اختُتمت مساء يوم الخميس فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته التاسعة والثلاثين، وسط حضور نجوم أمريكيين معروفين هم أدريان برودي وهيلاري سوانك ونيكولاس كيدج، وعدد من صناع الأفلام المشاركة في مسابقات المهرجان المختلفة.
قيل وكُتب الكثير عن حفل الختام، هناك آراء ترى أن حضور النجوم العالميين أعاد المهرجان للخريطة العالمية، هناك آراء أيضًا ترى أن تنظيم الحفل أفضل من سابقه وأتى ليحسن صورة المهرجان التي بهتت في نظرهم خلال السنوات الماضية.
فهل يمكن القول أن هذه الدورة فعلًا تمثل إنقاذًا للمهرجان؟ وقبلهد هذا السؤال ينبغي أن نسأل، هل كانت الدورة السابقة كارثية حتى نعتبر هذه الدورة إنقاذًا؟
ليس بمن حضر
يحصر البعض المهرجانات في حفلي الافتتاح والختام، وهو أمر يحتاج إلى مراجعة حقيقية، المهرجانات السينمائية تعني الأفلام ثم الأفلام ثم الأفلام، وما يتعلق بها من فعاليات، مثل السوق السينمائية لتسويق الأفلام، أو البحث عن دعم للمشاريع الجديدة.
حفلا الافتتاح والختام مهمان بالطبع، حفل الافتتاح تحديدًا يعطي انطباعًا أوليًا عن التنظيم الذي سيسير عليه المهرجان في أيامه التالية، لكن حتى وإن كان الحفل استثنائيًا ثم كان المهرجان خاليًا من الأفلام الجيدة، فإن التقييم العام للمهرجان سيُحسب على الأفلام، والعكس صحيح أيضًا، لو فرضنا أن الحفل جاء ضعيف المستوى بينما احتوى المهرجان على أفلام جيدة فإن ما سيبقى في الذاكرة وما يمكن العودة لقراءته هو ما يخص هذه الأفلام وليس سقطات الحفل.
للأسف، إذا عدنا إلى ما كُتب عن المهرجان في العام الماضي سنجد الكثير من الهجوم على حفل الافتتاح تحديدًا، هجوم لم يوقفه المستوى الجيد للأفلام، بسبب حضور فنانة غير مدعوة إلى حفل الافتتاح، هكذا صار اسم هذه الفنانة مصاحبًا لمعظم ما كُتب عن الدورة 38، بينما نجد أن هناك إشادة بمستوى التنظيم للدورة 39 بسبب كثافة حضور النجوم في حفلي الافتتاح والختام، رُغم وجود عدد من الأخطاء خاصة في حفل الافتتاح. فيما لم ينصب التركيز الكافي على الأفلام المعروضة.
إذا نظرنا إلى الضيوف الأجانب المكرمين فيجب أن يظهر سؤال مهم، أيهما أفضل: أن نكرّم فنانًا عن مجمل أعماله لأنه يستحق هذا التكريم بالفعل أم لأنه هو من نجحنا في التعاقد معه لحضور المهرجان؟ هل تكريم الممثلة إليزابيث هيرلي ذات الأعمال الجيدة المحدودة جدًا هو ما أعطى حفل الافتتاح قيمته أم تكريم سمير غانم وماجد الكدواني وهند صبري ذوي الأعمال المؤثرة في معظم عشاق السينما؟
المهرجانات لا تُقيّم بمن حضر، بل بما عُرض.
بين دورتين
استنادّا إلى القاعدة السابقة يمكن محاولة إلقاء نظرة على الدورة المنتهية من مهرجان القاهرة، والقول بضمير مرتاح بأنها ليست دورة استثنائية، ليست ضعيفة لوجود عدد من الأفلام الجيدة بالتأكيد لكنها ليست عظيمة، خاصة إذا ما قورنت بالدورة السابقة لها.
ربما لا يعرف البعض أن الحصول على الأفلام الجيدة كعرضٍ أول في المنطقة أو في مصر يتطلب دفع مقابلٍ مادي، لا يخفى على الكثيرين أنه حتى قرابة الشهر تقريبًا قبل بدء المهرجان لم تكن الميزانية المتاحة تكفي لشراء الأفلام الكبيرة أو المهمة، هكذا نجحت مهرجانات أخرى في الوصول إلى هذه الأفلام قبل القاهرة، مما أثر على المستوى العام للأفلام خلال الدورة، ونؤكد مرة أخرى أن هذا لا يعني على الإطلاق خلو المهرجان من الأفلام الجيدة.
وصول الدعم ممثلًا في شراكة قناة dmc في التنظيم، ربما انعكس على حفلي الافتتاح والختام، واستضافة عدد أكبر من الضيوف، ولكن ليس على الأفلام المعروضة.
دعونا نعقد مقارنة سريعة بين هذه الدورة ودورة العام الماضي. في العام الماضي كانت حفلة الساعة 9 يوميًا في المسرح الكبير تعرض أهم أفلام 2016، أفلام للمخرجين أمير كوستاريتسا وكريسيتان مونجو وزافييه دولان، والأفلام الحاصلة على أهم الجوائز من كبرى المهرجانات.
إذا نظرنا إلى المسابقة الرسمية في الدورة 38 سنجد أنها احتوت على مجموعة منوعة وقوية من الأفلام نذكر منها ”ميموزا“ من المغرب و“Perfect Strangers“ من إيطاليا و ”Train of Salt and Sugar“ من موزمبيق و“Kills on Wheels“ من المجر، بالإضافة للكثير من الأفلام المميزة الأخرى، كان الوضع الطبيعي في العام الماضي هو أن تضطر للتضحية بأحد الأفلام المميزة من أجل مشاهدة فيلم آخر مميز نظرًا لازدحام الجدول بها.
