رغم تواتر الأخبار عن مشكلات مع الرقابة تم فيلم "طلق صناعي" في النهاية، العمل الأول للمخرج خالد دياب، الذي تعرفنا عليه مسبقا كمؤلف في عدد من الأفلام أغلبها كوميدي، مثل "1000 مبروك" و"بلبل حيران"، بالإضافة لاشتراكه في كتابة أفلام أخرى مع شقيقه المؤلف والمخرج محمد دياب، كما شارك خالد أيضا في كتابة سيناريو الفيلم مع محمد دياب وشيرين دياب.
بدأ العمل على هذا الفيلم منذ فترة طويلة، ومن المعروف أنه عندما تتوقف الأفلام لفترات أثناء التصوير، لا تكون النتيجة النهائية على أفضل وجه، فكيف كانت النتيجة النهائية في "طلق صناعي"؟
ليتهم تعلموا الدرس
تدور أحداث الفيلم في يوم واحد داخل السفارة الأمريكية في القاهرة، الزوج حسين (ماجد الكدواني) وزوجته الحبلى في أيامها الأخيرة "هبة" (حورية فرغلي) يأخذان رفضًا على تأشيرة السفر، وبناء عليه يقرر الزوج أن يعطي زوجته دواء يحفز الطلق ليجعلها تلد داخل السفارة ليحصل الطفلان التوأم على الجنسية الأمريكية.
تتطور الأحداث فيستولي حسين على سلاح أحد رجال الأمن ويهدد كل من في السفارة، يتواصل معه مدير أمن القاهرة والسفير الأمريكي لإقناعه بالخروج إلا أنه يرفض أن يخرج قبل أن تلد زوجته.
لا يمكن إغفال التشابه الواضح في الفكرة وحتى حبكة الفيلم مع الفيلم الرائع "الإرهاب والكباب" تأليف وحيد حامد وإخراج شريف عرفة، وإن كان يمكن لمؤلفي الفيلم أن يتعلموا دروسًا أهم من وحيد حامد.
لم ينشغل سيناريو "الإرهاب والكباب" بتقديم شخصياته المساندة إلا بمشهد وحيد لكل شخصية تقريبا، بخلاف الشخصية الرئيسية بالطبع، كان هناك مبرر درامي قوي لهذا التقديم، وهو تبرير حالة التعاطف مع المختطف لاحقًا، على هذا لا نجد تأثيرا أو دورًا لهذه الشخصيات لاحقا، تدور فقط في فلك الشخصية الرئيسية ولا توجد لأي منها مشاهد منفردة.
في المقابل قدم سيناريو طلق صناعي مشاهد متفرقة لمرتادي السفارة، هذه المشاهد وُظفت بشكل كوميدي في البداية لعرض الحيل أو الأسباب المختلفة التي يلجأ إليها الذين يرغبون في الهجرة إلى أميركا. بنهاية هذا العرض لم يعد هناك قيمة لهذه الشخصيات، فهي تظهر في مشاهد متفرقة ليس لها تأثير سوى إضافة بعض الكوميديا فقط، ويمكن حذفها أو تغيير مكانها دون أي ضرر على الفيلم.
خارج السفارة، جاءت مشاهد مدير الأمن (سيد رجب) مع السفير الأمريكي (نجيب بلحسن) ومفاوضتهما مع "حسين" كأحد أفضل عناصر الفيلم، فمن خلال هذا الحوار يقدم الفيلم فكرته بوضوح من خلال قالب كوميدي، نقد الأوضاع التي أدت بالمواطنين إلى اللجوء إلى السفارة، ومقارنة طريفة بين التعامل الحريص للسفير الأمريكي مع المحتجزين لوجود أمريكيين بينهم، وبين التعامل العنيف منذ اللحظة الأولى من مدير الأمن.
لكن وسط هذا التميز الكوميدي يتوه تماسك الفيلم لاحقًا كما سنذكر.
درس آخر كان يمكن تعلمه من وحيد حامد هو في كيفية جذب المشاهد للتعاطف مع أزمة البطل، مواطن تتعطل حياته لمجرد رغبته في نقل ابنه من مدرسة بعيدة لمدرسة قريبة من المنزل، مشكلة ربما يتعرض لها أو لشبيه لها الكثير من المصريين، هكذا يمكن للمشاهد أن يجد نفسه في "أحمد فتح الباب"، في المقابل سنجد "حسين" في "طلق صناعي" يطرح فكرة راودت الكثيرين أيضًا لكنها لا تشكل أزمة يومية ولن يسعى أي شخص لحل هذه الأزمة إن وجدت بهذه الطريقة، يضاف إلى هذا أن تعامل "حسين" مع زوجته ليجعلها تلد بالإجبار وضع المزيد من الحواجز أمام التوحد مع هذه الشخصية.
إلى أين يأخذنا الفيلم؟
تأتي الكوميديا الموجودة في الفيلم كأحد أفضل عناصره كما ذكرنا، ولكن لوضع كم أكبر من الكوميديا جاء ذلك على حساب منطقية الأحداث.
