إليسا ... الجوهرة التي زادها الألم نقاء

تاريخ النشر: الثلاثاء، 7 أغسطس، 2018 | آخر تحديث:
إليسا

عندما كتبت عنها، منذ عام تقريبا، تحدثت عن "نضج الأنثى التي شبعت جمالا"، بعد طرحها لفيديو كليب أغية "عكس اللي شايفنها"، كتبت وقتها متحمسا لتلك الدرجة التي وصلت إليها إليسا من النضج الفني والنفسي والعقلي، بعد رحلة فنية متميزة لواحدة من أيقونات الجمال والأنوثة في عالم الغناء العربي، رسمت لنفسها خلالها صورة حملت من الطبيعة ألونها ومن النجوم ضيائها وبهائها.

لكن اليوم ومع طرح فيديو كليب أغنيتها الجديد "إلى كل اللي بيحبوني" كشفت إليسا لي ولكل عشاقها أن هناك نضجا من نوع آخر مرت به، وهو نضج التجربة المؤلمة لمرض كفيل بهزيمة أقوى الشخصيات نفسيا قبل هزيمته جسديا، لكنها كان لها رأي آخر معه.

الألم دائما مثل النار التي تصفي الجواهر من شوائبها، لولا النار لما تشكل الذهب في صوره الرائعة، ويبدو أن إليسا مرت بذلك النوع من الألم الذي أسميه "الألم العبقري" الذي يكشف –كلما اشتدت المعاناة- عن صفاء وندرة جوهر الروح.

وإليسا على مدار العام الماضي كانت تحت ضوء وحرار هذا الألم، فطبيعي جدا أن تخرج لنا بهذه الدرة الفريدة "إلى كل اللي بيحبوني"، في هذا الشكل وبتلك الفكرة التي قدمت صورة عما مرت به بشكل مس شغاف قلوبنا جميعا دون ابتزال أو ابتزاز للمشاعر أو تسول للتعاطف.

"إلى كل اللي بيحبوني" ... الآن وصلت رسالتك

وكما استخدمت رسالة مباشرة في توصيل الرسالة المستهدفة من كليبها "يا مرايتي" في 2015، استخدمت أيضا في كليبها الجديد رسالة مباشرة في آخر الفيديو باللغتين العربية والإنجليزية قالت فيها:

"أنا تعافيت ... قاومت المرض وغلبته
الكشف المبكر لسرطان الثدي قادر على إنقاذ حياتك
لا تهمليه ... واجهيه
افعلي ذلك، مش كرمالك، كرمال كل اللي بيحبوكي".

واصلت إليسا مع المخرجة الرائعة إنجي جمال للكليب الثالث على التوالي، لتؤكد ما تنبأت به من أننا أمام ثنائي سيقدم تجربة فنية متكاملة ستبقى طويلا لأجيال قادمة.

مزجت إنجي في كليب "إلى كل اللي بيحبوني للمرة الأولى مادة تسجيلية في مقدمة الكليب، عبارة عن تسجيل صوتي لإحدى مكالمات إليسا تتحدث فيها عن إصابتها سرطان الثدي وتعليق الأطباء على طريقة تعاملها مع المرض، على مشاهد لإليسا في المستشفى أثناء إجراء إشاعات، ثم الانتقال إلى الأغنية وأجوائها الاحتفالية، والعودة لثواني معدودة في منتصف الكليب إلى لقطة تسجيلية حقيقية أخرى وهى سقوطها على المسرح خلال إحدى حفلاتها، لتظل مشاعرنا تنتقل من ألم إلى فرح ومن حزن وتوتر إلى سعادة.

وبين صوت إليسا في التسجيل الصوتي، الذي يقطر ألما وتحدي ومحبة للحياة والفن والعمل، وتجاهلا تاما للمرض وما يحتاجه من راحة وتعامل خاص، وبين رنة الفرح في صوتها في الأغنية الاحتفالية، نجد نفسنا أمام الضحكة التي ترن في آخر كوبليهات الأغنية، دون معرفة حقيقتها أو التمكن من تصنيفها، هل تضحك فرحا وسعادة؟ هل تضحك سخرية من المرض؟ لا أحد يعلم سوى إليسا نفسها.

إليسا التي أكدت على رسالتها للجميع قائلة: يجب ألا يجعلك هذا الفيديو تحزن أو تبكي، بل على العكس يجب أن يكون سبب الابتسامة والسعادة والامتنان، يمكننا محاربة السرطان والتغلب عليه إذا واجهناه في مراحلة الأولية ... أحبكم جميعا

عن إليسا منذ عام في "حرة"

أثبتت إليسا وأكدت أنها تعلمت أن الأيام والسنين التي تمر علينا لا تتركنا كما كنا، وأن التجارب تزيدنا نضجا، وأن رهان الأنثى على جمالها او إغرائها رهانا خاسرا، عندما لفتت المطربة الجميلة النظر بشدة في 2015 بتوظيفها أغنيتها "يا مرايتي" لتقديم صرخة قوية تحمل رسالة مهمة عن حقوق المرأة والدفاع عنها ضد العنف الأسري، الذي تتعرض له للأسف الكثيرات في وطننا العربي، دون وجود قوانين تحميها سوى في بلدين أو ثلاثة فقط.

