي، في أفكاري، أنا بأحبهم لكن هل هذا يكفي، أنا لا أؤمن بالحب من طرف واحد، الحب علاقة بين أثنين، علاقة صحية فيها حب وفيها أحترام وفيها خوف وفيها صدمة وفيها ثقة، وأحاول أن أفعل ذلك.
من عشرين سنة في صيف 1987، هذا صيف لا أنساه أبدا .
كنت طرحت ألبوم أسمه هلا هلا، وكان الألبوم ناجح علي قدر أحلامي وقتها، الناس بتكلمني في التليفونات، الصحافيين بيعملوا معي حوارات، وأغني في ملاهي شارع الهرم في أكثر من مكان، وأصحاب الملاهي بيتعاقدوا مع بأجور كبيرة، والأهم أنني وقتها أنتقلت من حياة الشقق المفروشة وأقمت في فندق ماريوت الذي كنت أغني فيه كل ليلة، وكان كل هذا بالنسبة لي أنجاز رائع في حياة شاب قادم من بورسعيد يعني فكرة في الأفراح مع شلة من الأصدقاء أسمهم العفاريت، وقتها أيضا كنت سافرت مرة الأردن صورت برنامج منوعات للتليفزيون مع محمد فؤاد وحسيت أن الدنيا فتحت لي ابوابها، أول مرة أركب طائرة في حياتي وفؤاد ايضا، كان حدث بالنسبة لنا، وكنا خلاص مش عايزين حاجة تانية من الدنيا، وبعدها سافرت لندن عملت فرح وخلص شريط أسمه خالصين، وقاعد في ماريوت واسمي في الجرايد وفي أعلانات شارع الهرم، وفي وسط كل هذا النجاح الذي أعتبرته أخر الدنيا من وجهة نظري.
زارني المنتج تيمور جودة كان شريك صديقي نصيف قزمان في صوت الدلتا، وكان منتج ألبوماتي وصدمني صدمة عمري، قال لي عبارة لن انساها: أنت قاعد هنا فرحان ومبسوط أنك بتغني في شارع الهرم وراء نجوى فؤاد وفيه مغني مكسر الدنيا أسمه على حميدة عامل أغنية مصر كلها بتسمعها أسمها لولاكي، قوم أخرج وأشتغل وماتفرحش بنفسك قوى كدة، كلامه كان مثل صفعة علي الوجه، فوقت، حسيت أنا فين والنجاح فين، حسيت أن النجاح ليس غرفة علي النيل ولا قرشين تحت المرتبة – مكانى المفضل وقتها للأحتفاظ بالنقود التى أكسبها – ولا العقود التى تحتكرنى فى شارع الهرم، هذه العبارة وهذه الزيارة لن أنساها أبدا ولا أنساها مهما مر من الوقت أو حصلت على شهرة أو نجاح، زيارة هزتنى، جعلتنى أولد من جديد، أقلب الصفحة، أنسي أى نجاح حققته وأبحث عن غيره، وأتوقف هنا لأقول لجيلى من الشباب أقلب الصفحة دائما في نجاح أو فشل، لا تتوقف عند نقطة وتقول هنا أخر المشوار سواء كان حلو أو مر، أقلب الصفحة وشوف صفحة جديدة.
الحياة جميلة والنجاح أجمل، والفشل ليس النهاية، والنجاح لديه المزيد ليهديه لك، فتش عن الجديد سوف تجد فيه أشياء تضيفها لحياتك وتتعلم وتعيش أكثر من حياة في حياة، وقتها أكتئبت بعض الوقت أندهشت بعض الوقت توهت بعض الوقت، لكن الكلمة كانت في وقتها وألا كنت أستمريت مطرب خلف راقصة، أو مغنى يقبض أجره بعد كل وصله وينتظر النقطة والعشاء في المطبخ آخر الليل قلت لا، أنا لم أحضر من بورسعيد من أجل الفلوس ولا شارع الهرم ولا غرفة فى فندق، حضرت من أجل النجاح والتغيير والأستقرار، مهمتي من أول يوم أن أغير واقع الأغنية والموسيقى وليس أن أجرى من ملهى إلى آخر طوال الليل، ووفقت على حقيقة مهمة، لن أغنى في شارع الهرم مرة أخرى، لن أغنى مع راقصة بعد الأن، وقررت أن أضاعف نجاحى فى الصيف القادم، عملت ليل ونهار، وحصلت علي أغنية ميال ميال، وحسيت فعلا بطعم النجاح لأول مرة فى حياتى، نجاح حقيقى بأغنية كانت أغنية صيف 1988، ولا أنسى لتيمور نصيحته التى غيرت حياتى في الوقت المناسب، لذلك على كل أنسان أن يسمع ويتعلم ولا يصبح مغرورا في أى وقت.
صيف 1988 كان يحمل لي مفاجاة أخرى... تلقيت مكالمة من الأستاذ سيد فرغلى الصحفى المعروف وقال : الأستاذ محمد عبد الوهاب عايز يشوفك.
