في حوارنا معه قبل حفل ختام مهرجان الجونة السينمائي بيومين فقط، رفض المخرج تامر عشري، توقع فرص فوز فيلمه "فوتوكوبي" بجوائز، تاركًا القرار إلى تقدير لجنة التحكيم. فقد اعتبر أن مشاركة عمله الروائي الطويل الأول في مسابقة قوية تضم أفلام من مختلف دول العالم، أمرًا مشرفا، كما أن حضور عدد كبير من الفنانين والجمهور خلال العرض الأول يعد تكريمًا في حد ذاته.
ضمت مسابقة الأفلام الروائية الطويلة 15 فيلمًا من مختلف دول العالم، من بينها 4 أفلام عربية وهي "قضية رقم 23"، و"شيخ جاكسون"، و"فوتوكوبي"، و"وليلي". واقتنص "فوتوكوبي" جائزة أفضل روائي طويل عربي، التي تتضمن نجمة الجونة، إلى جانب شهادة و20 ألف دولار أمريكي.
صحيح أن البعض فوجئ بحصوله على الجائزة، لكن رأى آخرون أنه فيلم مميز، وبسيط، يقدم شخصياته بطريقة سلسة بعيدة عن التفلسف، دون تضخيم للأحداث، أو إقحام صراعات لن تفيد من الناحية الدرامية.
اكتسب الفيلم شهرة قبل مشاركته في المهرجان، وبالتحديد منذ طرح الإعلانات الدعائية، التي تضمنت اسمين من نجوم الصف الأول في مصر وهما محمود حميدة وشيرين رضا، واسمين غير معروفين على نطاق واسع، لكن لديهما رصيد فني يستحق المشاهدة، وهما المؤلف هيثم دبور، والمخرج تامر عشري.
وكما أجرينا حوار مع المؤلف، حان وقت التعرف على المخرج الذي سبق وقدم عدد من التجارب الفنية أسهمت في تكوين رؤيته كمخرج.
يقول تامر عشري: "قبل أن أصبح مخرجًا لفيلم (فوتوكوبي)، خضت عدد من التجارب المرتبطة بصناعة الفيلم بشكل عام؛ بداية من مرحلة كتابة السيناريو لأفلام تسجيلية عملت بها أيضا كمصور، ومونتير، ومخرج، ثم الانتقال إلى مجال الإعلانات، كمساعد مخرج، ومنتج، وأخيرًا مساعد منتج في فيلم (نوارة)... كل هذه الخبرات ساعدتني في إدراك كل ما هو متعلق بالسينما وإدارة العمل".
وفي السطور التالية، يكشف المخرج عن كواليس صناعة فيلمه الأول، وكيف تمكن من إدارة فريق عمل كبير، كما يتحدث عن المخرجين الذين أثروا فيه.
كيف جاءت فكرة العمل على "فوتوكوبي" والتعاون بينك وبين الكاتب هيثم دبور؟
أعرف هيثم دبور منذ عدة سنوات، وتعاونا معًا في عدد من الأفلام التسجيلية. فهو يعرفني جيدًا، ويعلم اهتمامي بالأفلام المعنية بالشخصيات، وتفاصيلها، ولهذا عرض علي سيناريو فيلم "فوتوكوبي". إذ أرسل لي المعالجة في عام 2014، وبعدما قرأتها هاتفته على الفور، وطلبت منه أن يكون ذلك أول أفلامي الروائية الطويلة لإعجابي الشديد بالشخصيات.
هل وجدت صعوبة في اختيار الممثلين المشاركين في الفيلم؟
مرحلة اختيار الممثلين تتسم بالصعوبة والتغيرات المستمرة بشكل عام، ولكن على سبيل المثال، لم أجد أي صعوبة في مشاركة الفنان محمود حميدة بالفيلم، رغم عدم توقعي أنه سيوافق سريعًا. فقد حدثني هاتفيًا بعد مرور يومين فقط على إرسال السيناريو، وبالفعل جلسنا وتناقشنا في عدة أمور، وأبلغني حينها موافقته على تجسيد دور البطولة.
كان لدي بعض التخوفات المتعلقة بدور "صفية" نظرًا لحساسية الشخصية، وكثرة تفاصيلها بصرف النظر عن تقدمها في العمر، إلى جانب أن هناك عدد من الفنانات يرفضن تقديم هذه النوعية من الأدوار. كان لدينا عدد من الترشيحات، وذهب الدور إلى الفنانة شيرين رضا، التي كان بمثابة مفاجأة كبيرة بالنسبة لي، لأنها تقبلت الدور بشجا، ولم ينتابها أي شعور بالقلق حيال طبيعة الشخصية وملامحها، بل على العكس أضافت المزيد من التفاصيل حتى خرج بهذه المساحة والشكل.
الحقيقة، أنني سعيد بجميع الممثلين المشاركين في الفيلم، وأشعر أنني محظوظ بهم جميعا من أكبر دور حتى أصغر دور، لا أظن أن هناك أفضل من هذه الاختيارات.
كيف تمكنت من توجيه ممثلين لديهم خبرات سابقة، وبعضهم من نجوم الصف الأول؟
إدارة الممثل ليس بالأمر الهين، لكن تحضيرات ما قبل التصوير، والجلسات المنفصلة مع طاقم العمل تساعد على تقارب وجهات النظر، وبالتالي تسهل إدارة موقع التصوير. حرصت منذ البداية على إجراء مقابلات عديدة، ليس فقط مع الممثلين، ولكن أيضًا مع مصممة الملابس ناهد نصرالله، ومدير التصوير محمد عبد الرؤوف، ومهندس الديكور علي حسام علي، والمسؤولين عن الماكير وتصفيف الشعر.
