ساعات قليلة، ويسدل الستار على الدورة الثانية لمهرجان الجونة السينمائي التي شهدت عرض مجموعة من الأفلام المهمة، والمناقشات الثرية مع صناع الأفلام.
تضمنت المسابقة الرسمية 15 فيلما، منها 5 أفلام عربية هي "يوم الدين" للمخرج المصري أبو بكر شوقي، و"يوم أضعت ظلي" للمخرجة السورية سؤدد كعدان، و"ريح رباني" للمخرج الجزائري مرزاق علواش، و"ولدي" للمخرج التونسي محمد بن عطية، و"مفك" للمخرج الفلسطيني بسام جرباوي.
ونظرا لأن المهرجان يخصص جائزة نجمة الجونة الذهبية لأفضل فيلم عربي، فإن هناك منافسة قوية بين هذه الأفلام التي تباينت مستوياتها الفنية وتقييماتها.
في التقرير التالي، نوضح أبرز نقاط القوة والضعف في كل فيلم من الأفلام الـ5، مع تحديد من الأقرب للتتويج بالجائزة التي تصل قيمتها 20 ألف دولار أمريكي.
"يوم الدين"
الفيلم الذي شارك في المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي في دورته الـ71، وحصل على جائزة فرانسوا شاليه للأعمال الإنسانية.
اقتحم المخرج أبو بكر شوقي في عمله الروائي الأول عالم يعرفه جيدا منذ إخراجه الفيلم التسجيلي "المستعمرة" قبل ما يقرب من 10 سنوات، عندما التقى بمرضى الجذام المنعزلين داخل مستعمرة بعيدا عن أسرهم وتأثر بحكاياتهم وتفاصيل حياتهم الصعبة.
اكتسب الفيلم أهمية كبرى من اختيار ممثل غير محترف متعافي من المرض لتجسيد دور البطولة، إلى جانب طفل صغير يقف أمام الكاميرا لأول مرة في حياته. لا ينزلق في فخ استدرار التعاطف، بل يعرض رحلة ممتعة ومؤلمة في آن واحد تتناول واقع المهمشين في مصر.
ابتعد شوقي على عن جمل الوعظ والمباشرة في الرسالة حتى الربع الأخير منه. لكن مع قرب انتهاء الرحلة، بدأ الحوار يتخذ منحنى يشرح الفكرة ومعنى المساواة بين البشر جميعا وتقبل الاختلافات مهما كانت، وكأن أحداث الفيلم واسمه الذي يشير إلى تحقق المساواة والعدالة بين الناس في يوم الحساب، غير كافيين لفهم المعنى المقصود.
مع ذلك، يعتبر الفيلم المرشح الأقوى للفوز بالجائزة، إلا إذا حالفه الحظ وتوج بالجوائز الأخرى المخصصة لمسابقة الأفلام الروائية الطويلة.
"يوم أضعت ظلي"
نال الفيلم الأول للسورية سؤدد كعدان شهرة واسعة بعد فوزه بجائزة أسد المستقبل في الدورة الـ75 لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي. وقد استند على تجربة شخصية لمخرجته التي غادرت موطنها الأصلي في 2012 وانتقلت للعيش في بيروت.
يتخلى الظل عن الجسم في الظلام إذا كان في منطقة مُعتمة خالية تماماً من الضوء. هذه القاعدة المعروفة كانت الفكرة الرئيسية التي بنت عليها المخرجة فيلمها لتوضح تأثير الحرب وأهوالها على من يعيشونها. في هذا الفيلم، يختفي ظل الأشخاص مع مرورهم بمأساة كبرى تقتل النور بداخلهم، وتجعلهم في حالة من الضياع والتيه غير قادرين على مواصلة الحياة، بل يصبحون أقرب للموت.
رغم تماسك الفكرة الأساسية وإنسانية مضمونها، فإن الفيلم نفسه في بعض المشاهد لا يدفعك إلى التأثر بأحداثه، بل يجعل منك فقط مراقبا لحياة أناس آخرين يواجهون ظروفا عسيرة. لا تتورط كليا مع حكايات الشخصيات أو تنشغل بما تعرضوا له في الماضي. ربما لأن الجميع عدا البطلة الرئيسية لا تتغير تصرفاتهم من البداية حتى النهاية ولا مواقفهم، ومن السهل توقع خطوتهم التالية وردة فعلهم تجاه مختلف الأمور.
تباينت الآراء عقب عرض الفيلم في مهرجان الجونة، بين من يرى أنه فيلم إنساني بامتياز لا ينحاز لموقف سياسي معين، وبين من يرى أن هناك تحفظات على السيناريو وبعض تفاصيل الفيلم.
ربما يكون للفيلم فرصة في الفوز بسبب القضية التي يناقشها، لكن كافته حتى الآن غير راجحة.
