اكتسب المخرج التونسي محمد بن عطية شهرة واسعة منذ طرح عمله الروائي الأول "نحبك هادي"، المتوج بجائزتين في الدورة الـ67 لمهرجان برلين السينمائي الدولي.
لذا، كان من الطبيعي أن يترقب الجميع فيلمه الثاني "ولدي" الذي يعود من خلاله مرة أخرى إلى تناول أسرة متوسطة الحال في تونس، رابطا بين حياة أفرادها والتغيرات السياسية التي طرأت على المنطقة العربية.
الفيلم الذي عرض في قسم "نصف شهر المخرجين" بمهرجان كان السينمائي في دورته الـ71، يدور حول والدين ينشغلان بمستقبل ابنهما الوحيد الذي يستعد لأداء اختبارات المدرسة الثانوية. تسبب هجمات الصداع النصفي التي يتعرض لها الشاب في قلق والديه، وعندما يتعافى منها يختفي فجأة لينضم لجماعة جهادية.
يشارك الفيلم في المسابقة الرسمية لمهرجان الجونة السينمائي في دورته الثانية، المنعقدة من 20 إلى 28 سبتمبر الجاري.
التقى FilFan.com بالمخرج الذي أصبح واحدا من أهم صناع السينما التونسية خلال الفترة الحالية، للحديث عن فيلمه الجديد وعلاقته بفيلمه الأول ذائع الصيت، وتطرق إلى نوعية المواضيع التي يهوى تقديمها.
تميل إلى صناعة أفلام تركز أحداثها حول العائلة، واختيارات أفرادها بعد التعرض لموقف أو شخص ما يقلب حياتهم رأسا على عقب، لماذا تفضل هذه النوعية تحديدا؟
أحب الحديث عن الأشخاص وما يمرون به في حياتهم اليومية. وصحيح أن فيلم "ولدي" تدور أحداثه في قالب عائلي، لكن محوره الأساسي يدور حول مفهوم السعادة. فالأب إنسان بسيط كانت حياته مربوطة بأشياء تافهة مثل العمل والعائلة. ثم يبدأ في مراجعة اختياراته التي اتخذها في الماضي بعد المرور بشيئين؛ الأول تقاعده من الوظيفة، ثم هروب ابنه وانضمامه لجماعة جهادية.
الفيلم لا يسعى إلى تقديم إجابة محددة حول السعادة، وإنما يطرح تساؤلات حول منظومة العائلة والمسؤوليات الواقعة على عاتق أفرادها. فهناك صعوبات في التعايش مع الكيان الأسري، لكن أيضًا هناك الخوف من الوحدة والعزلة.
في حوارك مع France 24، عقب عرض فيلم "نحبك هادي"، قلت "ما أعنيه هو وجوب قطع الحبل السري مع كل ما يمكن أن يمثل المنظومة الأسرية والمجتمعية وغيرها، التفرد عن المجموعة من أجل تحقيق الذات ضروري وهو رسالة الفيلم".. هل هذا كان الهدف من انفصال الأب عن ابنه في فيلم "ولدي"؟
العائلة تخوف، هذا ما أشعر به. العيش تحت ظلالها يحمينا ويحصننا من أشياء عديدة، لكن في أحيان أخرى، يكون بمثابة عائق يفصل بيننا وبين العالم الذي نرغب في اكتشافه.
قصدت مثلا ألا يخرج المشهد الأخير من الفيلم بصورة متشائمة للغاية أو متفائلة. فالأب بعد المرور بهذه التجربة استطاع أن يفهم بعض الأشياء عن ذاته ويحاول اكتشاف ما يسعده حقا.
في فيلمك الأول كانت اختيارات البطل بمثابة ثورة من الداخل على التقاليد المفروضة عليه، في الوقت الذي كانت بلده أيضًا تعيش ثورة على النظام، وفي الفيلم الثاني جمعت بين الحكاية العائلية وموضوع الإرهاب الذي غير حياة الأبطال.. لماذا تحرص على الربط بين القصة الإنسانية والأحداث السياسية؟
يهمني دائما الربط بين موضوع الفيلم والواقع الذي نعيشه. مع ذلك، لم أفضل التركيز على تنظيم داعش من الناحية السياسية، لكني أردت أن أتناول الأمر من جانب إنساني موجع أكثر. انضمام الابن إلى الجماعة الجهادية ليس مرتبطا بفكر ديني، قدر ما هو مرتبط بالرغبة في التحرر من الضغوط المجتمعية المفروضة عليه المتمثلة في النجاح والزواج والعيش مثل بقية الناس. خرج ليبحث عن السعادة، وحتى إذا لم يعثر عليها فلديه حرية ألا يكون سعيدا.
