”سابع جار“.. بعيدًا عن السم والعسل

تاريخ النشر: السبت، 30 ديسمبر، 2017 | آخر تحديث: السبت، 30 ديسمبر، 2017
مسلسل سابع جار

لم يثر مسلسل تليفزيوني قدرًا كبيرًا من اللغط بقدر ما فعل مسلسل "سابع جار" مؤخرًا، منذ منتصف حلقاته التي توقف موسمها الأول عند 47 حلقة وهناك تعليقات تعلو مطالبة بوقف المسلسل، وأخرى تدافع عنه وتطالب باستكماله، كتابات تقول أن المسلسل يرصد الواقع، مقابل أخرى تقول أنه يشوه صورة الأسرة المصرية، فهل المسلسل أقرب للواقع فعلًا أم أنه ”يدس السم في العسل“ كما قالوا؟

في الحقيقة ليست إجابة هذا السؤال هي ما سنهتم به هنا، فوسط كل الضجة التي أثيرت حول "سابع جار" قليلة هي الكتابات التي تعرضت للمسلسل من الناحية الفنية، في النهاية نحن أمام عمل فني، اختلفنا أو اتفقنا حول موضوعه يبقى عملًا فنيًا يجدر تقييمه وفقًا للمعايير الفنية قبل أي شيء آخر، وهذا هو ما سنهتم به في السطور التالية.

هل قابلت هؤلاء من قبل؟

منذ الحلقات الأولى للمسلسل يتسلل إلينا شعور بأننا قابلنا هذه الشخصيات من قبل، لمياء (دلال عبد العزيز) يرى فيها الكثيرون لمحات من الأمهات بالفعل، كريمة (صفاء جلال) هي فتاة خرجت للتو من منطقة شعبية يمكن أن تلتقي بها في السوق، حتى فؤاد (محمود الليثي) بكل تواكله على زوجته وأهلها هو نموذج قريب لشخصيات يمكن أن نقابلها في حياتنا.

يظهر سؤال مهم: هل سيُقبل المشاهد على متابعة ما يراه في حياته اليومية بالفعل؟ الإجابة كانت نعم، فالقالب الذي صاغته بشكل جيد هبة يسري مؤلفة المسلسل كان مُغريًا بالمشاهدة، يُضاف إلى هذا نُدرة هذه النوعية من المسلسلات التي تتعرض لعلاقات ومشكلات الحياة اليومية بعيدًا عن أجواء التشويق أو الجريمة أو حتى الرعب التي سيطرت على الكثير من المسلسلات في السنوات الأخيرة.

الدراما هنا بسيطة تتعرض ليوميات ومحورها هو الشخصيات نفسها وليس الأحداث، وهو أمر أيضًا غير مألوف، فالمعتاد هو متابعة الأحداث التي تسوق الشخصيات وليس الشخصيات وما يحدث معها من أحداث، هذا الشكل الأخير أقرب لبعض المدارس السينمائية وإن كان في السينما الأمر يختلف، إذ نتابع عددًا محدودًا من الشخصيات، في بعض الأحيان شخصية واحدة، ولمدة ساعتين فقط وليس 47 حلقة.

رغم هذا الاختلاف الواضح في شكل المسلسل، لكن من الصعب عدم الانجذاب إلى هذه الشخصيات والإقبال على متابعتها، البعض يود أن يرى نفسه على الشاشة، والبعض يشاهد أقرب الناس إليه، يضيف إلى جاذبية الحلقات كوميديا الموقف المميزة الموجودة في معظم الحلقات، والتي لا تقدمها شخصية واحدة بعينها بل يمكن أن تخرج من عدة شخصيات.

يزيد من شعورنا بقرب هذه الشخصيات من الواقع الديكور الرائع لعاصم علي، الذي يهتم بإبراز تفاصيل كل بيت من الداخل، والملابس تحت إشراف نيرة الدهشوري.

