أسوأ الأفلام حظًا هي تلك الأفلام التي تُحمَل أكثر مما تحتمل وأن يتم قراءتها من خلال وجهة نظر واحدة والتركيز على وجهة النظر هذه وإغفال مداخل أخرى تصلح أيضًا لقراءة الفيلم وتناوله بالفهم والتحليل، وهو بالضبط ما حدث مع فيلم "Call Me By Your Name" الفيلم الروائي الطويل الخامس في مسيرة المخرج الإيطالي لوكا جواداجنينو.
ركزت معظم الكتابات التي تناولت الفيلم بشكل أساسي على جانب واحد فقط وهو جانب العلاقة بين الفتى المراهق "إيليو" تيموثي تشالاميت والشاب الجامعي "أوليفر" أرمي هامر، واعتبرت أن محور وموضوع الفيلم الأساسي عن المثلية الجنسية في حين أنه يمكن النظر للفيلم من عدة جوانب أخرى منها على سبيل المثال تجربة الحب الأول في حياة الشاب المراهق، ومشاعر الحيرة والاضطراب والقلق التي تصاحب هذه التجربة خاصة وإن كانت مختلفة عن السائد حيث أنها ما بين شابين.
ومن المعروف أن الأفلام التي تتعرض لموضوع المثلية الجنسية غالبًا ما يكون من ورائها هدف ما، كالدفاع عن حق المثليين في اختياراتهم ولطريقة عيشهم وغالبًا ما تهدُف هذه الأفلام إلى كسب التعاطف، على سبيل المثال الفيلم التلفزيوني The Normal Heart إنتاج عام 2014 للمخرج رايان ميرفي من بطولة مارك رافالو وجوليا روبرتس وجوناثان جروف والذي كانت تدور أحداثه حول محاولة ناشط مثلي تكوين حركة مدنية للمطالبة بحق المثلين في أن تعترف الدولة بهم وقبول معالجتهم من مرض الإيدز بالإضافة إلى توعية المجتمع بوجود قطاع عريض من المثليين في مطلع الثمانينات وحثه على تقبلهم واحترام اختياراتهم.
أو الفيلم الألماني Freier Fall إنتاج عام 2013 للمخرج ستيفان لاكانت الذي تدور أحداثه حول علاقة غرامية تربط ما بين ضابطي شرطة والصعوبات التي تواجههما عند معرفة دوائرهم المقربة بأمر علاقتهما، أو الفيلم الشهير Brokeback Mountain إنتاج عام 2005 للمخرج أنج لي بطولة جاك جلينهال وهيث ليدجر والذي ركز أولًا على جانب العلاقة الرومانسية بين الشابين في حين تعرض لرفض المجتمع لهذا النوع من العلاقات قُرب نهاية الفيلم عندما تعرض أحد الطرفين إلى اعتداء أودى بحياته، أو الفيلم الفائز بجائزة الأوسكار كأفضل فيلم لعام 2016 Moonlight للمخرج باري جينكينز الذي تعرض من خلال فيلمه إلى الصعوبات التي يتعرض لها بطل فيلمه كونه مثلي الهوية الجنسية وينتمي لمجتمع الأقليات أصحاب البشرة السمراء.
أما Call Me By Your Name فهو فيلم رومانسي عن علاقة حب بين شابين تدور في صيف عام 1984 في مدينة إيطالية ساحرة عندما يصل أوليفر طالب الدكتوارة إلى تلك المدينة لمساعدة والد "إيليو" في أبحاثه كنوع من التدريب الصيفي. تنشأ العلاقة بين "أوليفر" الذي يقاوم شعوره تجاه "إيليو" في البداية حيث يخشى أن تشوب علاقتهما نوع من أنواع الاستغلال من منطلق أنه يكبُر إيليو في السن ولديه من الخبرة والتجربة الكثير على عكس الفتى المراهق، كما يقاوم "إيليو" أيضًا شعوره تجاه أوليفر حيث يشعر بالاضطراب والخوف والقلق وعدم الفهم مما يدفعه إلى الارتباط بصديقة له وإقامة علاقة معها على أمل أن يساعده ذلك على تجاوز شعوره تجاه "أوليفر" وحيرته واضطرابه.
خضعت قصة الحب بين "أوليفر" و "إيليو" لطبيعة المكان والظرف التي ولدت فيه، حيث المدينة الصغيرة التي يتردد الشابين فيها على عدة أماكن محدودة تنحصر في وجودهما معظم الوقت في المنزل أو على البحيرة أو ذهابهما إلى وسط المدينة لقضاء أغراض معينة، ولهذا فاتسم إيقاع الفيلم بالطبيعية التي تتفق مع هذا الشكل من الحياة الصيفية في هذا المكان الرومانسي الساحر، حيث لا يتطلب وجود عائلة في مدينة إيطالية سياحية لقضاء عطلة صيفية إيقاعًا لاهثًا وسريعًا ولكن حرص جواداجنينو على أن يناسب إيقاع الفيلم شكل وتطور العلاقة بين أوليفر وإيليو وبين طبيعة الحياة والمواقف اليومية التي تتطور من خلالها تلك العلاقة، كما نجح جواداجنينو أيضًا في تعميق ذلك الشعور بالطبيعية من خلال شكل الملابس التي تميز فترة الثمانينات وألوانها الزاهية وهي كلها خيارات فنية موفقة للمخرج حيث خرج شكل الفيلم يتفق تمامًا مع مضمونه البسيط.
اتسمت أعمال جواداجنينو السابقة باهتمامه الشديد بالحسية والعلاقات الجنسية بين أبطال أفلامه وتأثير تلك العلاقات على رؤيتهم للعالم من خلال حريتهم في التصرف حولهم، وبالرغم من تحمَل موضوع وطبيعة العلاقة بين "أوليفر" و"إيليو" في هذا الفيلم إلى هذا النوع من الحسية إلا أن جواداجنينو عبر عن تلك العلاقة الحسية التي نشأت تدريجيًا بين الشابين من خلال مواقف رومانسية، وظف كل موقف فيها بطريقة تخدم طبيعة العلاقة وتعبر عن مرحلة من مراحل تطورها مثل مشهد أول لقاء رومانسي بينهما في غرفة "إيليو" مساءًا والذي قاد الحوار فيه إلى تبلور العلاقة ومن ثم إلى اللقاء الحسي الأول، كما تميز جواداجنينو بشكل واضح في إدارته للمثليين وإظهارهم بأفضل شكل خاصة تيموثي تشالاميت و مايكل ستلبارج الذي أدى دور والد "إيليو" بتميز شديد خاصة في المشهد الذي يتحدث فيه مع إيليو عن طبيعة مشاعره تجاه "أوليفر" ونصيحته له بألا يُصادر على مشاعره وأن يُطلق لحزنه العنان كي يستطيع تخطي التجربة والمُضي قُدمًا في حياته.
اقرأ أيضا
أوسكار 2018- فيلم Darkest Hour.. الكلمات تحدد مصائر الشعوب
9 أفلام مأخوذة عن قصص حقيقية تنافس على أهم جوائز أوسكار 2018.. تعرف عليها