"ولدي"
الفيلم الثاني للمخرج محمد بن عطية عُرض في قسم "نصف شهر المخرجين" بمهرجان كان السينمائي في دورته الـ71.
كما فعل في فيلمه الأول "نحبك هادي"، اختار بن عطية أن تكون أحداث فيلمه الجديد في قالب عائلي، يعكس من خلاله التغيرات التي تحدث في المنطقة بسبب صعود الجماعات الجهادية المتطرفة، ونجاحها في استقطاب الشباب صغير السن. مع ذلك، الفيلم بالأساس يحمل طابعا إنسانيا، ويطرح تساؤلات حول مسؤوليات أفراد العائلة تجاه بعضهم البعض، والمعنى الحقيقي للسعادة، وقيمة اختياراتنا وتأثيرها على حياة من حولنا.
لكن يعيب "ولدي" الاستغراق في عرض تفاصيل غير مهمة دون تطور الأحداث وكأن توصيل حالة الرتابة والملل التي تعاني منها الأسرة لا سبيل إلى تحقيقها سوى ببطء زمن الفيلم نفسه. بالإضافة إلى أن تصرفات بعض الشخصيات لم تكن مقنعة مثل الأم التي جاءت ردود أفعالها طوال الوقت غير مبررة.
فرصة الفيلم في التتويج بجائزة أفضل عمل روائي عربي ربما تكون ضعيفة، لكن الممثل محمد ظريف يعتبر منافسا قويا على جائزة أفضل ممثل.
"ريح رباني"
فيلم المخرج مرزاق علواش، المشارك في الدورة الـ43 لمهرجان تورنتو السينمائي الدولي في قسم "الرواد".
في فيلمه الروائي الجديد المصور بالأبيض والأسود يواصل علواش البحث والتفتيش وراء ظاهرة التطرف الديني التي تناولها في عدد من أفلامه السابقة، محاولا الكشف عن التناقضات والصراعات الداخلية التي يعاني منها المنضمين إلى الجماعات الجهادية، كما أنه يرصد كيف أًصبح المجتمع مقموعا وتابعا لأفكار وأشخاص مشوهين نفسيا.
رغم رغبة المخرج في التركيز على الشخصيتين الرئيسيتين دون أي شيء آخر لكشف جوانب شخصياتهما واختلافاتهما، فإن مشكلة الفيلم الأساسية تكمن في عدم التطرق إلى ماضيهما وتوضيح الدوافع الدينية والسياسية التي تسببت في تحولهما إلى التشدد. إلى جانب أن هناك مشاهد غير مهمة في تطور أحداث القصة تسببت في بطء زمن الفيلم.
تعتبر فرصة الفيلم في الحصول على الجائزة ضعيفة نوعا ما نظرا لتعرضه لعدد من الانتقادات عقب عرضه في المهرجان.
"مفك"
الفيلم الأول للمخرج بسام جرباوي، شارك في الدورة الـ75 لمهرجان فينسيا السينمائي، إلى جانب الدورة الـ43 لمهرجان تورنتو السينمائي الدولي في قسم "اكتشاف". والحقيقة أن هذا الفيلم يعد اكتشافا بالفعل داخل هذه المسابقة، خاصة أنه لم يلفت الانتباه قبل عرضه في مهرجان الجونة مثل باقي الأفلام الـ5.
اختار جرباوي تقديم فيلم يتناول قصة حياة أسير قضى في السجون الإسرائيلية 15 عامًا، ليكشف من خلاله عن حالة الصدمة التي يصبح عليها المرء بعد الانعزال عن العالم لمدة طويلة، ويوضح أن المساندة التي يقدمها المحيطين هي في الأصل ضغوط قد تدفع إلى الانفجار. كما يتطرق إلى عدد من القضايا الشائكة في المجتمع الفلسطيني مثل الأوضاع الاجتماعية المتباينة بين من يعيشون داخل البلد وخارجه.
اهتم المخرج بعرض تفاصيل صغيرة تكشف عن عدم قدرة البطل على التأقلم مع الحياة الجديدة؛ بداية من انزعاجه من الضوء، مرورا بميله إلى المكوث في غرفة شبيهة من محبسه، وصولا إلى عدم قدرته على الحكي عما تعرض له داخل المعتقل، هذا بالإضافة إلى هجمات الذاكرة والتخيلات التي تنغص عليه محاولات البدء من جديد.
يؤخذ على الفيلم مشهد النهاية الذي تضمن عدد من المصادفات غير المبررة، إلى جانب أن اسم الفيلم نفسه لم يكن مرتبطا بموضوعه.
من الممكن أن يحالف الحظ هذا الفيلم ويتمكن من اقتناص الجائزة العربية نظرا لمستواه الفني الجيد. وقد ترجح كافته إذا حصل فيلم "يوم الدين" على جائزة مختلفة من جوائز المسابقة.
اقرأ أيضًا: