شيخ وجاكسون.. الأصفر أجمل الألوان

تاريخ النشر: الجمعة، 29 سبتمبر، 2017 | آخر تحديث: الجمعة، 29 سبتمبر، 2017
فيلم شيخ جاكسون

السينما لغة التعبير بالصورة، وكلما نجح المخرج في التعبير بالصورة والألوان على الشاشة دون الحاجة للشرح بالحوار، كلما ازدادت متعة المشاهدة، بل ربما تلتصق الألوان ودلالاتها في ذهن المشاهد بعد خروجه من الفيلم بأكثر مما يفعل الحوار.

في إطار المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة لمهرجان الجونة، عُرض فيلم "شيخ جاكسون" للمخرج عمرو سلامة الذي شارك أيضًا في كتابة السيناريو مع عمر خالد.

عمرو سلامة أحد المخرجين الذين لفتوا الأنظار لهم سريعًا منذ أول أفلامه "زي النهاردة" الذي بشّر بميلاد مخرج لديه رغبة في استخدام تقنيات مختلفة. منذ ذلك الحين قدم سلامة 3 أفلام روائية طويلة، إلى أن وصل إلى ”شيخ جاكسون“. المتابع لأعمال عمرو سلامة، يستطيع بسهولة ملاحظة عشقه للتعبير بالألوان تحديدًا، خاصة إذا احتوت معظم أعماله على أكثر من خط زمني للسرد، كان يلجأ دائمًا للفصل اللوني بين الأزمنة المختلفة.

وعندما لم يحتو السيناريو على هذه الخطوط في فيلم "صُنع في مصر"، أطلق الأوان في كل تفاصيل الفيلم وحرص على صناعة صورة ذات ألوان زاهية ولافتة، ظهرت في الملابس والديكورات وتكوينات الكادرات للاستفادة، وكأننا نشاهد أحد أفلام التحريك لديزني.

في "شيخ جاكسون" يواصل عمرو سلامة اهتمامه بالألوان، يصاحبه مدير التصوير المتميز أحمد بشاري، ولكن تُستخدم بشكل أكثر عمقًا هذه المرة إذ تنعكس الألوان بشكل قوي على نفسية البطل.


الأزرق.. لون الأزمة

تدور قصة شيخ جاكسون حول الشاب المتدين خالد (أحمد الفيشاوي) تبدأ أزمته عندما يفقد قدرته على البكاء أثناء الصلاة بعد سماعه لخبر وفاة المغني الأمريكي الشهير مايكل جاكسون، يبدأ في البحث داخل ذاكرته للوصول إلى سبب عدم قدرته على استدعاء دموعه وقت الصلاة، وهكذا نبدأ في التنقل بين مراحله العمرية المختلفة.

الأزمة ربما تبدو ساذجة وليست على صلة قويلة بالمشاهد للوهلة الأولى، لكن سريعًا ينتقل السيناريو ليحول هذه الأزمة من حالة شخصية إلى حالة عامة تمس أي شخص.

تبدأ أحداث الفيلم بمشهد لكابوس يراه خالد لجنازته ينتهي بإهالة التراب على جثته داخل الأرض. يؤسس هذا المشهد للكثير من تفاصيل هذا الخط، إذ يبدأ بلون السماء الأزرق طاغيًا على الصورة، كما نشاهد عدة لقطات من منظور عين الطائر، في إشارة إلى الأزمة الروحية التي ستواجه البطل.

يلعب دور خالد في مرحلة الشباب أحمد الفيشاوي، بعدما أصبح شيخًا أقرب للشكل السلفي. الأزرق في هذه المرحلة يظهر في كل شيء، من ديكورات المنزل، وملابس الزوجة عائشة (أمينة خليل) داخل البيت إلى الأضاءة وحتى لون سيارته، الأزرق لون بارد، كما هي حياة جاكسون في هذه المرحلة حتى لو كان يحاول جاهدًا أن يجعل حياته تسير بشكل يبدو جيدًا، هكذا يتعثر مسار هذه الحياة مع أول صدمة حقيقية تُظهر له كم هو هش من الداخل، وهي صدمة موت جاسكون.

