21 فيلمًا تتنافس هذا العام على الجائزة الأرفع في عالم السينما، بينها ـ للمرة الأولى من 2012 ـ فيلم مصري. تُعرض الأفلام بمعدل فيلمين جديدين كل يوم، ونقوم كعادتنا برصد وتحليل كافة أفلام المسابقة التي بدأت بفيلم الإيراني أصغر فرهادي المُحبط "الجميع يعلمون" الذي تناولناه في مقال مُفصّل ( اقرأ المقال) ونمنحه نجمتين فقط، يليه الفيلم المصري "يوم الدين" لأبو بكر شوقي الذي كتبنا عنه تفصيليًا أيضًا ( اقرأ المقال) ونقيمه بأربع نجمات. وإليكم باقي أفلام المسابقة التي تجاوزت ربع أفلامها حتى لحظتنا..
صيف Summer – روسيا
أثناء صعود فريق فيلم المخرج الروسي كيريل سيريبرنيكوف سلالم قصر مهرجان كان قبل العرض العالمي الأول للفيلم، رفعوا لافتة تطالب بالحرية لمخرج الفيلم الموضوع تحت الإقامة الجبرية في منزله بسبب اتهامات بالفساد المالي خلال إدارته لأحد المسارح الوطنية الكبرى في موسكو. قرار قيل إنه سياسي الدوافع بسبب موقف سيريبرنيكوف المعارض لحكومة بوتين.
الحكايات من هذا النوع تأتي عمومًا في صالح الأفلام حتى وإن لم تستند على الواقع، لكن حتى دون أي مشكلات سياسية يظل "صيف" يستحق مكانه في المسابقة، بل والمنافسة على بعض الجوائز غير الرئيسية.
يعود بنا المخرج إلى عقد الثمانينيات في لينينجراد قبل سقوط الاتحاد السوفيتي، وسط مناخ بوليسي يحرم جمهور حفلات الروك من الوقوف أمام مقاعدهم أو حتى رفع لافتة تعبر عن الإعجاب بالمُغني. وسط هذه الأجواء يروي الفيلم ـ بكثير من التصرف ـ القصة الحقيقية لتعارف مغني الروك الصاعد فيكتور تسوي بالمغني الأكثر شهرة مايك نومينكو الذي يدعمه فنيًا ويرافق رحلة صعوده.
الملخص السابق قد يوحي بفيلم بيوجرافي، لكن "صيف" ورغم اعتماده على بيوجرافيا تسوي الذي مات في حادث سيارة وعمره لا يتجاوز 28 سنة، قبل أشهر قليلة من انهيار الإتحاد السوفيتي، إلا إن التوجه العام للعمل هو الإمساك بروح العصر وموسيقاه أكثر من سرد سيرة ذاتية. ومن المشهد الأول الذي تتسلل فيه فتيات من نافذة حمام نادي الروك لحضور حفل غير مسموح لهن بحضوره،
يأخذنا سيريبرنيكوف في رحلة لعالم موسيقى الروك الروسية في هذا العقد الحافل بالمتغيرات.
بصورة عريضة بالأسود/ أبيض يتخللها بعض الألعاب بلقطات خام سوبر 8، ومشهد واحد ملون أحاديًا، نخوض رحلة جنونية داخل عقل حياة موسيقيين يعيشون حياة الروك الصاخبة على مدار الساعة في عالم لا يرحب بأي شكل للاختلاف، ليمثلوا نغمة نشاز في السياق السوفييتي المحافظ أشبه بالمشاهد التي يُقدم فيها المخرج على أكثر خيارات الفيلم جنونًا: الانطلاق في ما يشبه الفيديو كليب الصاخب الذي يمزج الصورة الكلاسيكية بالرسوم والتعليقات، أبرزها مشهد شجار متخيل بين الأبطال ومجموعة من الروس المحافظين في قطار مزدحم، تتحول معركة كارتونية على أنغام "Psycho Killer".. أغنية فريق Talking Heads الشهيرة.
