۱۲ فيلمًا يجب مشاهدتها في أيام قرطاج السينمائية 2018

تاريخ النشر: الجمعة، 2 نوفمبر، 2018 | آخر تحديث:
أفلام يجب مشاهدتها في أيام قرطاج

توقفت منذ أشهر عن كتابة هذا النوع من القوائم، بعدما صارت مهنة من لا مهنة له أن يملأ قائمة بعناوين أفلام قرأ عن معظمها ولم يشاهده، معتبرًا إنه يقدم بذلك خدمة قيمة لجماهير تحب عادة القوائم ذات الأرقام. وترشيح أفلام لم تشاهدها قد يجوز مثلًا في حدث مثل مهرجان كان الذي يكتشف فيه العالم كله جديد السينما العالمية في الوقت نفسه، لكن في مهرجاناتنا العربية يبدو من المتأخر جدًا ـ ومن غير الأخلاقي ربما ـ الاعتماد على كتابات الآخرين حول أفلام عُرض أغلبها قبل شهور وأسابيع.

إلا أن أيام قرطاج السينمائية حالة خاصة جدًا، لأنها المكان الوحيد الذي يُمكن أن يشعر فيه ناقد بقيمة ترشيحاته عندما تأت عن دراية حقيقية للأفلام، ومشاهدة دقيقة لها وقت عرضها الأول، وجهد يُبذل في اختيار قائمة تمثل رأي صاحب المقال حتى وإن اختلف البعض مع تفاصيلها. على سبيل المثال ضمت القائمة الأولى هنا 19 فيلمًا تم تصفيتها لهذه الـ 12 فيلمًا، مع منح وقت كاف للمقارنة والاختيار للانتهاء لهذه العناوين التي ربما سيجد من يشاهدها الجديد والجيد والقيم سينمائيًا. ومتابعة الآلاف من محبي السينما الذين يتداولون الآراء فيما بينهم ويختارون بين الأفلام هو سبب كاف لأن يرضى أي كاتب عن تقديم مساعدة ولو بسيطة لهم.

جدير بالذكر أن القائمة لم تضم أفلامًا لم أشاهدها بعد تبدو جديرة بالمشاهدة، سيكون قرطاج فرصة لاستكشافها عن قرب، منها "مسافرو الحرب" للسوري جود سعيد و"عدالة الغابة" للرواندي جويل كاراكيزي و"كان يمكن أن نصير أبطالًا" للتونسية هند بنصاري و"لماذا نحن مبدعون؟" للألماني هيرمان فاسكه.

في عينيا – تونس

يراوغ نجيب بلقاضي الجمهور مرتين في فيلمه الجديد الذي عُرض للمرة الأولى عالميًا قبل أقل من شهرين في مهرجان تورنتو: مرة عندما يبتعد عن العالم الفانتازي الذي ميز أعماله السابقة ليخوض مساحة إنسانية شائكة هي علاقة أب مشكوك في تحمله المسؤولية وابن مصاب بالتوحد يحتاج رعاية بالغة الخصوصية، ومرة أخرى عندما يخرج من حيز الميلودراما الذي يمكن توقعه من القصة السابقة ليشغل فيلمًا بسيطًا، رقيقًا، فيه تقدير للبشر ولفن السينما في آن واحد، فهي علاقة بين أب وابن وكاميرا وعيون. "في عينيا" يمتلك أيضًا أكثر مشاهد النهاية عذوبة في كامل إنتاج السينما العربية للعام الحالي.

يوم الدين – مصر

يجمع فيلم المخرج أبو بكر شوقي الأول أمرين بفيلم نجيب بلقاضي، فكلاهما يتناول ظاهريًا حالة مرضية هي الجذام في حالة "يوم الدين"، لكنها لا يقع في فخ العاطفية المبالغ فيها وينحاز أكثر للعذوبة وللبحث عن الجوهر الإنساني لأبطال حكايته. فيلم شوقي رحلة تجمع مريض جذام وطفل يتيم وحمار يخوضان طريقًا طويلًا في أماكن يتم التصوير فيها للمرة الأولى بصعيد مصر. رحلة تملك من الطزاجة والأصالة ما يسمح بغفران أي هنّة أو تعثر. فيلم وجد طريقه لمسابقة مهرجان كان الرسمية في إنجاز لم يتحقق منذ عقود لمخرج عربي في عمله الأول. أما ثاني ما يجمع "يوم الدين" و"في عينيا" فهو كونهما أكبر المرشحين ـ من وجهة نظر كاتب السطور ـ لنيل التانيت الذهبي.

