أوسكار 2018- فيلم Darkest Hour.. الكلمات تحدد مصائر الشعوب

تاريخ النشر: الخميس، 22 فبراير، 2018 | آخر تحديث:
Darkest Hour

"التاريخ سيكون لطيفاً معي، فأنا أنوي كتابته"

حياة رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل، كانت مادة خصبة صالحة للتناول والعرض في الأعمال الفنية على مدار السنوات. فالرجل تمكن من كتابة التاريخ كما قال، وبالتالي، انشغل كثيرون بتحويل سيرته الذاتية لقصص سينمائية وتليفزيونية، سواء بهدف التأريخ أو إلهام الشعوب وصناع القرار.

وخلال الأعوام العشرة الأخيرة، صدرت مجموعة من الأفلام التي تقدم جوانب مختلفة من شخصية تشرشل وترصد مواقفه السياسية، جسدها ممثلون ذو ثقل مثل بريندان جليسون في Into the Storm، و مايكل جامبون في Churchill's Secret وبراين كوكس في Churchill. ولم يقتصر الأمر على السينما، فقد لفت جون ليجثو، الانتباه عندما لعب الدور في مسلسل The Crown، واقتنص جائزة جولدن جلوب في فئة أفضل ممثل مساعد.

لكن هل هذا يعني أننا اكتفينا من أفلام تشرشل وحكاياته التي أصبحت محفوظة؟ يأتي فيلم Darkest Hour للمخرج جو رايت ليخبرنا بأننا ما زالنا نريد التعرف على الزعيم البريطاني الذي رفض الاستسلام والهزيمة أمام النازي أدولف هتلر. نحن أمام فيلم لمخرج متميز في صناعة أفلام الحقب الزمنية، يجيد المزج بين الحدث والشخصية ليصبحا معًا قطعة فنية جديرة بالإعجاب. مثلما فعل في فيلم Atonement عندما اختار وجود البطل في معركة دونكيرك تحديدًا، لأن نهايته فيها تجسيد حي لحياته كلها، فهو شخص يفقد كل شيء في اللحظات الأخيرة؛ مرة شهادة كاذبة تقضي على حلم الحب والالتحاق بكلية الطب، ومرة تأخير في عمليات الإجلاء يقضي على حياته وهو على أعتاب النجاة.

في فيلم Darkest Hour، المرشح لـ6 جوائز أوسكار، يأخذنا جو رايت إلى الجانب الآخر من معركة دونكيرك، حيث غرفة صنع القرار. وينجح في التوحيد بين أزمة بريطانيا المهددة بالسقوط أمام الجيش الألماني، وأزمة تشرشل الذي يرفض التفاوض مع هتلر رغم ضغوطات بعض القادة في مجلس الحرب.

"النجاح هو الانتقال من فشل إلى فشل دون فقدان الحماس"

تدور أحداث الفيلم في مدة زمنية لا تتجاوز شهرًا، ويركز على الأيام الأولى من اندلاع الحرب العالمية الثانية، عندما فرض الجيش النازي سيطرته على عدد من الدول الأوروبية، وكان على وشك النجاح في غزو بلجيكا، والقضاء على القوات الفرنسية والبريطانية في شاطئ دونكيرك. خلال هذه الفترة العصيبة، يفقد البرلمان البريطاني ثقته في رئيس الوزراء نيفيل تشامبرلين، ويتولى وينستون تشرشل المنصب بعد موافقة قوى المعارضة عليه، لكن وسط سخط قادة حزبه والملك الذين لم ينسوا إخفاقاته السابقة، وتأرجح ميوله بين حزبي المحافظين والليبرالي.

يعدد الفيلم في مشاهد متفرقة الأخطاء التي اقترفها تشرشل في الماضي وأثرت على مصداقيته، لكن يعود ليؤكد أن هذه القرارات غير الصائبة السبب في أنه الأجدر بالمنصب في هذه اللحظات الحالكة، أو كما قالت له زوجته في أحد المشاهد: "أنت قوى لأنك غير مثالي، وحكيم لأن لديك شكوك".

يهتم جو رايت معتمدًا على السيناريو الذي كتبه أنتوني ماكارتن، بإظهار الجانب الإنساني من تشرشل، رغم سيطرة الجانب السياسي على الأحداث. وذلك عن طريق التركيز على علاقته بزوجته وسكرتيرته والملك جورج السادس؛ فهو زوج محب يستمع إلى نصائح زوجته ويدللها من آن لآخر مقدرا التضحيات التي تقوم بها من أجله، ورب عمل حازم وحاسم مع السكرتيرة لكن يتعاطف مع دموعها ويتفهم قلقها على مصير البلد، كما أن حواراته مع الملك وتحول العلاقة بينهما من كره إلى تقدير وثقة تكشف عن مدى حاجته إلى إيمان الآخرين به حتى لو كان يتمتع بالقوة والهيبة.