يعيب الفيلم بعض الطول الزائد، الذي صرنا معتادين عليه من جيل الوسط في السينما الروسية الذين اختلفوا في الأسلوب واجتمعوا على عدم الانشغال بفضيلة التكثيف. لكن قوة الصورة وزخم شريط الصوت بمجموعة من أفضل أغاني الحقبة كان كفيلًا بتقليل وقع زمن الفيلم الذي يتجاوز الساعتين.
التقييم: ***ونصف من خمس نجمات
آسف يا ملاك – Sorry Angel (فرنسا)
ربما كان من الأفضل للمخرج الفرنسي كريستوف أونوري أن يتمسك بالعنوان الفرنسي لفيلمه "اعجب، احب واركض سريعًا"، العنوان الذي لم تكن ترجمته للإنجليزية مرضية للتوزيع، لكنها تُعبر أكثر عن مضمون الفيلم الذي يلامس بوعي كبير عددًا من الأفكار والهواجس الحاكمة للحب المثلي.
وجود أفلام عن المثلية صار حدثًا اعتياديًا في مسابقة كان، وفي العالم الماضي شاهدنا فيلم روبن كامبيو الرائع "120 ضربة في الدقيقة" عن منظمة "آكت أب" التي لعبت دورًا فارقًا في فرنسا التسعينيات للتوعية بمشاكل مرضى فيروس نقص المناعة المكتسب (الإيدز)، فيلم خرج من كليشيه الحقوقية لينال الجران بري، ثاني أكبر جوائز المهرجان.
"آكت أب" لها حضور أيضًا في "آسف يا ملاك" لكنه أقل تاثيرًا، في خلفية الأحداث التي تدور في نفس زمن فيلم كامبيو، فرنسا 1993 بعد عقد من اندلاع الإيدز وتحوله ظاهرة حاضرة في الحياة اليومية لا سيما بين المثليين. الفيلم يرتكز على علاقة حب تنشأ بين كاتب ناجح مصاب بالفيروس وشاب في العشرينيات من منطقة بروتاني النائية يحلم بالانتقال إلى باريس كي يصير مخرجًا. شخصيتان قد تكونا بشكل أو بآخر تجسيدًا لمرحلتين من حياة المخرج أونوري نفسه.
بالرغم من أن النص كتبه المخرج خصيصًا للفيلم، إلا أن الطابع الروائي واضح في الفيلم الذي يرتكن على تلك العلاقة التي تأتي في وقت حاسم بالنسبة لطرفيها، ويتحرك منها بحرية في الماضي مراتٍ عديدة ليلقي الضوء على جوانب مختلفة من شخصيتي الكاتب جاك والشاب أرتور، اللذان لا يمثلان فقط مرحلتين من حياة المثلي، وإنما يفرضان تلقائيًا علاقة عابرة للأجيال يمثل كل طرف فيها للآخر ما كانه وما سيكونه، على الصعيد النفسي طبعًا وليس الإصابة بالمرض.
"آسف يا ملاك" يمتلك حكاية رئيسية، لكن المخرج لا يضعها على رأس قائمة أولوياته، بل ينطلق منها لطرح أفكاره وهواجسه حول الحب المثلي، بكل ما يرتبط به من أزمات شخصية واجتماعية حتى في مجتمع متفهم نسبيا لهذا النوع من العلاقات. الفيلم لا ينشغل كثيرًا بالنضال الحقوقي ويتجاوزه للغوص في التفاصيل، بما يمكن أن ينتمى ـ لو جاز التعبير ـ للموجة من أفلام المثلية.