حرب باردة Cold War – بولندا

في فيلمه المتوّج بجائزة الإخراج في كان، يحتفظ أستاذ السينما بافيل بافليكوفسكي بالسمات البصرية لفيلمه السابق الشهير "إيدا": التصوير بالأسود/ أبيض، أبعاد الصورة الكلاسيكية 3:4، والاهتمام المفرط بالتكوين لا سيما بالعلاقة بين الفرد في مقدمة الصورة والجماعة في خلفيتها. حكاية حب معقدة تدور وسط الحرب الباردة عبر عدة دول، في وقت كانت المرأة فيه مجبرة على تقديم تقارير أمنية حول حبيبها، لكن بافليكوفسكي يتجاوز النقد السياسي لما هو أعمق: تشريح شخصيتين لكل منهما مميزاته وعيوبه، والحياة في ظل نظام قمعي تعمق بالطبع هذه العيوب، حتى لو نجح صاحبها لاحقًا في الفرار إلى عالم أكثر حرية. "حرب باردة" متعة للبصر وللسمع ولمن يريد مشاهدة أداء تمثيلي مدهش من البطلة يوانا كوليج.

سعيد كلازارو Happy as Lazzaro – إيطاليا

أحد مفاجآت العام الكبرى السارة هو فيلم المخرجة أليس رورفاكر الفائز بجائزة السيناريو في مهرجان كان الأخير، خاصة في شكل السرد غير المعتاد الذي ينتهجه الفيلم بالانقسام لجزأين يختلف كل منهما كليًا عن الآخر في كل شيء عدا البطل لازارو، الشاب القروي الهادئ البريء الذي يصدق كل من حوله وينفذ طلباتهم مهما بدت غريبة، والذي ينتقل بشكل خوارقي في منتصف الفيلم عبر الزمن ليصل وقتنا الحاضر. "سعيد كلازارو" تحية واضحة للبراءة ممثلة في بطل الفيلم، الذي يقف دائمًا بنبله وإنسانيته في وجه أي حكم يمكن أن نأخذه على العالم المحيط به، بل ويجبر من حوله على أن يكونوا أكثر إنسانية استجابةً لما يفعله، وتحية أيضًا لابناء الطبقة العاملة الإيطالية التي ترينا رورفاكر من أين أتوا وإلى أين انتهوا.

أمل – مصر

لا تُعرض أفلام المخرج محمد صيام في مصر بسبب محتواها السياسي، بينما في حقيقة الأمر هو أفضل وأنجح مخرج مصري يعمل في مجال الأفلام الوثائقية حاليًا. فيلمه الطويل الأول "أمل" اختير ليكون فيلم افتتاح مهرجان "إدفا" أكبر مهرجان عالمي في السينما الوثائقية، ويأتي أخيرًا للعالم العربي من بوابة قرطاج. "أمل" يتابع بدأب وصبر فتاة متمردة بطبيعتها، صاخبة ومندفعة وصاحبة رأي وموقف، اندلعت "ثورة" يناير وهي في أواخر طفولتها، فانخرطت فيها بشكل كامل لتقضي مراهقتها في مظاهرات وصدامات وخلافات مع كل من لا يتفق معها في الرأي وعلى رأسهم والدتها، وصولًا لبلوغها سن الثانوية العامة بعد أن رأت الكثير، وقررت ـ ولو بغير اقتناع ـ أن يكون حلمها صغيرًا مثلها. وفي التناقض بين حماس أمل وصدقها وطاقتها الضخمة، وبين تهافت منطقها في كثير مما تقوله وتخوض معاركها من أجله، يقدم صيام ـ بدون كلمة تعليق واحدة ـ واحدًا من أعمق التحليلات وأكثرها نفاذًا لجوهر الحراك الذي شهده الشارع المصري قبل أعوام.