من هذا المنطلق تحولت الأزمة الشخصية إلى أزمة عامة، إذ يمكن للكثيرين رؤية أنفسهم من خلال هذه الشخصية، الحياة التي تبدو كاملة لكن في الحقيقة ينقصها شيء هام غير محدد، لكنه يظهر على السطح مع أزمة بسيطة، إذن فالأمر لا يتعلق بالدموع أو موت جاكسون، لكنها مسألة إعادة اكتشاف الذات.

في هذه المرحلة يقدم الفيشاوي أداءً شديد التميز، يقدم الشخصية كما لم نشاهدها، يساعده في هذا السيناريو المكتوب بشكل جيد، إذ نشاهد للمرة الأولى ربما، شخصًا متشددًا دينيًا لكنه غير قاسٍ أو جاف مع زوجته أو مع من حوله، بل يتعامل برفق، في محاولة للخروج عن الشكل المعتاد تقديمه في السينما.

أهم ما ميز أداء الفيشاوي هو الإتقان في ما يخص الأمور التي يجب أن يجيدها شيخ مثله، فهو يرتّل القرآن بشكل سليم، وعندما يبكي في الصلاة لم نلمح افتعالًا في أدائه بل هو يفعل هذا لأن الشخصية تبكي من الأساس بصدق وليس بافتعال.

من أفضل مشاهد هذا الخط، وربما الفيلم عمومًا، كيفية إظهار خيالات الشيخ ومشاهدته لمايكل جاكسون يدخل إليه أثناء الصلاة ويبدأ في ممارسة رقصه، وهو المشهد الذي جعل ما في داخل الشيخ يلتقي مع محيطه الخارجي للمرة الأولى.

لكن حتى نُدرك سر أزمة الشخصية، وسبب ارتباطه الشديد بمايكل جاكسون كان يجب البحث داخل جذور الشخصية، وهكذا ظهر اللون الأصفر.

أصفر.. لون الخيال

في لقطات فلاش باك، نعود إلى ماضي خالد، يربط السيناريو بين مغني البوب الشهير، وأحداث متفرقة في حياة خالد مراهقًا (أحمد مالك)، إذ تتفتح قصة إعجابه ثم حبه لشيرين (سلمى أبو ضيف) من خلال إعجابهما المشترك بمايكل جاكسون، وعلى الجانب الآخر يمثل هذا الأخير نوعًا من التمرد على سلطة الأب (ماجد الكدواني) الذي يحاول منع ابنه بكل الطرق من الاستماع ثم تقليد مايكل جاكسون لأنه، في نظره، مخنث وهو ما يتعارض مع رؤيته لمفهوم الشخصية والرجولة، إذ يرى الرجولة تتلخص في العلاقات النسائية والعضلات.

مثلما يطغى الأزرق على خط خالد شابًا، يسيطر الأصفر على مرحلة الطفولة والمراهقة، ليفصل بين الطموح والخيال في هذه المرحلة، وبين البرود المسيطر على المرحلة السابقة.

في لقطات سريعة ومتفرقة، يبني الفيلم ببراعة نشأة العلاقة بين خالد وجاكسون، مرة من خلال أغنية في التلفاز، ثم من موسيقى تُعزف في حصة الموسيقى في المدرسة، وهكذا كان هناك أكثر من حل لتكون أغنيات مايكل جاسكون ورقصاته جزءًا من نسيج حياة خالد.

يبرز في هذا الفصل الخط الأفضل كتابة الخاص بالأب، هو نفسه الأب القاسي الذي يمكن أن نشاهده في أفلام أخرى، لكن تفاصيل الشخصية هنا أكثر ثراءً من المعتاد، مثلًا هو لا يهتم بالبناء الجسماني القوي لابنه فقط بل يمتلك صالة كمال أجسام، مما يجعل هذه الاهتمام مبررًا، وعشقه للنساء لا يخجل من الجهر به أمام ابنه، في أكثر من مشهد، وعندما يحدث له نقطة تحول فهي نقطة منطقية وتكفي لتحول شخص مثله.

هكذا جاءت المشاهد بين الأب والابن من أمتع مشاهد الفيلم، أو لنقل بين الكدواني ومالك، كلاهما قدم أداءً رفيع المستوى، لا يُمل من مشاهدته، ولا يمكن أن نلمح شبهة التكرار في الأداء في المشاهد التي تجمعهما معًا، في كل مرة الانفعالات مناسبة للحدث، لكن دون نسيان تفاصيل الشخصية.