المنضمون إلى داعش ليسوا عرب فقط وإنما من جنسيات أجنبية مختلفة، لذا الأمر غير مربوط بمشاكل اجتماعية محددة أو فئة معينة تعاني من الفقر. أعتقد أن الرابط بين كل من انضم إلى هذا التنظيم هو فقدان الأمل وانعدام العاطفة وفقر الروح.
التصوير في الفيلم اعتمد في النصف الأول على وضع الكاميرا أعلى الكتف من الخلف (Over The Shoulder Shot) ثم تغير موضعها مع تطور الأحداث وبداية اتخاذ القرارات.. لماذا استخدمت هذا الأسلوب؟
يهمني في الأساس محور المشهد وفكرته، وما أرغب في توصيله من مشاعر وأفكار. هذا الأسلوب يساعدني على ذلك لأنه قريب من الشخصية ولا يدفعني إلى المبالغة في تحريك الكاميرا واستعراض زوايا مختلفة. فهو بسيط وواقعي لا يفصل المشاهد عن المتابعة أو يشغله بشيء سوى الحدث الأساسي.
البعض انتقد استغراق الكثير من الوقت في عرض التفاصيل دون تطور الأحداث.. فما تعليقك على هذا الرأي؟
هذا اختيار شخصي، لأنني أفضل منح التفاصيل حقها، وعرض كل الأشياء الحياتية العادية المرتبطة بالشخصية وإحساسها. على سبيل المثال، عندما سافر الأب إلى إسطنبول، ركزت على انفعالاته وتصرفاته لأن هذا كان الوقت الوحيد في حياته الذي قضاه بمفرده ليفكر في حياته. لكني أتفهم من يميلون إلى الإيقاع السريع للأحداث.
هناك مقارنة مستمرة بينه وبين "نحبك هادي" رغم اختلاف الفكرتين، كيف ترى هذا الأمر؟
أعرف أن البعض فضل "نحبك هادي" أكثر من "ولدي"، وذلك نظرا لأنه أسهل في الفهم، ويتضمن قصة حب تداعب المشاعر وتخلق حالة من الرومانسية.
ماذا عن تجربة المشاركة في مهرجان كان السينمائي، وكيف استقبل الحضور الفيلم؟
كانت تجربة عظيمة، منحت للفيلم فرصة الوصول إلى نوعية مختلفة من النقاد والمتخصصين. وبصفة عامة، الفيلم صعب وأعتقد أن الحديث عنه وتحليله يحتاج توضيح في بعض النقاط. لكن في النهاية، التوصل إلى فكرته الأساسية تختلف من شخص لآخر، هناك من يرى أنه عن الجهاديين، وهناك من يظنون أنه عن الأب فقط. كثرة التأويلات أحيانا تقلق البعض وتدفع إلى رفض الفيلم.
في السنوات الأخيرة، أصبحت السينما التونسية حاضرة بقوة في المهرجانات الدولية المختلفة. ما السبب وراء هذه الطفرة من وجهة نظرك؟
أعتقد أن السينما تغيرت بعد الثورة التونسية، هناك شيء تغير بداخلنا وانكسر حاجز الخوف، ومال صناع الأفلام إلى الصراحة والجرأة في تناول المواضيع. كما تغلبنا على الكثير من المشاكل التي كانت تواجهنا في مرحلتي كتابة السيناريو والتصوير، بالإضافة إلى زيادة الإنتاج وفتح الباب أمام المنح والتمويلات الخارجية من دول مهتمة بالسينما مثل فرنسا وبلجيكا.
في المقابل، قبل الثورة مالت السينما إلى استخدام الرمزية كثيرا حتى لا يحدث صدام مع السلطة.
هل تنوي الاستمرار في تقديم أفلام عن منظومة العائلة؟
تلمسني دائما المواضيع التي تبدو بسيطة، التي تتناول واقع الحياة اليومية والتفاصيل الصغيرة. أحب تقديم أفلام عن العائلة التونسية، لأني منها وأعرفها جيدا.
اقرأ أيضًا:
لا يفوتك في الدورة الثانية لمهرجان الجونة السينمائي- 15 فيلما يرشحها لك "في الفن"
الجونة السينمائي 2018- فيلم The Freshman.. الصداقة تنتصر على ضغوط الحياة