رفيقي Rafiki – كينيا

فيلم آخر تعرض للمنع في بلده رغم نجاحه الدولي، هو فيلم المخرجة وانوري كاهيو الذي رغبت الحكومة الكينية في منع مشاركته في مسابقة "نظرة ما" خلال مهرجان كان الأخير رغم كونه أول فيلم كيني يبلغ هذه المنصة المرموقة. لكن كيف يُمكن أن ينال الفيلم رضا حكومته وهو يجمع بين قضيتين جدليتين: المثلية والفساد. حكاية حب ينشأ تلقائيًا بين مراهقتين في العاصمة نيروبي، لكل منها شكلها ونمط حياتها المختلف تمامًا عن الأخرى، لكن شرارة الحب تندلع كالعادة خارج المألوف، لتجد الفتاتان المملؤتان بالطاقة والإقبال على الحياة أن عليهما مواجهة أنفسهما بالحقيقة أولًا، ثم الوقوف أمام آباء لديهم تنافس سياسي يشغلهم ويجعل التفكير في "صغائر" مثل الحب رفاهية لا داع لها، فما بالك لو كان هذا الحب محرمًا؟ "رفيقي" فيلم بسيط ومؤثر ومبهج أحيانًا، عيوبه تنساها بسهولة وتذكر فقط حسناته.

سارقو المتاجر – اليابان

فوز أي فيلم بسعفة كان الذهبية سبب كاف لترشيحه للمشاهدة، لكن في حالة فيلم الياباني هوريكازو كوريدا يأتي الترشيح بناءً على الفيلم نفسه قبل قيمة أي جائزة نالها. أستاذ الدراما الأسرية يقدم أكثر أفلامه قوة وعذوبة وقدرة على الصدمة. حكاية تبدأ بهدوء وحميمية حول عائلة فقيرة يكسب أفرادها قوتهم بارتكاب سرقات صغيرة، وتنتهي باكتشاف صادم لا يقلل ـ رغم قسوته ـ حبنا لأفراد هذه العائلة، بل يطرح أسئلة عميقة حول معنى الأسرة ككيان، وماهي الأبوة وهل هي أمر بيولوجي بحت أم لا، بل وعن مفهوم الجريمة وهل من الممكن أن تكون أحيانًا فعلًا مقبولًا.

غداء العيد – لبنان

يقدم فيلم المخرج لوسيان بورجيلي درسًا بليغًا لصناع السينما في العالم العربي في إمكانية تقديم فيلم متميز بأقل الامكانيات. "غداء العيد" فيلم لا تحمل تتراته اسم شركة انتاج، فو فقط إنتاج لوسيان بورجيلي وفرح شاعر، المخرج المسرحي المرموق الناشط سياسيًا وشريكته وبطلة فيلمه التي تحمست لمشاركته الإنتاج. يستفيد المخرج من خلفيته المسرحية، ويطوع أدوات بسيطة ليروي حكاية تبدو بسيطة تدور في مكان واحد: غذاء عائلي في عيد الفصح. شد وجذب معتاد بين أفراد أي أسرة يجتمعون حول طاولة طعام فيتبادلوا الآراء والجدل، ومأزق عابر يطرأ على الليلة فيخلق منها تشريحًا ذكيًا للشخصية اللبنانية المعاصرة المليئة بالتناقضات. عمل ذو حس مسرحي لكنه مُشبع سينمائيًا، استحق تتويجه بجائزة لجنة التحكيم في آخر نسخة لمهرجان دبي.

طرس، رحلة الصعود إلى المرئي – لبنان

من لبنان أيضًا يأتي فيلم المخرج غسان حلواني الفائز بتنويه خاص من مهرجان لوكارنو والذي يقف في مسافة متوسطة بين الفيلم التسجيلي والتجريبي، والتجربة هنا بصرية بالأساس تنبع من فكرة عبقرية: مئات المفقودين في الحرب الأهلية اللبنانية أُغلقت الملفات دون إثبات كونهم أحياءً أو أموات (وهو الأرجح)، وضاعت مع الزمن وجوههم من تنويهات المفقودين على جدران بيروت. حلواني يقرر استعادة هذه الوجوه عبر إزالة طبقات متتالية من الملصقات الإعلانية يجسد كل منها فترة وجيلًا وجوًا عامًا. تجربة استكشافية ذات أثر تنويمي يخوضها المخرج ونخوضها معه فلا ننتبه لمرور الوقت ونحن مشدودين لمتابعة بواقي إعلانات قديمة بعضها لم يكن مهمًا حتى في زمنه.

دشرة – تونس

لا يبدو وصف "أول فيلم رعب تونسي" مثيرًا بالقدر الكافي لمن اعتاد المفاجآت غير السارة من صناع الأفلام العرب عندما يرغبون في تقديم هذه النوعية من الأفلام تحديدًا. إلا أن فيلم عبد الحميد بوشناق يُمثل مفاجأة حقيقية على صعيد تمكن المخرج الشاب بأبسط الإمكانيات من صناعة فيلم نوع محكم. حكاية مثيرة مصاغة بعناية، وشخصيات قابلة للتعاطي والتفاعل معها في الرحلة المعتادة لأي فيلم رعب: كيف يمكن للإنسان أن يقود نفسه إلى الهلاك مدفوعًا برغبة غريزية في الاكتشاف ولو كان معناه التدمير الذاتي. لا ينفرد "دشرة" بهذا المضمون الذي يمكن إيجاده في أغلب أفلام الرعب، لكنه ينفرد بجودة تنفيذ وقيمة فنية مرتفعة جعلت أسبوع النقاد في مهرجان فينيسيا يأخذ قرارًا جريئًا باختياره فيلمًا لختام الأسبوع في نسخة العالم الحالي.

عن الآباء والابناء – سوريا

أفضل الأفلام الوثائقية العربية في العام الحالي، وسيكون أحد أهم المتنافسين على أوسكار هذه الفئة لا سيما بعد تتويجه بجائزة لجنة التحكيم الكبرى في مهرجان صندانس. لكن فيلم المخرج طلال ديركي هو أيضًا أحد أكثر الأعمال إثارة للجدل، بدرجة وصلت لاتهام البعض للمخرج بالعمالة والخيانة، فقط لأنه قام بالاندساس وسط جماعة جبهة النصرة وتقرب من أحد رجالها ليصوّر على مدار عامين علاقته بأولاده، ومعضلة كونه أبًا يحب أبنائه ويريد لهم الأفضل ـ من وجهة نظره ـ فينشأهم مجاهدين يحاربون من أجل دولة الخلافة. ديركي أعلن قبل أيام مقتل الشخصية الرئيسية في الفيلم خلال عملية انتحارية، وهو ما يرفع من حرارة الجدل الذي يتعلق الآن بإرهابي رسميًا، لكن الجدل أيًا كان لا يُنقص من متعة وقيمة الفيلم، بل يزيدهما.

ابنتي – إيطاليا

رابط رئيسي يجمع فيلم المخرجة لاورا بيسبوري الذي تنافس مطلع العام في مهرجان برلين بعملها السابق "عذراء القسم Sworn Virgin"، رابط يعتمد على فكرة الوعود التي يقطعها البشر وهم يؤمنون بقدرتهم على تنفيذها مدى الحياة، قبل أن تتغير الظروف لتوضع البطلة في مواجهة قرار كان من المفترض أن تكمل حياتها دون مراجعته. امرأة سكيرة تنازلت عن وليدتها لتربيها صديقة، قبل أن تعود وتتراجع بعد سنوات. أنجليكا هي نفاية بيضاء White Trash بامتياز، امرأة بلا قيمة تقوم في الصباح بأعمال حقيرة وفي الليل تعرض جسدها لأي رجل في حانة القرية مقابل كأس من الشراب. فهل تستحق امرأة مثلها أن تكون أمًا؟ سؤال جدلي تطرحه بيسبوري وتترك لنا حرية إجابته.

ملحوظة ختامية: باقي الأفلام الـ 19 التي ضمتها القائمة الأولية للترشيحات تضم كل من: "ولدي" و"عالسكة" و"فتوى" – تونس، "لعزيزة" – المغرب، "إلى آخر الزمان" – الجزائر، "مفك" – فلسطين وأخيرًا "سوبا مودو" - كينيا.

اقرأ أيضا

"عيار ناري".. عندما يتعارض الحق مع الحقيقة

"بني آدم".. حكاية بلا بداية ولا وسط ولا نهاية