حتى يكون لدينا عمل سينمائي ما، لا بد من سيناريو يقدم معالجة لفكرة، يتابع شخصية أو قضية، لكن بماذا سيشعر المشاهد إذا شاهد فيلمًا يقدم قصة حياة تقليدية تمامًا لا تحتوي على أي صراع أو تحمل أي قضية؟
في إطار برنامج المنتدى الممتد (Forum Expanded) في مهرجان برلين 69 عرض الفيلم المصري الجديد الوحيد المشارك في المهرجان هذا العام، وهو الفيلم التسجيلي القصير ”لقاء لم يذاع“ (الصحيح لم يُذع، ولكنها مكتوبة بهذا الشكل على بوستر الفيلم) الفيلم من إخراج محمد صلاح في أول تجاربه الإخراجية.
إبراهيم المنوفي
يتابع الفيلم بشكل رئيسي إبراهيم الفيومي، الذي يعمل في مقهى بلدي، ونشاهد أبنائه وملامح من حياته. وفي خط آخر نشاهد تصوير حلقة تليفزيونية مع إبراهيم في برنامج يدعى ”كفاح ونجاح“، ومن هنا جاء عنوان الفيلم إذ أن هذا اللقاء لم يُذع.
طوال الفيلم نحاول أن نتعرف على السر وراء اختيار هذه الشخصية تحديدًا لتكون موضوع الفيلم، لكننا لم نجد إجابة شافية. يتحدث إبراهيم بشكل متقطع أثناء الفيلم عن حياته الشخصية، والموضوع الأبرز في حديثه هو عن علاقاته النسائية المتعددة، وكراهيته للنساء التي أدت لانتقامه منهن على حد قوله.
ربما تكون شخصية متعددة العلاقات النسائية مثيرة إذا كان لديها ما تحكيه بالفعل، لكن ما يحكيه إبراهيم لا يتعدى كونه مواقف قصيرة لا يوجد فيها ما يثير على الإطلاق.
رغم وجود تعليق على قدرته على الحكي داخل الفيلم لكننا لا نجد هذه القدرة ظاهرة على الشاشة بأي شكل، يفتقر بطل الفيلم إلى الجاذبية المطلوبة ليكون هو الموضوع الرئيسي للفيلم. ولا يعد هذا هو التعليق الوحيد الذي لا يوجد دلالة عليه.
في أحد مشاهد حوار برنامج ”كفاح ونجاح“ يقول إبراهيم إنه حقق ملايين من عمله، وهو موضوع جدير بالمتابعة بالنسبة للشخصية التي نراها، فكيف جمع هذه الملايين ولماذا لا يظهر عليه أي مظهر من مظاهر الثراء بأي شكل؟ لكننا لا نجد إجابة على هذه الأسئلة على الإطلاق.
حتى في ما يخص موضوع النساء، يذكر أنه في كل زيجاته المتعددة لم يرد الإنجاب، لكنه الآن متزوج من امرأة مطلقة ولديها طفلين وأنجب هو منها طفلين، مرة أخرى استقراره في الزواج مع هذه المرأة تحديدًا بظروفها تلك أمر غريب يمكن أن نستمع إلى المزيد عنه لكن هذا لم يحدث.
هكذا نجد أن الفيلم في أغلب المشاهد يقفز على الأحداث المهمة ولا يمنحنا الصورة كاملة أبدًا بل صورة مبتورة، وليس بالشكل الذي يمكن للمشاهد أن يكمله في خياله.
تقنية بسيطة
الفيلم هو الأول لمخرجه الذي درس في ورشة سيني دلتا، ربما يغفر له هذا بعض الشيء تراجع الفيلم على المستوى التقني، مثل ضعف جودة الصورة، وزوايا التصوير غير المريحة للرؤية في بعض المشاهد، وإن كانت هناك أخطاء لا تغتفر.
في مشاهد المقهى تحديدًا نجد أن صوت رواد المقهى يرتفع أعلى من صوت الحوار بشكل يؤدي لصعوبة سماع الحوار بالفعل. وفي بعض مشاهد حوار برنامج كفاح ونجاح نتسمع إلى ”طقطقة“ غير مفهومة في الصوت، ربما بسبب خبطات على المايكروفون.
اعتمد المخرج على ظهور شاشة فاصلة كالتي كانت تظهر عند انقطاع الإرسال، واستخدمها للفصل بين عدة مشاهد، في الأغلب بين المشاهد التسجيلية ومشاهد البرنامج، وإن كان الانتقال يحدث في بعض المشاهد دون استخدام هذا الفاصل مما جعل وجوده غير مفهوم.
كفاح ونجاح
مشاهد برنامج ”كفاح ونجاح“ كانت هي الأفضل داخل الفيلم بلا منازع، إذ أن المذيع محمد الإسكندراني لديه شخصية طريفة بالفعل، ويدير الحوار بشكل يدعو للضحك، رغم أنه يتعامل بمنتهى الجدية، لكن هذه الجدية بينه وبين إبراهيم تولد أفضل مشاهد الفيلم في كل مرة، ومحاولات إبراهيم لتصنع الشخصية التي لديها جانب عميق، نظرًا لوجوده أمام الكاميرا في برنامج، تولد الضحك تلقائيًا.
في أحد المشاهد يقول المذيع لإبراهيم إنه يبدو عليه حبه لعمله، فيخوض إبراهيم في تعليق طويل بكلام مثل الذي يكتبه الطلبة في مواضيع الإنشاء، ويقول ”أهم حاجه تحب الموضوع“، فيعلق محمد ”تحب الشغل“ ليرد إبراهيم ”لا تحب الموضوع“، وهو حوار عبثي تمامًا، يحاول كل منهما خلاله أن يدير دفة الحوار لصالحه، في حين أن الموضوع لا يحتمل من الأساس أية محاولات للإضافة.
ربما كان الفيلم سيصبح في مكان آخر إذا كانت هذه المشاهد هي الأساس، لكننا رأينا مشاهد كثير لم تكن مؤثرة، مثل مشهد حفل ميلاد ابن إبراهيم، والذي أخذ وقتًا طويلًا في نهاية الفيلم دون داعٍ.
في الفيلم التسجيلي القصير All on a Mardi Gras Day الأمريكي للمخرج ميشيل بيترزيك، والذي يشارك في مسابقة الأفلام القصيرة للمهرجان هذا العام نجد النقيض لما ظهر في الفيلم المصري.
يركز الفيلم على الفنان ديموند ميلانكون الذي يصمم ملابس مطرزة بالخرز، ويرسم به أشكالًا وشخصيات تراثية، ولذلك لارتدائها في كرنفال ماردي جرا في أمريكا. يختار المخرج شخصية جذابة بالفعل، ميلانكون لديه حضور واضح أمام الكاميرا، ولكنته التي يصعب فهم بعض الكلمات منها لها وقع يميز الشخصية. لكن المخرج لا يتكفي بعرض هذه الشخصية، بل يختار موضوعًا آخر ليضع الشخصية في إطاره، فيتابع التحضيرات الأخيرة للملابس التي يصممها ميلانكون قبل أيام من انطلاق الكرنفال، وتكون مشاهد الكرنفال نفسه هي المشاهد الختامية في الفيلم.
هكذا صار لدينا شخصية ولدينا موضوع وبالتالي صار للفيلم شكل واضح، وهو ما غاب بالتأكيد عن ”لقاء لم يذاع“.
اقرأ أيضا
افتتاحية محبطة لـAlita: Battle Angel في شباك التذاكر الأمريكي.. الحب يتفوق على الرعب