إذن فالبناء الأولي للشخصيات هو عامل الجذب الأهم للمشاهدة، لكن هل هذا يكفي لمتابعة كل الحلقات؟


كل هذه الخطوط

يتعرض المسلسل خلال حلقاته لمشكلات بسيطة بعضها متشابه لكن من وجهات نظر مختلفة، مثل موضوع الزواج، لدينا دعاء (فدوى عابد) التي ترغب في الزواج من شخص شخص متدين، وشقيقتها هبة (سارة عبد الرحمن) التي لا تدري ما الذي تريده فهي ترفض الزواج التقليدي من حيث المبدأ لكنها عندما تجد شخصين معجبين بها تفكر في الأمر، في المقابل نجد صديقتها المقربة نرمين (ميسون المصري) تبحث عن عريس بشغف، ولدينا أيضًا علاقة حب وجنس دون زواج بين مي (هديل حسن) وأحمد (أحمد الأزعر) وأخيرًا هناك الزواج فقط من أجل الحصول على طفل الخط الذي تمثله هالة (رحمة حسن).

لكن كما ذكرنا، لا يوجد بناء واضح لهذه الخطوط، فإذا نظرنا لأي خط درامي سنجد أننا نشاهد إما تطور شديد البطء كما في حالة مي وأحمد، أو لا تطور على الإطلاق كما في حالة عمرو (هاني عادل) وزوجته جيلان (دعاء حجازي) اللذان تعد معظم مشاهدهما تكرارًا للشجار بينهما.

يستعين سيناريو المسلسل بكثرة الشخصيات للتغطية على هذا الضعف في تطور الشخصيات، لكن هناك مشكلة أخرى يمكن التوقف عندها وهي التعامل مع كل أزمة لأي شخصية وكأنها منفصلة عن بقية الحلقات فتبدأ الأزمة، التي يمكن أن تخلق دراما جيدة بالمناسبة، ثم تنتهي بسهولة دون حتى أن تترك أثرًا سواء على الشخصية أو على دراما العمل ككل.

المثال الأبرز على هذا كان في الجار الذي حاول الارتباط بكريمة ورفضت هي طلبه لأنها أخفت عنه حقيقة كونها تخدم في بيت اللواء وليست قريبة له، هكذا ينتهي الأمر وتواصل كريمة حياتها دون أن يترك هذا الحدث القوي أي تأثير على شخصيتها، على الجانب الآخر نجد الجار ينتقل للسكن في مكان آخر وينتهي دوره من المسلسل بهذا الشكل.

الأمر يتكرر مع علاقة الإعجاب بين هبة وجارها المتزوج طارق (نيقولا معوض) إذ ينتهي الأمر بحوار مفاده أن يظلا صديقين فقط، تأثير هذا على دراما المسلسل كان مشابهًا للعبارة التي قالتها هبة بعد انتهاء الأمر ”أنا اتأثرت بس 5 دقايق وخلاص“ فلا نجد أي تحول أو تأثير بأي شكل على الخط الخاص بأي من الشخصيتين لاحقًا.

ينقلنا المشهد السابق تحديدًا إلى نقطة أخرى تخص بناء الشخصيات والعلاقات بينها، إذ كانت العبارة السابقة في مشهد تحكي خلاله هبة عن مشكلتها تلك لمي جارتها، هنا نجد أن بناء شبكة العلاقات غير واضح، إذ تظهر هذه الصداقة والتقارب بين مي وهبة فجأة في منتصف المسلسل دون تقديم واضح، وبينما نجد هبة تخبر مي بسرٍ مثل هذا، نجدها لاحقًا تلجأ لابنة خالتها هالة لأخذ رأيها في مشكلة عاطفية أخرى، هذا بالرغم من أن هبة لديها صديقة مقربة بالفعل هي نرمين لكنها لا تخبرها بمشكلاتها العاطفية لأن هذه الأخيرة لا تتعامل بالشكل الذي تفضله هبة.

الأمر يتكرر في علاقة كريمة بمي أيضًا، إذ دون أية مقدمات قررت الأولى أن تخبر الأخيرة بمشكلتها العاطفية دونًا عن كل السكان الآخرين في البناية، هكذا نجد أن شبكة العلاقات تحتاج إلى مزيد من الضبط.

أين كنتم؟

تتخطى نسبة مشاهدة الحلقات على يوتيوب المليون ونصف المليون مشاهدة للحلقة الواحدة، بالتأكيد لم يكن القالب الذي يدور خلاله المسلسل هو عامل الجذب الوحيد، فإذا كان نفس هذا السيناريو قُدم من خلال ممثلين آخرين وبقيادة مخرجين آخرين، سنأتي لهم لاحقًا، في الأغلب لم نكن سنشاهد نفس النتيجة.