"الجهد المتواصل، و ليس الذكاء أو القوة، هو مفتاح إطلاق قدراتنا الكامنة"

هذا الجانب الإنساني الذي تجلى خلال الفيلم، لم يكن ليظهر بهذا الشكل المميز دون أداء رائع من قبل الممثل جاري أولدمان، الذي جسد الشخصية بطريقة تجعلك تتعلق بتشرشل، بل أنه أصبح من الصعب أن تسمع اسم الزعيم البريطاني بعد مشاهدة الفيلم، دون تذكر وجه أولدمان.

تحول شكل الممثل صاحب الـ59 عامًا حتى اختفت ملامحه تماما ولم يبق سوى وينستون تشرشل أمامنا، واجتهد كثيرًا في تقمص تفاصيل الشخصية دون افتعال بداية من الوقفة وعقد اليدين من الخلف، مرورًا بمسكة السيجار والجاكيت وشرب الكحول، حتى الصوت الجهوري. لكن ما يميز أولدمان حقًا هو القدرة على خلق روح الشخصية وإظهار الكاريزما التي تمتع بها تشرشل دون الوقوع في فخ التقليد، لذلك جاء الأداء متقنا يتناسب مع حالة الفيلم الحماسية.

براعة تشرشل تكمن في صياغة الكلمات، وهذا ما ركز عليه جو رايت بشكل أساسي في فيلمه. فالأحداث مرتبطة دائما بما يقوله في خطاباته، وكيف صاغها قبل إلقائها ومدى تأثيرها على الأوضاع السياسية والحالة العامة في البلاد. بالطبع، استغل المخرج هذه التفصيلة في الربط بين الخطابات والآلة الكاتبة التي يحب إيقاعها وتأثيرها على تحديد المصائر في أفلامه. كأنه يقول أن للكلمات قوة في مثل هذه الأوقات، لا تقل عن قوة الأفعال، بل في بعض الأحيان تكون أهم في بث روح الصمود والمقاومة. أو كما قال لورد هاليفكس، ساخرًا عقب خطبة تشرشل الشهيرة التي أعلن فيها عدم الاستسلام لهتلر، "لقد حشد اللغة الإنجليزية، وأرسلها إلى المعركة".

" جميع الأشياء العظيمة بسيطة..."

استطاع جو رايت أن يجعل الجو العام للفيلم يعبر عن اسمه وحالته، فمعظم المشاهد تحيط بها هالة من الظلام، ويظهر تشرشل في الكثير من الأحيان داخل ممرات وغرف ضيقة توحى بحجم الصعوبات الملقاة على عاتقه. ورغم أن الأحداث تدور في أماكن محدودة، إلا أن المخرج جعلها مفعمة بالحيوية بسبب حركة الكاميرا المستمرة وزوايا التصوير المختلفة.

لكن ظل هناك أسئلة حول مدى صحة الأحداث المعروضة وهل طغى الجانب الدرامي على الواقع التاريخي؟ بالتأكيد هناك مواقف وتفاصيل من وحي الخيال، لكن هذا لا يقلل من أهميتها دراميا، بل هي ضرورية لتوصيل فكرة محددة بطريقة جذابة مثل مشهد لقاء تشرشل بمجموعة من المواطنين البريطانيين في عربة بمترو الأنفاق، واستطلاع رأيهم في خياري الحرب والتفاوض. هذا المشهد يكشف عن أن قوته حقا كانت نابعة من إيمان الشعب به وبكلماته الرنانة.

في النهاية، هذا فيلم يكشف عدة جوانب من شخصية تشرشل الذي يعد واحدًا من أبرز القادة السياسيين خلال القرن الـ20، لكن بطريقة خاطفة للقلوب يرجع الفضل فيها إلى جاري أولدمان، الذي جمع بين الكثير من التناقضات بمنتهى السلاسة؛ فتجد نفسك متفاعلا مع غضب تشرشل ومنزعجا لضيقه، ثم تضحك على نكاته بعد مرور لحظات قليلة. أداء يجعل من أولدمان هو الأحق بجائزة الأوسكار في فئة أفضل ممثل هذا العام.

اقرأ أيضًا:
10 سنوات على رائعة Atonement .. من الخيال ما قتل

أوسكار 2018- فيلم Lady Bird.. رحلة تمرد ورسالة حب لساكرامنتو