ذكرت أن هناك تفاصيل أضيفت على شخصية "صفية"، كيف تطورت الشخصية من مرحلة السيناريو حتى ظهورها على الشاشة؟
من الصعب تحديد الإضافات التي زودها كل شخص منا، خاصة وأن هيثم كاتب شاطر جدا في رسم أبعاد وتركيبات الشخصيات، وكان ذلك واضح منذ قراءة السيناريو. ما أضفته أنا بالتعاون مع شيرين رضا متعلق أكثر بمظهر الشخصية، وطريقة كلامها، ومشيتها، وتعبيرات وجهها. وفي الحقيقة فاجئني أداء شيرين للدور، وأشعر أنه لا يزال لديها مساحات تمثيلية عظيمة جدا لم تكتشف بعد.
كما أن مصممة الملابس ناهد نصرالله، وضعت لمستها المميزة وأضافت الكثير على تفاصيل كل شخصية من شخصيات الفيلم. فقد تعاونت معها عندما كنت مساعد مخرج، وتواجدها في "فوتوكوبي" كان شيئًا مهما وإضافة كبيرة بالنسبة لي، لأنها تهتم بالجانب الدرامي للشخصية، وتدرس خلفياتها الثقافية والاجتماعية، ثم على هذا الأساس تختار المظهر الخارجي.
إذا تحدثنا عن الفكرة العامة للفيلم، هل تطور الحياة ممكن أن يحول نوعية معينة من البشر إلى ديناصورات معرضة للانقراض؟
في رائي أن أي شيء جديد يظهر يتبعه اختفاء شيء آخر في المقابل. حاولت توصيل هذا الصراع الدائر بين ما كل ما هو قديم وحديث من خلال الفيلم، ويظهر هذا على سبيل المثال في شكل العمارات، التي تغير شكلها تمامًا مع الزمن. فعلى الرغم من أن التطور أمر جيد، إلا أنه يعد بمثابة تشوه، وعشوائية في بعض الأحيان، ويجعلنا نفتقد أشياء مثل الشكل المعماري القديم.
هذه العشوائية انتقلت إلينا بطبيعة الحال، وبالتالي أصبحت شخصياتنا مشوهة... وهذا السبب الرئيسي الذي يدفع "محمود" بطل الفيلم، إلى التمسك بالماضي، فالأمر ليس قاصرًا على عدم القدرة على مواكبة الجديد، وإنما لشعوره بأن هناك أشياء جميلة عليه ألا يخسرها، واعتقاده بأنه إذا خطى خطوات إلى الأمام سيصبح مشوهًا ومكررًا.
من ناحية أخرى، "محمود" يشعر أنه مُعرض للانقراض لأنه وحيد، فهو لم يتزوج، ولم يقع في الحب. وعندما تحركت مشاعره، رغب في التطور والاستمرار في الحياة.
من المخرج الذي تشعر أنه أثر فيك بشكل كبير؟
من خارج مصر، أحب المخرج الإيراني أصغر فرهادي، وأتابع أفلامه بشغف، واهتمام كبير، واعتبره من أهم المخرجين المتواجدين على الساحة السينمائية العالمية في الوقت الحالي. وذلك لأنه مهتم بالشخصيات، وتفاصيلها، وتركيباتها، كما أنه يقدم قصص اجتماعية قوية ومؤثرة. بالإضافة إلى أنه يمتلك أسلوب سردي يجذب انتباه المشاهد، ويدفعه إلى الجلوس على طرف المقعد حتى اللحظات الأخيرة.
على مستوى مصر، تأثرت بعدد كبير من المخرجين، وعملت مساعد مخرج مع مجموعة من الأساتذة منهم مروان حامد في فيلم "الفيل الأزرق"، وأحمد علاء، وأحمد نادر جلال في مواد إعلانية. وبالتالي، أشعر أنني تعلمت من مدارس مختلفة، وهذا أفادني في تجاربي الخاصة.
بعد مشاهدة الفيلم، البعض شعر بأن هناك تأثر بأسلوب المخرج الراحل محمد خان، ما تعليقك؟
أحدهم قال لي هذا التعليق، مبدئيا هذا شرف لي، ولكني متأثر بمخرجين كثيرين من هذا الجيل، منهم عاطف الطيب، وعلى بدرخان، وغيرهم من الأساتذة. فأفلامهم أثرت فينا جميعًا وما زالنا نشاهدها حتى يومنا هذا، رغم أن الإمكانيات لم تكن متوفرة كما هو الحال الآن. ولقد نجحوا في ترك تاريخ سينمائي كبير، يدفع أي شخص إلى التأثر.
في عمل يعتمد بشكل أساسي على الشخصيات، من تشعر أنك أعدت اكتشافه من بين هؤلاء الممثلين؟
إعادة اكتشاف كلمة كبيرة، ولكن "أحمد داش" هو الممثل الذي فاجئني أدائه. صحيح أنه قدم أدوار عظيمة في عدد من الأفلام، ولكن لم أتخيل أنه سيجسد دور حارس العقار "عبد العزيز" بهذه البراعة. وفي المجمل، جميع الممثلين المشاركين في الفيلم قدموا أدوارهم بإتقان شديد.