مما يلفت الانتباه في هذا العمل، ويضيف أهمية أخرى لنجاحه، أنه لا يعتمد على النجوم إطلاقًا، بل قدم مزيجًا رائعًا بين ممثلين من عدة أجيال نجح في توظيفهم بشكل يستحق التوقف.

من الجيل الأقدم يأتي الفنان الرائع أسامة عباس في دور اللواء المتقاعد، أسامة عباس من الفنانين الكثيرين ذوي الموهبة الكبيرة التي لا نجد، للأسف، المخرجين الذين يستغلونها فيكتفون بتكرار أسماء بعينها. رغم قلة مشاهده يؤدي عباس دوره بتلقائية شديدة يجعل حضوره على الشاشة له مصداقية لا يتمتع بها الكثير من الممثلين، يستطيع أن يقنعنا عندما يبكي وعندما يضحك وعندما يغضب ودون أي افتعال.

تقابله وتشكل معه ثنائيًا رائعًا صفاء جلال في دور كريمة، المرأة التي تحاول أن تهرب من ماضيها السيء وتعمل بصدق في خدمة اللواء، وبينما يستند أسامة عباس إلى تاريخ كبير من الأداءات المميزة، نجد صفاء من جيل آخر لم توفّق كثيرًا في اختيار أدوارها الأخيرة، لكن يعاد اكتشافها في "سابع جار" رغم تأديتها لشخصية الفتاة الشعبية التي نشاهدها في التليفزيون غالبًا تُقدم بشكل يغلب عليه الافتعال، لكن صفاء جلال تعيش الشخصية بشكل استثنائي، وتحافظ عليها في كل انفعالاتها.

من الوجوه التي يعرفها المشاهدون أيضًا، دلال عبد العزيز وشيرين لكنهما في المسلسل أيضًا يعاد تقديمهما بشكل مختلف، خاصة دلال عبد العزيز التي نشاهدها في الكوميديا كما لم نرها من قبل، إلى الحد الذي يدفعنا للتساؤل أين كانت هذه الأدوار منها قبل هذا؟

ويظهر كضيف شرف محمود البزاوي في دور رجل الأعمال الفاشل مجدي زوج ليلى (شيرين)، وكما هي العادة يُفاجئنا البزاوي بأدائه للشخصية بمنتهى البساطة.

ينضم لكل هؤلاء عدد من الممثلين من جيل الشباب أغلبهم يقابلهم الجمهور للمرة الأولى أو الثانية، مع كثرة الممثلين المميزين في ”سابع جار“ يصعب أن نذكرهم كلهم لكن هناك أسماء بعينها يجب التوقف عندها.

البداية مع الأختين في المسلسل هبة ودعاء اللتان تلعب دوريهما سارة عبد الرحمن وفدوى عابد على الترتيب. ربما شاهدنا سارة من قبل في بعض البرامج التليفزيونية أو على الإنترنت مثل برنامج البلاتوه لكنها المرة الأولى التي نشاهدها فيها كممثلة في دور كبير المساحة، سارة مسؤولة عن مساحة كبيرة من الكوميديا، وتؤدي دورها بشكل جيد وإن كان من الصعب تقييمها كممثلة على هذا الدور، إذ أن شخصيتها لا تتطور خلال الأحداث، وهكذا نجد لها الكثير من المشاهد بنفس الأداء، وإن كان هذا لا يمنع أنها بداية موفقة بالفعل.

بينما يعد هذا هو التعارف الأول مع فدوى عابد، التي تعد واحدة من أفضل الوجوه التي قدمها المسلسل، فدوى قدمت أداءً كوميديًا فريدًا دون أن تكون الشخصية كوميدية بالأساس، ونجحت في مشاهدها في الانتقال سريعًا بين الهدوء والعصبية، وعندما تبكي تنتقل إلى حالة من الضعف نصدقها أيضًا ونشعر بأننا يجب أن نقدم لها يد المساعدة.

يشترك محمود الليثي مع سارة عبد الرحمن في مجيئه من خلفية البرامج، وإن كان شارك في دور صغير في ”لا تطفئ الشمس“، يتألق الليثي في دوره ويكفي ظهوره على الشاشة لبدء الضحك، لكنه يعرف كيف يسيطر على الشخصية حتى لا تظهر بشكل هزلي عندما لا يجب ذلك، وقد شكل في عدة حلقات ثنائيًا رائعًا مع محمود البزاوي.