ولكم جميعا أن ييخيلوا الموقف، الأستاذ عبد الوهاب العظيم عايز يقابلني، وأرتديت أجمد ملابس فى الدولاب وذهبت لهذه المقابلة التاريخية، وعندما ألتقيت به في صالون بيته فى الزمالك صافحنى وهو يقول: أزيد يا أستاذ عمرو . وخجلت من نفسى، وكدت أقفز من النافذة المفتوحة، وقلت بخوف: العفو ياأستاذ حضرتك الأستاذ فقط.
قال لى: أنا سمعتك وحبيت أقابلك علشان أشوف صاحب الصوت اللى أحفادى بيسمعوه ويغنوا أغنياته.
شعرت يومها أن الدنيا أتغيرت، صفحة أخرى تغلق وتفتح أخرى رئيس جمهورية الموسيقى يقول لمطرب مبتدء هذا الكلام، والأستاذ عد الوهاب كان فعلا رئيس أو ملك بطريقته بشياكته بروحه بنصيحته، قال لى : أستمر، ماتخفش من النقد، أتعلم منه لكن من غير ما يوقعك، وحب نفسك وجمهروك علشان تقدر تسعدهم، لو ماحبتش نفسك أزاى ممكن تصدق أن الناس تحبك.
وخرجت مذهولا، مشيت فى شوارع الزمالك أكلم نفسى، الأستاذ بيقول الكلام ده. الحلم بيتفسر. المشوار بيبدأ. الزمن بيتحرك، كل شيء داخلى طائر، كأننى أرى النيل لأول مرة، ولا أنسى أننى فى نفس الأسبوع غنيت فى فرح لعائلة الأستاذ عبد الوهاب، مين كان يصدق، والأهم أنه فى هذا العام كان يستعد لطرح اغنية من غير ليه، وعندما علم ان أغنية ميال نجحت، قرر تأجيلها حتى يجد الوقت المناسب لطرحها، وهذا هو الدرس الثاني الذى تعلمته، الأساتذة لا يتكبرون على الواقع، يدرسون كل التفاصل ولو كانت صغير، لا يخجلون من الخوف والقلق وتأمل الموقف والبحث عن فرصة، وهذا ماأفعله الأن، نجاحى ليس معناه ألا أنتبه لنجاح الأخريين وأحترمه وأحترمهم وأدرسهم وأنتظر ماذا يفعلون لأعرف ماذا سأفعل، ليس منافسة ولكن أنتباه حرص ذكاء خبرة حكمة، لقد درست كل موسيقى الأستاذ عبد الوهاب فى الأكاديمية وأرى أنها سوف تعيش لكل الأجيال، لأنها ليست فقط أفكار موسيقى لكن شطارة تسويق وخبرة فنان، وتعلمت أيضا التطور، لابد أن يتطور الأنسان، العلم لا حدود له ولا نهاية له وكل يوم هناك جديد، عندما أسافر مع أولادى للخارج أشعر بسعادة قد ايه الجيل الجديد أكثر ثقة وذكاء ومغامرة من جيلنا، فى هذا اليوم قلت لنفسى : هل يمكن أن يعطينى الأستاذ لحنا ؟ وأجبت : كفاية أننى قابلته، ثم أننى اصغر من ذلك بكثير. لقد دخلت التاريخ.
يتابع عمرو: الأستاذ محمد عبد الوهاب كان كل شيء في الموسيقى والحياة الفنية، كان عنده قدرة على أن يأخذ أي شيء فني يخليه منور، كان ملحن وفنان ومدير تسويق وسفير وفاهم وعاشق وعنده كبرياء واحترام، مين النهاردة كده، لما أكتب عن عبد الوهاب عايز كل الناس تعرف قد ايه كان عندنا قيمة اسمها عبد الوهاب ماحدش واخد باله منها النهاردة، عبد الوهاب ببساطة هو الذي جعل الموسيقى فن وعلم ودراسة، عبد الوهاب هو الفنان المفضل عندي في كل أشكاله الموسيقية وكل حالاته الإنسانية، حين بدأت الغناء محترفا في القاهرة بداية الثمانينيات كنت أحفظ أغانيه وأقدمها في كل الأفراح والحفلات، غنيت له: "جفنه علم الغزل، وأنت عمري، ودارت الأيام"، ولابد أنني تعلمت اختيار أغنياتي منه وتعلمت منه أيضا كيف أدير حياتي الفنية والخاصة، حين يسألني البعض: لماذا أنت بعيد عن الإعلام؟ أقول له ما قاله عبد الوهاب: الفنان مهمته أن يبتكر ويبدع وينتج وليس أن يتكلم، كما تعلمت منه أن الموسيقى السهلة هى التيتصل للجميع بدون حواجز وبدون مترجم، وأن الموسيقى تتطور بأسرع مما نتوقع، الموضوع بقى صعب جدا، وأنا أجد أن الكتابة الآن فرصة من أجل أن نعيد اكتشاف أنفسنا مرة أخرى، أريد أن أقول لكل الأجيال لابد من وقفة جادة لإنقاذ الموسيقى في مصر، وأرجو من الجميع أن يتعاون معي من أجل هذه القضية التي أعتبرها الآن قضية عمري، ومستعد للدفاع عنها حتى آخر العمر.
شكر خاص للكاتب الكبير "يسري الفخراني"