لم تعد صورة الأنثى الجميلة المغرية التي تحرص على أن يكون الجسد هو البطل، تشغل النجمة التي للاتزال في عنفوان جمالها، هناك أشياء أخرى اكتشفتها أهم وأجمل، يبقى جمالها أكثر، وهو جمال العقل والفكر، الجمال الذي يحمل رسالة وهدف، الذي قرر أن يشارك في مد يد العون لفصيل يتعرض للإهانة والعف.

مع المخرجة الرائعة إنجي جمال، التي من الواضح أنها ستشكل في الفترة المقبلة ثنائيا مبدعا معها، قدمت إليسا في 2015 كليب "يا مرايتي" وناقشت فيه قضية العنف الأسرى، وقدمت رسالة صريحة في بداية الكليب قالت فيها: "بيقولوا البيوت أسرار وبعض القصص لازم تضل مخبية ولا تعرفها إلا المراية"، في إشارة إلى حالة الصمت والإنكار التي تشجع المعتدي على الاستمرار في ممارساته غير الإنسانية.

وفي نهاية الكليب عادت إليسا لتقدم الجزء الآخر من رسالتها قائلة: "ليلتها قررت احط نقطة لحكايتي معه لتنكتب لي بداية جديدة … سنين قطعت وكفيت طريقي وكتبت قصتي … اكسري صمتك ولا تكسري صورتك بالمراية" … في تحريض صريح للمرأة على عدم الاستسلام، فاختيار حياة جديدة أحيانا يكون في صالح جميع الأطراف، بما فيهم الأبناء، الذين لا يمكن أن يكبروا أسوياء بين والدين لا تسود علاقتهما الحب والاحترام.

وواضح جدا أن فكرة التوعية لم تكن صدفة، فقد شاهدنا في نهاية الكليب ما يفيد بالتعاون مع منظمة "كفى" وهى منظمة مدنية لبنانية، تهتم بالمرأة وملف العنف الذي تتعرض له، ووجهت المنظمة نصيحة -هى الأخرى- للمرأة في كلمات قليلة: "الصمت ما بيشفي الوجع".

"يا مرايتي" عندما قدمت إليسا رسالة للعالم للوقوف ضد العنف الموجه للمرأة

وبعد عام واحد فقط، وفي أحدث ألبومها "سهرنا يا ليل" قدمت إليسا في 2016 أغنية بعنوان "عكس اللي شايفنها"، لكن لم يكن أحد يظن أنها ستكمل بها رحلة دفاعها عن المرأة وتسليط الضوء على أشكال مختلفة من معاناتها.

ومع إنجي جمال أيضا، فاجأتنا إليسا بطاقة تمثيلية كبيرة في الكليب الذي استلهمت فيه قصة حقيقية لحياة راقصة لبنانية راحلة هى "داني بسترس"، التي أطلقت على رأسها النار بعد حياة ماساوية.

تلك المرأة التي يعاملها الجميع باعتبارها تملك كل شيء في الوجود، دون التفكير في أنها من الممكن أن تكون غارقة في مأساة وألم، ليس من الضروري أن تعكس الضحكة فرحة وسعادة، فكثيرا ما تكون غطاء لألم وجرح لا نريد لأحد رؤيته.

استعارت إليسا قصة "داني" لتعرض شكلا من أشكال المعاناة التي تخوضها المرأة مع المجتمع حتى تصل لما تحلم به، الثمن المؤلم الذي تدفعه للوصول لحلمها، في مجتمع يهوى أفراده لعب دور القضاة على بعضهم البعض، ولك أن تتخيل بعد كل هذا تجد أقرب الناس لك يقسون عليك سواء بإرادتهم (زوجها) أو دون إرادتهم (ابنها) الذي مات غريقا.

"عكس اللي شايفنها" وأثبتت أنها حقا كذلك

وفي مواصلة لتشجيع المرأة، نرى للمرة الثالثة وجها جديدا لإليسا، سياسيا مناضلا رافعا لراية تحرير المرأة، ودفعها للحصول على المزيد من المكتسبات، عندما حثت النساء على عدم التفريط في حقوقهن السياسية، ومواجهة بقايا أفكار تختصر المرأة في زوجة وربّة منزل.
عندما تحدثت مؤخرا في تدوينة على موقع التدوينات القصيرة "تويتر" عن الكوتا النسائية في الانتخابات النيابية اللبنانية قائلة: “حتى في حال لم يتم إقرار الكوتا النسائية، على كل امرأة تتمتع بإمكانات أن تترشح في الانتخابات النيابية المقبلة. لن نتسامح مع أي أفكار تعتبر أن النساء هن ربات بيوت، نستطيع أن نحدث تغييراً".

وفي النهاية لا يسعنا إلا أن نقف أمام ألبوم إليسا الجديد "إلى كل اللي بيحبوني" بأغنياته الـ16، باعتباره احتفالا كبيرا بالفوز على التحدي الصعب.

اقرأ أيضا

٤ شواهد تؤكد قوة إليسا في تحدي مرض سرطان الثدي

شاهد- البرومو الأول لفيلم "البدلة" لتامر حسني وأكرم حسني