بعد رحلة فنية متميزة، رحل عن عالمنا أمس الثلاثاء 11 سبتمبر المغني الجزائري رشيد طه، عن عمر يناهز 59 عامًا إثر تعرضه لأزمة قلبية أثناء نومه في منزله المتواجد في العاصمة الفرنسية، باريس.
نال رشيد طه العديد من الألقاب والقليل من الجوائز العالمية، لكنه لم يكن يوما مهتما بمثل هذه النوعية من التكريمات، كما أن تصنيفه كمغني راي لم يروق له في يوم من الأيام. يقول عن الأمر في مؤتمر صحفي عام 2004: "أنا دائما أقول أنني مثل راي كودر/ روي أوربيسون.. بالنسبة لي، الموسيقى هي الروك أند رول، يتم مزجها وتلوينها بما أشعر به داخليا، وما يحيط بي من خارجيا. موسيقاي تمكنني من التعبير عن هوياتي المتعددة".
في التقرير التالي، نستعرض أبرز المعلومات التي يجب أن تعرفها عن المغني ذائع الصيت رشيد طه:
نشأته:
قبل 4 سنوات من استقلال الجزائر رسميا في عام 1962، ولد رشيد طه في ولاية ناحية الغرب الجزائري. وعندما بلغ من العمر 10 سنوات، رحل مع والديه إلى فرنسا. كان والده يعمل في مصنع للنسيج لساعات طويلة بأجر منخفض، وقد واجهت الأسرة في البداية الكثير من الصعاب وعاشوا حياة أشبه بـ"العبودية الحديثة".
حينما أصبح رشيد شابا، بدأ يعمل في أحد المصانع خلال ساعات الصباح، فيما كان ينسق أسطوانات الموسيقى العربية مع الجاز والسالسا، والفانك، في الملاهي الليلية، مساءً. هذا التناقض بين العمل الشاق في النهار والمتعة والفن في الليل انعكس فيما بعد على موسيقاه التي كانت مزيجا مختلفا ومتجانسا بين الشرقي والغربي.
حالة العزلة والتمرد
في بداية الثمانينيات، تعرف رشيد طه على مجموعة من الموسيقيين الهواة في مدينة ليون الفرنسية، وشكل معهم فرقة موسيقية أطلقوا عليها اسم Carte de Séjour "بطاقة إقامة" تعزف الموسيقى في النوادي الصغيرة.
أصبح طه المغني الرئيسي وقدم آنذاك مجموعة من الأغاني التي تعبر عن روح التمرد والرفض للأوضاع السياسية في العالم، متأثرا بموسيقى فرقة الروك البريطانية The Clash. هذا لا يعني أن رشيد طه لم يؤثر أيضًا في الفرقة البريطانية، فقد التقى بأعضائها في سبتمبر 1981، وأعطاهم نسخة من أغاني فرقته، لكنهم لم يعاودوا الاتصال به. بعد عدة أشهر، أصدرت الفرقة الشهيرة أغنية Rock the Casbah التي تتناول كلماتها الثقافة العربية ويظهر تأثرها بموسيقى طه.
على الجانب الآخر، لم يتم الترحيب بفرقة Carte de Séjour في الأوساط الموسيقية بسهولة، لكونهم ينتمون إلى جذور عربية، وبالتالي كان من الصعب تحقيق نجاحات على المستوى المادي.
في عام 1984، وبمساعدة عازف الجيتار ستيف هيلاج، بدأت الفرقة في تكوين قاعدة جماهيرية وأذيعت أغانيهم في الراديو.
وقد ركزت كلمات الأغاني التي كتبها طه على التعبير عن حالة العزلة والصراع بين أصوله الجزائرية وكونه مهاجرا في المجتمع الفرنسي.
العزف المنفرد
في نهاية الثمانينيات وتحديدا عام 1989، انتقل رشيد طه إلى باريس، ليؤسس مشروعه منفردا. وفي فترة التسعينيات لمع نجمه بعدما قدم عددا من الألبومات التي تناقش حال العرب في أوروبا وتعيد إنتاج أغاني تراثية مهمة؛ مثل: Olé, Olé في عام 1995، وCarte Blancheالصادر عام 1997، وDiwân إنتاج عام 1998.
مع انطلاق الألفية الثالثة، طرح ألبوم Made in Medina الذي سجله في باريس ونيو أورلينز ولندن، ومزج فيه بين الموسيقى الأفريقية والأمريكية. ازدادت شعبيته في هذا الوقت، واهتم النقاد بأعماله ورسائلها ذات الطابع السياسي.
توالت بعد ذلك الألبومات الناجحة؛ وأصدر في عام 2008 ألبوم Rock N Raï، وتبعه في عام 2009 بألبوم Bonjour، حتى أطلق ألبوم Zoom الذي نال شهرة واسعة في عام 2013، وناقش خلاله عددا من القضايا الخطيرة.
تمتع رشيد طه بروح المغامرة، ولم يكن يوما شخصا تقليديا، بل كان محبا للتغيير وللتجارب الجديدة الصادقة. عبر بموسيقاه، لأكثر من 30 عامًا، عن أوجاعه وعن آلام العالم من حوله، ورحل في صمت تاركا وراءه إرث فني لا ينضب.
اقرأ أيضا
إليسا تنعى المغني الجزائري رشيد طه
بالفيديو- المرة الأخيرة التي غنى فيها رشيد طه "يا رايح وين مسافر"