تتعدد أنواع الكوميديا ما بين الكوميديا الهجائية Satire والكوميديا الساخرة Sarcasm وكوميديا المحاكاة الساخرة والتهكمية على أعمال فنية أخرى Parody وصولًا إلى الكوميديا الهزلية Farce القائمة بالأساس على المبالغة في اختلاق مواقف عبثية تعتبر بيئة صالحة للمبالغات.
ورغم اعتماد كوميديا "الفارس" على المبالغة، من الضروري أن يتسم هذا النوع من الكوميديا بشئ من المنطق خاصة مع عدم تقديمها في شكل فانتازي وهو ما لم يفعله صناع فيلم "علي بابا" الذي قام بكتابته الممثل والسيناريست كريم فهمي وأخرجه وليد الحلفاوي في أولى تجاربه الإخراجية.
الفيلم بطولة كريم فهمي في دور "علي" وأيتن عامر في دور "معالي" وصبري فواز في دور "شهاب" محامي علي ومحمد ثروت في دور "نبيل" صديق علي، وتدور أحداثه حول شخصية "علي" شاب ثري في الثلاثينات من عمره، مستهتر وزير نساء يكتشف فجأة أن لديه ابنة تصغره في السن بأعوام قليلة لتبدأ أحداث الفيلم على أساس سلسلة من المواقف والمفارقات الكوميدية.
يتضح من فكرة العمل أنه قائم بالأساس على المفارقة، ولكنها مفارقة غير منطقية، وأبعد ما تكون عن المنطق، إذ يُبرر سيناريو الفيلم بأن يكون لعلي ابنة في عمر أيتن عامر بأنه قد أقام علاقة مع والدتها التي كانت تعمل مربية له وقت أن كان عمره 11 عامًا!! في سابقة بيولوجية ربما تكون الأولى من نوعها أن يبلغ صبي في مثل هذا السن وأن يقيم علاقة جنسية فور بلوغه المُبكر مع مربيته والأعجب أن تُسفر هذه العلاقة عن جنين تحتفظ به المربية ربما كتذكار لها من الطفل الذي كانت تقوم بتربيته! ثم تلد فتاة ولا تُخبر عنها أحد، كان من الممكن أن تكون هذه الفرضية مقبولة إن كان تم تقديم أحداث الفيلم في إطار فانتازي على سبيل المثال وهو ما نجح في تقديمه كريم فهمي بالفعل من خلال تجربته في فيلم "هاتولي راجل" إذ مَهد لفكرة الفيلم وعالمه الفانتازي باختلاق قصة تصلح أن تدور أحداث الفيلم في إطارها ويسهُل تقبلها، ففي سياق الفانتازيا يمكن تقبل مثل هذا النوع من المفارقات والمبالغات ولنا في تجربة السيناريست والمخرج الراحل رأفت الميهي في أفلام مثل "سيداتي آنساتي" و"السادة الرجال" خير مثال على هذا، ولكن إصرار صناع الفيلم على تقديمه من خلال إطار واقعي يفترض بأن هذا الموقف قابل للحدوث هو ما أضر العمل الذي كانت ستُصبح فرصته في تقبل الجمهور له والتعامل معه على أنه فيلم كوميدي لطيف أكبر لو كان تم تقديمه في إطار فانتازي خاصة بعد نجاح كريم فهمي كسيناريست في خلق مواقف ومفارقات كوميدية مضحكة في بعض الأحيان.
تكاد تتطابق فكرة فيلم "علي بابا" مع فكرة فيلم "الساحرة الصغيرة" من إنتاج 1963 من إخراج نيازي مصطفى ومن بطولة رشدي أباظة وسعاد حسني والمأخوذ بدوره عن فيلم "قلوب الناس" إنتاج عام 1954 للمخرج حسن الإمام عن قصة "الأب المزيف" للكاتب الفرنسي "جول ماري" ومن بطولة فاتن حمامة وأنور وجدي، إذ تقوم الثلاثة أفلام على فكرة رئيسية وهي أن يتفاجئ الأب المستهتر متعدد العلاقات النسائية بأن له ابنة تقريبًا في نفس عمره.