سلسلة من الحوارات الذكية والمشاهد المفعمة بالمشاعر والأفكار، وبعضها جميل في حد ذاته يمكن مشاهدته بشكل مستقل. دقة في نقل تفاصيل الحياة في فرنسا التسعينيات صوتًا وصورةً، وفيلم سيكون من المستحيل عرضه في أغلب البلاد العربية، لكنه يبقى واحدًا من الأفلام المؤثرة خلال الأيام الأولى لمسابقة كان 71.
التقييم: ***ونصف من خمس نجمات
حرب باردة Cold War – بولندا
لا جديد في كون أفلام البولندي بافيل بافليكوفيسكي متعة للبصر، ففيلمه السابق الشهير "إيدا" وصل للترشح لأوسكار أحسن تصوير في إنجاز نادرًا ما يتحقق لعمل غير ناطق بالإنجليزية، وهو نفس الفيلم الذي نال عنه أوسكار أحسن فيلم أجنبي. في فيلمه الجديد "حرب باردة" يحتفظ بافليكوفيسكي بسماته البصرية عينها: التصوير بالأسود/ أبيض، أبعاد الصورة الكلاسيكية 3:4، والاهتمام المفرط بالتكوين لا سيما بالعلاقة بين الفرد في مقدمة الصورة والجماعة في خلفيتها، في تأثر ربما في هذا الفيلم بلوحات الرسام البلجيكي رينيه ماجريت.
الحكاية تدور في بولندا الشيوعية، على مدار 15 سنة من نهاية الأربعينيات لمنتصف الستينيات، وبالتحديد منذ اكتشف المايسترو فيكتور خلال جولته الباحثة عن الموسيقى الفولكلورية، اكتشف الفتاة الريفية الموهوبة والغامضة زولا، ليجعل منها سريعا نجمة لفريقه الوطني.
الحب تحت مظلة القمع الشيوعي الذي يجبر المايسترو أن يطوّع الأغاني الشعبية لتتحدث عن الإصلاح الزراعي، والذي يجعل المرأة مجبرة على تقديم التقارير عن حبيبها للأمن يسيطر على الثلث الأول من الفيلم. غير أن المخرج البولندي الماهر لا يتوقف عن حيز النقد السياسي، بل يتجاوزه لما هو أعمق: تشريح شخصيتين لكل منهما مميزاته وعيوبه، والحياة في ظل نظام قمعي تعمق بالطبع هذه العيوب، حتى لو نجح صاحبها لاحقًا في الفرار إلى عالم أكثر حرية.
لا جديد في كون أفلام البولندي الماهر متعة للبصر، لكن الجديد في "حرب باردة" إنها متعة للسمع أيضا، بشريط صوت مرهف تزينه مجموعة رائعة من أغاني الفولكلور السلافية. الفيلم أيضا درس بليغ في المونتاج وفضيلة التكثيف، وسط موضة الأفلام التي تتجاوز الساعتين وأحيانا الثلاث - خاصة من كبار المخرجين - يقدم بافليكوفيسكي فيلمًا لا يتجاوز الساعة ونصف لا يمكن حذف لحظة واحدة منه، رغم إن الموضوع الرئيسي هو الزمن بما قد يترجمه مخرج آخر - كما سنتطرق لاحقًا - لتطويل لا داعي له.
تتبقى الإشارة للأداء المبهر من بطلة الفيلم يوانا كوليج، بتحولاتها من الريفية الماكرة إلى النجمة المحاصرة بمخاوفها الداخلية، وصولًا لتصاعدات وانهيارات متوالية في الفصل الأخير؛ لتشكل المحصلة دورًا وضع كوليج فورًا على رأس قائمة المرشحات لجائزة أحسن ممثلة. ناهيك عن أن الفيلم نفسه قفز لرأس الترشيحات للجوائز الكبرى.
التقييم: **** من خمس نجمات
الرماد أنقى درجات الأبيض Ash Is Purest White – الصين
يؤهلنا العنوان الشعري لفيلم جيا زانكيه، أستاذ السينما الصينية المستقلة في العقدين الأخيرين، إلى أننا سنشاهد فيلمًا ذو طابع تأملي يلائم عنوانه، وهو ما يحدث في فيلم يرتبط في كل تفاصيله بالزمن، سواء على مستوى الموضوع الذي يطرحه الفيلم، أو على مستوى شكل هذا الطرح.