الاختيار هذا العام كان أكثر سهولة، وهو أمر ليس جيدًا على الإطلاق، بل إن أحد أهم الأفلام التي أعلن عن عرضها، فيلم ”In the Fade“ للمخرج فاتح أكين، لم يُعرض من الأساس، بينما لم يحدث خطأ مشابه في العام الماضي.
الفيلم المصري
تتردد على لسان بعض الفنانين في حفلتي الافتتاح والختام عبارة ”أنا بَدْعم مهرجان بلدي“ معظم هؤلاء النجوم يندر حضورهم إلى أي من الأفلام المعروضة بينما نجد صناع الأفلام الأجانب المدعوين يهتمون بمشاهدة عدد من الأفلام المختلفة. لسنا نحاسب من لم يحضر أو نكافئ من حضر، لكننا نود إعادة الالتفات إلى عبارة ”بدعم المهرجان“.
يظل أفضل دعم يمكن أن يقدمه أي فنان للسينما في بلده هو صناعة أفلام جيدة تشارك في مهرجان هذا البلد أو المهرجانات السينمائية الكبرى، بينما يبقى الحضور والسير على السجادة الحمراء أمرًا مهمًا وجذابًا ويجب تغطيته كما يحدث مع المهرجانات الكبرى لكنه يبقى حدثًا أقل في الأهمية في مفاهيم صناعة السينما، لن يدفع حفل افتتاح جيد بالسينما المصرية إلى الأمام.
في السنوات الأخيرة أصبحت هناك مشكلة واضحة في الحصول على فيلم مصري يُشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة، بينما تشارك الأفلام المصرية في مهرجانات أخرى لسبب أو لآخر، من هذه الأسباب أن المهرجانات الأخرى تمنح جوائز مالية للفائزين في مسابقاتها وهو أمر من الطبيعي أن يسعى إليه أي صانع فيلم حتى يستطيع أن يُنجز فيلمًا جديدًا، هكذا جاءت المسابقة الرسمية للعام الحالي دون أية أفلام مصرية.
نرى أن عدم مشاركة فيلم مصري في المسابقة أفضل من مشاركة فيلم ضعيف، لكن في المقابل يتعامل البعض مع الحالتين بكونهما أزمة، فمشاركة ”البر التاني“ في العام الماضي قوبلت بهجوم شديد نظرًا لتواضع مستوى الفيلم، وغياب الفيلم المصري هذا العام قوبل أيضًا بهجوم شديد، بينما اهتم القليلون جدًا بتغطية الأفلام المصرية القصيرة المشاركة في مسابقة سينما الغد، وبالوصول إلى ”سينما الغد“ يجب الحديث عن المسابقات الثلاث الموازية للمسابقة الرسمية.
كامل العدد
البرامج أو المسابقات الموازية هي "أسبوع النقاد" للأعمال الأولى والثانية لمخرجيها، و"سينما الغد" للأفلام القصيرة، و"آفاق السينما العربية".
هذه البرامج بدأت منذ الدورة 36 للمهرجان التي أدارها الراحل الكبير سمير فريد، وعلى الرغم من التغييرات التي حدثت في مديريها للدورة الأخيرة، إلا أنه لا يمكن إغفال الإقبال الجماهيري الملحوظ على عروض هذه البرامج، في قاعات الأوبرا تحديدًا، إذ رفعت عدة عروض لافتة كامل العدد، وبينما تنقصنا الأرقام الدقيقة، لكن من النظرة المبدأية يمكن القول أن هذه العروض شهدت إقبالًا ينافس أو يفوق الإقبال على بقية البرامج الأخرى بما فيها المسابقة الرسمية.
هذه البرامج أيضًا شهدت انضباطًا أكبر، مع المسابقة الرسمية، في ما يخص مواعيد العرض وانتظام الجدول، إذ لم يحدث فيها أي تغييرات مفاجئة.
إن كان هناك ما يستحق الدراسة والتحليل بعد هذه الدورة، فهو هذا الإقبال الجماهيري على هذه العروض، فهل السبب هو المستوى الفني للأفلام، أم الدعاية الجيدة لعدد من الأفلام المعروضة خلالها، أم ثقة الجمهور في اختيارات القائمين عليها؟
إن كان المهرجان يُقيم بالسجادة الحمراء، فتقدير المهرجان متروك لمن شاهدوا حفلي الافتتاح والختام واكتفوا بهما، ومنهم من رأى أن المهرجان على الطريق الصحيح بالفعل، أما في حالة التقييم بمستوى الأفلام المعروضة، فهذه الدورة من المهرجان احتوت على الكثير من الأفلام والفعاليات الجيدة التي تستحق التقدير، لكنها احتوت أيضًا على عدد من النقائص خاصة إذا ما قورنت بالدورة السابقة لها، هذه النقائص لا يمكن تجاوزها، ومن غير المطلوب تجاوزها في الواقع، بل تحليلها لمعالجتها في ما هو قادم، حتى يتحسن مهرجان القاهرة السينمائي الدولي بشكل حقيقي في كل دورة.
اقرأ أيضًا:
فيلم Thor: Ragnarok.. على خطى حراس المجرة
اغتنم أي فرصة لمشاهدة هذه الأفلام.. لو فاتتك في "القاهرة السينمائي 39"