"نحن نغني لأخر صف في المسرح، لهؤلاء ممن يشعرون بأنهم لا ينتمون إلى أحد ولا إلى أنفسهم، نحن ننتمي لهم". هذه جملة على لسان (فريدي ميركوري) أو رامي مالك من فيلم bohemian rhapsody الذي جعله واحدا ضمن أبرز نجوم السنيما العالمية مؤخرا وتردد اسمه كثيرا في حفلات توزيع جوائز السينما الأبرز عالميا، كما أن الفيلم ينافس على 5 جوائز في أوسكار 2019 منها أفضل فيلم، وأفضل ممثل دور رئيسي.
بطل الفيلم الحقيقي مغترب ومن يجسد شخصيته مغترب أيضا كلاهما من أبوين مهاجرين يعيشان في بلاد أجنبية، والفريق الغنائي Queen الذي يتناول الفيلم تاريخ صعوده مركزا على شخصية نجمه الأول فريدي يغني لمن لا ينظر إليهم أحد ويبحثون عن Somebody to love.
وجود أكثر من عنصر سينمائي مميز بالعمل الفني يزيد من قيمته الفنية، ويجعله مثار إعجاب النقاد والجمهور، لكن لم يتوافر هذا الأمر في فيلم bohemian rhapsody، إذ لا تجد نفسك أمام فيلم عظيم يرصد قصة صعود المطرب فريدي نجم الفريق الغنائي البريطاني صاحب الشهرة العريضة في إنجلترا والعالم بالسبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي.
الفيلم يحمل توقيع المخرج الأمريكي برايان سينجر، وكان مغامرة منه التصدي لتجربة إخراج فيلم غنائي على غير عادته في تولي مسؤولية أفلام السوبر هيرو ومنها X-MEN وX-Men: Days of Future Past أو أفلام الجريمة مثل Apt Pupil، وربما كان الخوف من هذه المغامرة سببا لكي يتوخى الحذر، فهو في عالم غريب عنه ولا تقف بجانبه عوامل الإثارة والأحداث المشوقة التي تمتلئ بها أفلامه السابقة.
إذن المخرج هنا لا ينتمي لهذا العالم أيضا، لكنه قرر خوض التجربة، مستلهما ميزة Queen الأبرز وهي الدخول في عوالم جديدة، لكن متخليا عن جرأتها في الاقتحام، فقد تجنب الحديث عن حياة فريدي ميركوري الشخصية وميوله الجنسية، كما تجنب الحديث عن علاقته بالأميرة ديانا والصداقة والمواقف التي جمعت بينهما، متلامسا بحذر أيضا مع حياته العائلية وعلاقته المضطربة بوالده ورغبته الجامحة في أن يصبح مطربا شهيرا.
ترك الفيلم كل ذلك وأكثر، واختار صناعه اضافة أحداث درامية أخرى حتى لا يصبح مجرد عملا يسرد فقط وقائع حدثت بالفعل، فالفريق لم ينفصل قبل حفل Live Aid كما ذكر الفيلم، كما أن شخصية مثل المنتج ( راي فوستر) لا وجود لها، وعلاقة فريدي بصديقه جيم هوتون لم تبدأ كما ذكر العمل ولم يكن يعمل خادما له، وهو أمر جيد يحسب للمخرج لكنه لا يشفع له ابتعاده عن جوانب كثيرة في حياة المطرب والفريق الغنائي.
أفكار جيدة.. كلمات جيدة.. أعمال جيدة، جملة تأتي على لسان والد فريدي ميركوري الذي كان اسمه في البداية فاروق لكنه غيره بعد ذلك، وهذه الجملة الحوارية يتوافق معها الفيلم في جزأين فقط وهما الأفكار والأعمال، ففكرة انتاج فيلم عن Queen بالطبع مميزة وتضمن نسب جيدة من النجاح، كما أن الفيلم في النهاية خرج بشكل جيد، لكن ليس بفضل المخرج أو السيناريو والحوار الذي شارك في كتابته سينجر أيضا، ولم يتضمن الأقوال الجيدة بل جمل متوقعة مسبقا ومباشرة إلى حد كبير.
اختيار المخرج في ألا يتعرض لمناطق شائكة في حياة فريدي ميركوري، جعل العمل أشبه بفيلم غنائي عادي، لكن هناك عاملين ساعداه في أن يكون فيلما ممتعا.
العامل أو الفضل الأول في نجاح الفيلم يعود إلى رامي مالك، الذي كان لمع اسمه في مسلسل Mr. Robot وجاءته فرصة Queen الذهبية، فبأداء متوازن بين تقليد حركات وأسلوب فريدي ميركوري وبين إضافة لمسات خاصة على الشخصية لا تذهب بها بعيدا، استطاع أن يربط صورته بواحد من نجوم الغناء في العالم.
أما الفضل الثاني فهو أن الفيلم يحكي عن فريق غنائي ناجح بالفعل وقصة حياة نجم الفريق بها العديد من التحولات والأحداث الدرامية، ومنها حياته العائلية والعاطفية المضطربة، وأيضا وفاته بسبب مرض الإيدز، التي صدمت عشاقه حينها، ويتضح ذلك جليا بتركيز الفيلم على قصص نجاح الكثير من أغان الفريق، وكواليس تسجيلها، بل تكاد لا تمر 7 دقائق دون أن نسمع أو نشاهد حفلا غنائيا لـ Queen خصوصا في بداية الفيلم وحتى الثلث الأخير منه، والذي فضل المخرج فيه أن يفسح المجال كثيرا لنهايته مع حفل live aid الذي تنتهي مع أحداث الفيلم، ويبدو أنه كان نهاية مناسبة فذلك الحفل الخيري الشهير الذي أقيم في الثمانينيات من القرن الماضي، وجهت أرباحه إلى ضحايا المجاعات في أفريقيا، وهو ما يضيف لمسة إنسانية درامية على العمل.
لكن هذا الفضل كان متبادلا في الحقيقة بين الجانبين، إذ أن الفيلم ساعد على تذكر الجمهور وعشاق الأغاني خصوصا لـ Queen مجددا، وجعل اسمها يتردد كثيرا في الأشهر الأخيرة، خصوصا بين جيل هذا الفريق الذي عاصره وعاش مع أغانيه، وقد يعيش البعض منهم في حالة اغتراب مع الموسيقى الحالية، لذا كان الفيلم بمثابة الفرصة للانتماء إليه والعيش لمدة ساعتين في من النوستاليجا والاستمتاع بأغاني الفريق في صورة جديدة .
الفيلم ينتمي إلى الأفلام الغنائية ذلك العالم الغريب على رامي مالك، والذي نجح فيه، والغريب أيضا على مخرجه الذي آثر السلامة في التجربة السينمائية الــ11 له، ومر كريما على جانب من حياة فريدي ميركوري العائلية والجنسية الصاخبة، تاركا للجمهور الاستماع بالأغاني وبأداء رامي مالك، وقد يكون ذلك بسبب الخلافات التي حدثت بين بطل الفيلم ومخرجه، واستبدال الأخير بمخرج آخر ليستكمل العمل، وأيضا ما تردد عن تدخل أعضاء الفريق في بعض الرؤى الدرامية.
اقرأ أيضا
كيف حصل رامي مالك على أسنان فريدي ميركوري؟
ساخر- النسخ الصادقة لأفلام أوسكار 2019.. عن إبليس وفضلات الكلب ومضاجعة الملكة