على مدار حوالي 17 سنة من عام 2001 حتى وقتنا المعاصر، نتابع التطورات التي تطرأ على علاقة بطلي الفيلم، اللذين بدأت الأحداث وهما زعيم عصابة في مدينة صينية وحبيبته، قبل أن يأخذهما الزمان في رحلة انفصال وانتقام وعودة عابرة لجغرافيا الصين وتاريخها المعاصر، بالتنقل عبر أكثر من حقبة زمنية وأماكن مختلفة، في فيلم صوره زانكيه بخمس كاميرات مختلفة في محاولة للإمساك بروح التقدم البصري والتقني لسنوات الحكاية.
العالم كله قد تعرض خلال هذه السنوات لتغيرات هائلة في شكل الحياة اليومية، فيصعب علينا اليوم مع الارتباط المتشعب للتكنولوجيا الرقمية والهواتف الذكية في حياتنا أن نتصور كيف كنا نعيش دونها مطلع القرن. لكن هذا التغيير يمكن أن نضاعفه عند الحديث عن المجتمع الصيني، الذي ظل ـ لأسباب مختلفة ـ عقودًا طويلة محتفظًا بكلاسيكيته، قبل أن يخوض رحلة الحداثة بسرعة واندفاع ضخمين. الأمر الذي يرصده زانكيه بحكمة في خلفية فيلمه، الذي يمكن القول بأن السياق فيه، ممثلًا في العالم الفيلمي وكل ما يحيط به من ديكورات وملابس واكسسوارات موظفة دراميًا هو أكبر إنجاز حققه الفيلم الذي يعاني على مستوى الدراما من الكثير من الملحوظات.
التعامل مع الزمن منح زانكيه تصريحًا باستخدام الوقت بحرية زائدة عن الحد، ليمتد زمن الفيلم لساعتين وثلث لن نقول إنها قابلة للاختزال ـ فهذا دائمًا رأي مبالغ فيه ـ لكن نقول إنه زمن أكبر مما تحتمله الحكاية بكل أبعادها الملحمية، فلا علاقة بين الحس الملحمي وطول زمن العرض، والدليل هو فيلم بافليكوفسكي الذي عرضه المهرجان في نفس اليوم (في اختيار برمجة ذكي صار ملحوظًا في المهرجانات الكبرى بجمع أفلام التيمات المتشابهة معًا).
امتداد الزمن وانقسامه لمراحل منح الفيلم حسًا بالتسلسل، وكأنها ثلاثة حكايات متتالية يمكن مشاهدة كل منها منفصلًا، تتباين في شكلها ـ وهو خيار مقصود ـ وفي مستواها ـ وهو بالتأكيد غير مقصود ـ فيبقى الثلث الأول الدائر عام 2001 هو الأفضل والأكثر جاذبية، لتتناقص الجاذبية في كل ثلث عن سابقه، مع التأكيد إنه تناقص لا يقلل من القيمة الفكرية لرصد حراك العصر كما ذكرنا، لكن جودة السياق لا تعوض تعثر الدراما، والذي جعل "الرماد أنقى درجات الأبيض" فيلمًا ينطلق من أفكار جيدة وإحكام في التنفيذ، لكنه يحمل للمشاهد شعورًا بالثقل مرجعه الإطناب أكثر مما تحتمله الدراما.
التقييم: *** من خمس نجمات
اقرأ أيضا
الفيلم المصري في مهرجان كان: "يوم الدين".. في عذوبة السينما ومدح المنبوذين
فيلم افتتاح كان: "الجميع يعلمون".. أصغر فرهادي يتعثر في تجربته الإسبانية