الكدواني يُدرك أنه مدرب كمال أجسام حتى في وقفته صامتًا، ومالك يأخذ شخصية خالد على مهلٍ من براءة الطفولة إلى النضج والتحول.

رمادي.. يحتاج إلى نظرة أخرى

ليس المقصود بالرمادي هو تواجد اللون داخل الفيلم، لكن هي بعض التفاصيل التي لم تكن بنفس قوة ووضوح ما سبق.

يجب توضيح أنه يمكن الخروج بعدة مآخذ على الفيلم بعد انتهائه، لكن من الصعب جدًا عدم الاستمتاع بالتجربة في الوقت نفسه، وهو أمر يصعب الوصول إليه عادة، تحقيق المتعة السينمائية رغم وجود ثغرات.

كان السيناريو شديد التميز في انتقاله ببساطة بين زمن الأحداث، وبين الفلاش باك الذي يتعرض لخالد طفلًا ومراهقًا، صانعًا إيقاعًا جذابًا، إذ ينتظر المشاهد ما سيحدث بالنسبة لكل منهما على حدة مما ضاعف من حالة التشويق في الفيلم. لكن في المقابل كان هناك إصرار على توصيل فكرة الفيلم من خلال أكثر من رمز، بجانب الحوار أيضًا بشكل أثقل على كاهل الفيلم، من الصناديق التي تحتوي على ”كراكيب“ خالد في منزله الجديد التي لا يريد فتحها، إلى الخاتم الخاص بالحسنات والسيئات، بجانب الحوار المستمر مع الطبيبة النفسية (بسمه) لشرح داخليات نفسه، بينما كان المشهد الذي يدخل فيه خالد إلى القبر ليجد نفسه داخل كليبات مايكل جاكسون كفيلًا باختصار هذا الحوار.

يمتد اللون الرمادي أيضًا إلى الأداء التمثيلي الذي، كما ذكرنا، تفوق فيه الممثلين بشكل يصعب معه إعطاء أحدهم لقب الأفضل، بل كانوا يتنفاسون بشكل جعل كل لقاء بينهم ممتعًا، لكن في المقابل كانت الأدوار النسائية أقل حضورًا.

يمكن إلقاء جزء من المسؤولية بالطبع على السيناريو، بناء الشخصيات النسائية، باستثناء وحيد نذكره لاحقًا، كان الأضعف، يتضح هذا بقوة في شخصية الزوجة عائشة التي ظهرت بشكل مثالي أكثر من اللازم، مستسلمة لكل ما يريده أو يفعله زوجها حتى لو كان غريبًا. ثم جاء الأداء ليزيد من صعوبة تقبل الأمر.

تظهر درّة في مشاهد قليلة في دور الأم، مثالية أيضًا، وتترك تأثيرها الكبير جدًا على شخصية خالد لاحقًا، لكن في الحقيقة يظهر لنا هذا التأثير من خلال أداء أحمد مالك وليس من خلال درّة.

الاستثناء الوحيد، من الممثلات، جاء من سلمى أبو ضيف في دور شيرين حبيبة خالد في مرحلة المراهقة، بالإضافة لملامحها المناسبة لهذه المرحلة السنية، كان حضورها يليق بالشخصية.

وصولًا إلى هذا الفصل من الفيلم، فإن أجواء المدرسة والحفلات أيضًا تندرج تحت اللون الرمادي، من المفترض أن هذه المرحلة تدور في منتصف التسعينيات تقريبًا لكن الأجواء وحتى ملابس شيرين أقرب للشكل الحالي.

يمكن أن نُدرج تحت اللون الرمادي في فيلم ”شيخ جاكسون“ عدة عناصر، لكن بالرغم هذا يظل الفيلم تجربة مميزة ومختلفة، وإضافة قوية لمسيرة مخرج أصبح من الواضح أنه ينضج ويتطور.


اقرأ أيضا

صبا مبارك لـ "في الفن": هذا رأيي في فيلم "شيخ جاكسون"

بالفيديو- شاهد أغنية ياسمين رئيس من فيلم "شيخ جاكسون"..هذا ما قالته عنها