الدراما التليفزيونية في مهرجان دبي السينمائي.. المياة تحت الجسور

تاريخ النشر: الأحد، 10 ديسمبر، 2017 | آخر تحديث:
صناع مسلسل "سابع جار"

المياة التليفزيونية تتحرك تحت الجسور السينمائية، عنوان يمكن رفعه ليس فقط عنواناً لليوم الرابع من فعاليات مهرجان دبي السينمائي، والذي يولي في دورته الرابعة عشر اهتماماً خاصة بالإنتاج التليفزيوني يمكن اعتباره غير مسبوق في تاريخ المهرجان، بل وللعام بأكمله الذي ربما كانت القضية السينمائية الأكبر فيه هي مشكلة فيلمي شبكة "نتفلكس" اللذين أثار عرضهما في مسابقة مهرجان كان أزمة كبرى شغلت العالم وطُرحت للنقاش في منابر مختلفة كان آخرها مهرجان القاهرة السينمائي الأخير.

الإنتاج التليفزيوني صار هو شعار العصر، أو للدقة الإنتاج المصنوع للشاشات الصغيرة سواء كانت تليفزيونية أو للحواسب والهواتف الذكية والأجهزة اللوحية. ليس فقط لأن الفارق يتضائل بين الشاشات المنزلية الآخذ حجمها في التضخم والشاشات السينمائية التي غدا أغلبها مع موجة تقسيم القاعات الضخمة إلى صالات "مالتي بلكس" صغيرة أقرب بشاشة تلفزيونية كبيرة. ولكن لأن طبيعة الوسيط والإنتشار الشديد لمشاهدة الأفلام والأعمال الدرامية عبر التليفزيون والأنترنت أعاد خلق صياغة جديدة للتعامل مع الإنتاج لها (والذي سندعوه الإنتاج التليفزيوني اختصاراً، مع علمنا أن كثير منه لا يُشاهد على شاشة تلفزيونية).

تغيير درامي بين عقدين

قبل عقدين تقريباً، كانت الدراما التليفزيونية في العالم كله فناً من الدرجة الثانية، يُستخدم في تصويره معدات أقل كفاءة من كاميرات السينما، مما منحه المسمى المصري الشهير "الفيديو"، وتقنيات وطرق تصوير عتيق، جعلت محترفيه هم من الصناع الأقل حظاً في الشهرة والجماهيرية ـ وأحياناً الموهبة ـ ونجومه هم من فشلوا في السينما أو فاتهم قطارها، أو من أفل نجمهم السينمائي وفقدوا تأثيرهم في شباك التذاكر فلاذوا بأمان التلفزيون.

إلا أن الوضع حالياً هو العكس تماماً، فمهرجان دبي على سبيل المثال عرض في يومه الثاني على مسرح مدينة جميرا (المسرح الثاني من حيث الأهمية من قاعات المهرجان) إحدى حلقات مسلسل "سابع جار" فائق النجاح بحضور مخرجاته الثلاث نادين خان وأيتن أمين وهبة يسري، وجميعهم مخرجات سينمائيات سبق وأن صنعوا أفلاماً طويلة، وحلقة من المسلسل الجديد "أنا شهيرة.. أنا الخائن" للمخرج أحمد مدحت، وهو أيضاً مخرج سينمائي انتقل قبل أعوام للدراما التلفزيونية. قبل أن يقيم المهرجان في يومه الرابع مؤتمراً صحفياً ضخماً شارك فيه ثلاثة من كبار المنتجين في المنطقة العربية؛ لكشف رؤيتهم للسوق وخططهم لدراما شهر رمضان المقبل، هم جمال العدل وصادق الصباح وطارق الجنايني.

لا نحتاج للنظر طويلاً في قائمة إنتاجات العدل جروب لشهر رمضان والمتضمنة أربعة عناوين هي "بني يوسف" بطولة يسرا، "أخلاق للبيع" بطولة محمد هنيدي، "زين" بطولة محمد رمضان و"اختفاء" بطولة نيللي كريم، للتأكد من أن الدراما التليفزيونية صارت وسيط كبار نجوم الشباك، كما هو الحال في العالم بأكمله، في عصر من المعتاد فيه أن يخرج مارتن سكورسيزي ودافيد فينشر وغيرهما مسلسلات تليفزيونية، ويتعاقد كبار نجوم العالم على أعمال يعلمون أنها لن تذاع ولو مرة على شاشة سينمائية.

لن نقارن بالطبع بين الأسماء ولكنهم نجوم الصف الأول في السوقين. لكن الواقع الذي لا فكاك منه هو أن بوصلة العالم عموماً تتجه في اتجاه واحد، لدرجة أن عمدة مدينة كان التي تستضيف أكبر مهرجان سينمائي في العالم كان قد أعلن في مطلع العام الحالي عن استعداد المدينة لتنظيم مهرجان جديد للأعمال التلفزيونية ينطلق خلال 2018، وإن كان غياب أي تنويهات أخبار لاحقة يشير لأن المشروع ربما لن يخرج للنور قريباً كما توقع العمدة.

الواقع والمستقبل

وإن كان تنظيم مهرجان دولي كامل للمسلسلات هو مشروع هائل يحتاج لدراسة وتخطيط لكونه حدثاً غير مسبوق، فإن مهرجان دبي السينمائي سار على درب كان في وضع هذه الصناعة داخل بؤرة الاهتمام، وكما عرض كان في مايو الماضي حلقتين من مسلسل "توين بيكس" لدافيد لينش ومثلهما من "قمة البحيرة" لجاين كامبيون، فإن عرض حلقتي المسلسلين المصريين في دبي هي خطوة غير مسبوقة في المهرجانات العربية بشكل عام، تحسب للمهرجان كما يحسب له اختيار هذين العملين تحديداً، فكلاهما خارج السياق التقليدي للإنتاج التليفزيوني بصناعة 30 حلقة رمضانية، فأحدهما "سابع جار" مسلسل اجتماعي طويل من إخراج ثلاثة مخرجات سينمائيات وبإيقاع أقرب للسينما المغايرة منه للتلفزيون المعتاد، والآخر "أنا شهيرة أنا الخائن" تجربة سردية مختلفة بروي الحكاية نفسها مرتين من وجهتي نظر مختلفتين.

في هذا الوقت الذي يتحرك فيه العالم كله نحو الاتجاه، بما فيه الصناعة المحلية المصرية (وإن كانت تشهد رياح تغيير قوية مع تبدل اللاعبين الأساسيين والاتفاق الذي أبرمته المحطات بتثبيت حد أقصى لسعر أي مسلسل)، لا تزال أصوات تحاول الانتصار للجمود، تتمسك بالشكل التقليدي في الكتابة والإخراج والفصل بين الوسائط، بل يتطوع البعض على سبيل المثال عندما يتم اختيار ممثل لديه عديد من الأدوار التلفزيونية الرائعة عضواً في لجنة تحكيم مهرجان ما، ليسأل عن أدوار الممثل السينمائية، متناسياً ذوبان الفروق بين الوسائط وأساليب التمثيل، والذي تثبته خطوات كل المهرجانات الكبرى في تحديد أنشطتها وآخرها مهرجان دبي السينمائي.

اقرأ أيضا

وحيد حامد.. "الوحيد" الذي أنار سماء دبي السينمائي

خاص- كواليس اليوم الثالث بـ "دبي السينمائي".. أحمد عز يغادر لهذا السبب وغضب مخرجة "زهرة الصبار"