أضعف ملامح الكوميديا جاءت في الحوار المصطنع باللغة الإنجليزية المبعثرة على لسان (مي كساب)، هذا النوع الذي استهلك تمامًا منذ أيام الأبيض والأسود وحتى المترجمة في فيلم "لا تراجع ولا استسلام القبضة الدامية".
ثم كانت مشاهد مصطفى خاطر الذي على الرغم من نجاحه في تقديم كوميديا جيدة في بعض المشاهد، إلا أن تعليقاته الكوميدية كانت تأتي في وسط مشاهد تستلزم الجدية مثلما ألقى تعليقًا كوميديًا بعد مشهد إطلاق النار على "حسين"، فلا يترك لنا فرصة للتأثر وفي الوقت نفسه لا نستطيع أن نضحك.
في أداء مميز أيضًا ولكن بشكل أكثر جدية كان علي الطيب في دور الضابط "يوسف"، الذي كانت جديته هي ما ولدت الكوميديا، لكن يؤخذ على السيناريو وضعه لشريف في صورة ضابط العمليات الخاصة الوحيد في مصر، فهو من يفكر وينفذ ويتابع ويذهب ويأتي، لا يوجد أي ضابط غيره طوال الأحداث.
بعيدًا عن الكوميديا نجد أن الفيلم ينتهي دون أن نُدرك ما يود أن يدافع عنه في النهاية، في البداية يبدو الأمر واضحًا، السخرية الشديدة من بعض الأوضاع في مصر وإظهار التناقض بين التعامل المصري والأمريكي مع الأزمة، ثم قرب النهاية، مع موافقة السفير على اقتحام السفارة تأتي عبارة على لسان مدير الأمن: "عايزين تطلعوا نفسكوا ملايكة واحنا الفرق بينا وبينكم إن شعركوا أصفر وعينيكم خضرا"، بالوقوف عند هذه العبارة ومراجعة تصرفات السفير طوال الأحداث سنجد أنها مقاربة بعيدة تمامًا، يمكن تقبلها في إطار محاولة مدير الأمن لتبرئة نفسه لكن يصعب تقبلها في الصورة التي ظهرت بها كعبارة تقريرية لوضع قائم.
هذا التذبذب في الطرح يمتد لنهاية الفيلم أيضًا، والتي تشبه نهاية "عسل أسود" التي لم تكن بأفضل حال أيضًا غير مبررة بشكل كافٍ، فرغم كل ما شهده بطل "عسل أسود" في مصر لكننا نجده يعود إليها ببساطة في نهاية الفيلم، فقط لأن "فيها حاجه حلوه"، أمر مشابه يحدث في نهاية "طلق صناعي"، والدافع هنا واهٍ جدًا، إذ تتحرك مشاعر "حسين "عندما يرى المصريين خارجين في مظاهرات تطالب بعدم قتله، فيقع في حب مصر من جديد.
الفيلم الجيد هو ما يجعلنا نفكر ونتساءل بمجرد انتهائه عما يود أن يقوله، لكن في "طلق صناعي" الخلاف ليس على الأفكار لكن على كيفية طرحها التي جعلتها في النهاية مبتورة.
حالة انفصال
كمخرج يقدم عمله الأول سنجد بعض ما يمكن أن يُحسب لخالد دياب والكثير مما يجب أن يتخطاه في عمله المقبل.
يُحسب له بالتأكيد اختياره الجيد للممثلين وتسكينهم في الأدوار بشكل جيد، لكن في الوقت نفسه نشعر أن هناك انفصال بين عالم الشخصيات وبعضها ولو قليلًا. فبينما يغرق حسين وزوجته في الجدية التامة بأداء جيد من الكدواني وحورية فرغلي، يظهر مدير الأمن بشكل هزلي تمامًا وإن كان بأداءٍ جيد أيضًا من سيد رجب. وهذا الانتقال الحاد بين الهزل والجد يتجلى في المشهد المأساوي نشاهد فيه حسين يُجبر زوجته على صعود ونزول الكرسي حتى تأتيها آلام الولادة، هذا المشهد وسط الكثير من المشاهد الكوميديا أخرجنا من الحالة العامة للفيلم.
في الحقيقة لم يكن عدم وجود حالة اتساق بين المشاهد هو فقط ما صعّب من توحدنا مع الفيلم بل بدأ الأمر قبل ذلك بكثير، منذ شاهدنا الديكورات التي صممها محمد أمين سواء ديكورات الشوارع التي ظهر عليها الاصطناع بشكل واضح، أو ديكورات السفارة التي كانت أقرب للبنك منها للسفارة، ولاحقًا عندما شاهدنا الماكياج غير المحكم أيضًا في آثار الضرب على وجه عبد الفتاح (بيومي فؤاد).
فيلم "طلق صناعي" بُني على فكرة لامعة يمكن أن تقدم معالجتها فيلمًا رائعًا ومختلفًا، اضف إلى الفكرة طاقم تمثيل مميز، لكن ربما كان ينبغي العمل بشكل أفضل على السيناريو وإعادة تصوير بعض المشاهد ليخرج الفيلم في صورة مُرضية.