ولكن ما نجح فيه الفيلمان السابقان وفشل فيه فيلم "علي بابا" هو تقديم إطار مُقنع للمُشاهد باحتمالية أن تكون فاتن حمامة ابنة لأنور وجدي في فيلم "قلوب الناس" وأن تكون سعاد حسني ابنة لرشدي أباظة في فيلم "الساحرة الصغيرة"، ففي كلا الفيلمين كان المُشاهد على علم منذ البداية أن للفتاة أب حقيقي من المنطقي أن يكون والدًا لها مثل حسين رياض في الفيلم الأول وسعيد أبو بكر في الفيلم الثاني، وأن هناك ظرف ما جعل من الفتاة تعتقد بأن بطل الفيلم الشاب هو والدها والذي ستكتشف في منتصف الفيلم تقريبًا أن هذا الاعتقاد خاطئ، ونتج عن صدفة، ثم ستنشأ بين الأب غير الحقيقي والفتاة قصة حب يقتنع بها المُشاهد وهو يراها وهو ما لم يحدث في فيلم "علي بابا".
فبعد التغاضي عن تبرير الفيلم غير المُقنع بأن تكون أيتن عامر ابنة لكريم فهمي يستمر العمل حتى أخر مشهد في سياق أن "معالي" هي فعلًا ابنة لـ "علي" دون أن يكون هناك في الأمر حيلة ربما رغبة من صناعه بالتجديد مثلًا والاختلاف عن الفيلمين السابقين ولكن وحتى وإن جاء هذا الخيار كرغبة في التجديد إلا أنه لم يكن مُقنعًا أو موفقًا بالمرة، ففي المشاهد التي كان يُفترض بها أن تكون مؤثرة بعد أن تعلم الابنة أن والدها قد استغلها بنقل أملاكه ومعها ديونه للضرائب لها هربًا من المساءلة القانونية جاءت تلك المشاهد وكأنها مشاهد رومانسية بين حبيبين لا أب وابنته خاصة مع اهتمام البطلين بالأداء الكوميدي والإضحاك على حساب الأداء الجاد فنرى أداء أيتن عامر في تلك المشاهد أداءً كليشيهيًا تقليديًا خاصة في مشهد الرقصة التي تؤديها وهي حزينة بعد أن تركت والدها وعادت للعمل كراقصة في الملهى الليلي الذي كانت تعمل فيه قبل أن تجد والدها، بالإضافة إلى تقديمها لشخصية الفتاة الشعبية بكثير من التقليدية سواء في طريقة الكلام أو في طريقة استخدامها لجسدها وتعبيرات وجهها.
على الرغم من وجود بعض المواقف الكوميدية المضحكة بالفعل والتي كان السبب الرئيسي فيها أنها قائمة على المفارقة مثل مشاهد الملهى الليلي سواء عندما يكتشف علي أن ابنته تقارب عمره تقريبًا عندما يراها أول مرة أو المشهد الذي يذهب فيه لإحضارها بعد طردها ويُذكر أن أهم ما يميز هذه المشاهد هو أداء الفنان صبري فواز الذي كان يؤدي أداءًا كوميديًا له علاقة بشخصيته وليس من منطلق رغبته في انتزاع الضحكات بتكرار افيهات مستهلكة مثلما فعل كريم فهمي نفسه أو محمد ثروت.
تغلبت رغبة صناع العمل في صنع فيلم كوميدي بسيط وممتع على الالتفات لتغليف العديد من مواقف الفيلم بشئ من المنطق الدرامي فكانت المفارقات الكوميدية أهم من منطق الأحداث مثل عدم وجود مبرر منطقي أو مُقنع لسبب ظهور الابنة فجأة في حياة والدها هل فقط لوفاة والدتها! وعدم وجود مبرر مُقنع أيضًا للتقارب بينهما كأب وابنته إلى جانب عدم منطقية النهاية السعيدة بزواج الأب وابنته في نفس الليلة بعد أن يتم التصريح برسالة الفيلم وهي "كما تدين تُدان" لينتهي الفيلم على أنغام أغنية مهرجانات من غناء المطرب الشعبي المفضل لدى آل السبكي محمود الليثي وجميع أبطاله يرددون كلمات الأغنية ويرقصون في مشهد ختامي يصلح لفيلم من إنتاج السبكي يتم طرحه في دور العرض في إجازة شم النسيم.
اقرأ أيضا
5 أشياء ننتظرها من مسلسل Fast & Furious الجديد .. إعادة الموتى إلى الحياة
كوينتن تارانتينو يشبه أحدث أفلامه بـPulp Fiction.. دي كابريو: متحمس للعمل مع براد بيت