ربما هذه هي أبرز الأدوار التي يمكن التوقف عندها، وإن كان هذا لا يمنع وجود عدة أدوار أخرى مميزة، بل إن الأداء غير الجيد هو الاستثناء، هكذا يمكن أن نضم للأداء الجيد رحمة حسن وأحمد داش وحتى ميسون المصري رغم صغر دورها.

ما سبق ينقلنا للحديث عن المخرجات الثلاث ودورهن في المسلسل.

هن

اختيار وتسكين الأدوار هو أول ما يحسب للمخرجات الثلاث آيتن أمين ونادين خان وهبة يسري، إذ أن فريق الممثلين حمل جزءًا كبيرًا من رفع مستوى العمل، يمكن القول أن الخط الوحيد الذي لم يحالفهن التوفيق في اختيار شخصياته بشكل قوي هو الخاص بمي وأصدقائها، بخلاف هذا سنجد أن بقية الخطوط الدرامية تحتوي دائمًا على ممثلين مميزين كما ذكرنا.

لكن الأمر لا يتعلق بالاختيار فقط، بل بقدرة المخرجات على استخراج مساحات تمثيلية غير مستغلة من أبطال العمل كما ذكرنا، وهو أمرٌ آخر برعن فيه.

لكن ماذا عن المشاهد والحركة وتكوين اللقطات المختلفة؟ المخرجات فضلن أن تكون معظم مشاهد العمل بدون قطع، لقطة واحدة طويلة تكون الكاميرا فيها ثابتة في مكان وترصد حوار الممثلين، نقول حوار وليس حركة لأن حتى الحركة في هذه المشاهد تكون شبه معدومة.

هذا الخيار ربما كان مناسبًا لبعض المشاهد، خاصة الكوميدية منها، مثل مشهد اتصال العائلة بدار الإفتاء، إذ كان من الجيد أن نشاهد ردود أفعال كل الشخصيات ومشاركتها في الحدث في وقت واحد، بينما لم يكن هو الخيار الأفضل في مشهد مصارحة كريمة لمي بخوفها من فكرة الارتباط بالجار، فالأخيرة كانت صامتة معظم الوقت تستمع وعلى وجهها تعبير واحد، بينما تتدرج صفاء جلال بأدائها حتى تبكي في نهاية المشهد، لكن المشهد صُوّر من زاوية واحدة واسعة تظهر فيها الممثلتان جالستان بوضع جانبي (بروفيل) مع الاكتفاء بالاقتراب التدريجي دون تغيير للزاوية، وهو ما أفقدنا رؤية أداء صفاء جلال، وأثقل على هديل حسن في المشهد الطويل.

الوصف السابق يتكرر في معظم مشاهد المسلسل، وبعيدًا عن كونه ليس الخيار الأفضل من الناحية الفنية والجمالية، لكنه ليس الأفضل حتى على مستوى السرد إذ نشعر في بعض الحلقات أن الأحداث أقل من اللازم بسبب وجود أكثر من مشهد طويل بهذه الطريقة.

أقرب للواقع أم السم في العسل؟
ذكرنا في البداية أننا لن نركز على مدى التزام المسلسل بمعايير الأخلاق، وإذا ما كان استغل تسلله لقلوب المشاهدين ليدس السم في العسل كما قالوا، لكن بعد كل ما قلناه يجب إضافة كلمة أخيرة، نحن أمام مسلسل ”يحاكي“ الواقع، لكنه في النهاية يخضع لرؤية صناعه، وبالتالي فمن غير المنطقي محاسبته بقواعد الواقع، بل بقواعد الدراما، يمكن أن يحبه المشاهد أو لا يحبه، لكن محاسبته أخلاقيًا أمرً يضر بمتعة المشاهدة قبل أي شيء.

"سابع جار" مسلسل يقدم حالة خاصة، فهو يحتوي على الكثير من العناصر المميزة بجانب بعض الثغرات التي يمكن معالجتها، أحداثه بطيئة لكن يصعب مقاومة متابعة كل حلقاته لمشاهدة هذه الشخصيات، لكن إلى أي مدى ستصمد هذه المعادلة؟

اقرأ أيضا

خاص (في الفن)- التفاصيل الكاملة لعدم اكتمال عرض الحلقات الـ60 من "سابع جار"

فن 2017- خاص- الناقدة ماجدة خير الله: "سابع جار" مفاجأة العام