"نحبك هادي".. عندما تنتقل الثورة إلى حياتنا

تاريخ النشر: الأربعاء، 10 مايو، 2017 | آخر تحديث:
نحبك هادي

يقول المخرج الأسباني بيدرو ألمادوفار: "لا أريد تقليد الحياة في أفلامي، ولكن أريد تجسيدها، وهذا يعني استخدام الألوان التي تشعر بها، أحيانا تكون ألوان وهمية ولكنها دائما تعبر عن مشاعر حقيقية".

واحدة من أهم سمات الأفلام ذات الطابع الاجتماعي هي تقديم شخصيات حقيقية يمكن من خلالها أن ترى نفسك أو المحيطين بك على الشاشة، وهذا ما يميز فيلم "نحبك هادي" للمخرج التونسي محمد بن عطية الذي افتتح مهرجان أيام القاهرة السينمائية في دورته الأولى بسينما زاوية. فالفيلم الذي يعد أول فيلم روائي طويل لمخرجه يجعلك أمام مجموعة من الشخصيات التي تعيش داخل مجتمعاتنا العربية، يعرض تفاصيل حياتهم بصدق دون اللجوء لأي مبالغات أو تهويل في الأحداث.

الفيلم كما يظهر من عنوانه تدور أحداثه حول "هادي" يجسده الممثل مجد مستورة، الشاب البالغ من العمر 25 عامًا، والذي تنطبق عليه مقولة "لكل إنسان من اسمه نصيب"؛ فهو هادئ الطباع يعيش حياة تقليدية لا يشارك برأيه فيها كثيرًا بل يترك الآخرين يقررون عنه دون اعتراض، وتحديدًا والدته التي تسيطر على زمام الأمور وتقوده وفقا لما تراه مناسبًا له منذ وفاة والده. يكشف لنا بن عطية الكثير عن علاقتهما في المشاهد الأولى عندما تذهب معه كي تخطب له، فهي تتحدث بالنيابة عنه وعن حياته وحتى عن هوايته للرسم بينما يجلس هو بجانبها مستحي يكتفي بالنظرات والابتسام لعروسته.

يصحبنا المخرج إلى طبيعة حياة هادي وتفاصيلها بعيدًا عن المنزل والتي لا تختلف كثيرًا من حيث السلبية والاستسلام، فنعرف أنه يعمل مندوب مبيعات لإحدى شركات السيارات، وهي الوظيفة التي يلتحق بها معظم حديثي التخرج لكن تشعر أنها لا تلاءم صفاته الهادئة البعيدة كل البعد عن اللباقة والحيل الذكية للتسويق والاعتماد على الحجة في الإقناع. حتى علاقته بخطيبته ومقابلاتهما تتم في خلسة داخل سيارته بعيدًا عن الأهل ويتخللها الحديث عن تفاصيل حياتهما اليومية البسيطة ومشاكلهما.

يتغير هذا الركود عندما يلتقي "هادي" في إحدى رحلات عمله بفتاة منطلقة ومرحة تدعى "ريم" تقترب من بلوغ الثلاثين عامًا وتعمل ضمن فرقة استعراضية تقدم عروض للسياح داخل الفنادق. يتعلق بها وبعالمها المختلف تمامًا عن حياته وتبدأ مرحلة التغيير في حياته عندما يدخل معها في علاقة ويرفض العودة إلى حالة الاستسلام والقبول بكل شيء.

يربط بن عطية فيلمه بالثورة التونسية بصور مباشرة وغير مباشرة، ولكن بأسلوب عذب ودون إقحام لجمل أو عبارات، فالحديث عن الثورة لا يأتي إلا في مشهد يصف فيه "هادي" شعوره عقب إعلان نجاحها وبالتحديد أول ثلاثة أيام التي أحس فيها أنه يحب الجميع ويتوقع الأفضل ولكن عاد كل شيء كما كان، وهناك أيضًا حديث ريم عن تدهور السياحة وتراجعها واضطرارها للسفر مع الفرقة في أي مكان ودون خطة كي تتمكن من العيش.

ولكن الحالة العامة للفيلم مرتبطة بالثورة، فحياة "هادي" كانت تحتاج إلى الثورة المتمثلة في "ريم"، التي تعيش دون خطة واضحة تتنقل محاولة البحث عن الأفضل، لكنه في النهاية قرر أن يتركها ترحل وتسافر وحدها لأنه لن يتمكن من العيش بهذه الطريقة المخالفة لما نشأ عليه. فأصبح القرار الأخير يمثل ثورة تصحيح المسار؛ فهو من قرر هذه المرة دون أن يتبع أحد ربما لأنه أيضًا لم يحبها كما تخيل بل كانت هي ما يحتاج إليه كي يتغير.

الفيلم التونسي "نحبك هادى" انتاج درّة بو شوشة الفراتي، وحاصل على عدد من الجوائز فى المهرجانات العالمية؛ أهمها جائزتين من مهرجان برلين فى دورته الأخيرة كأفضل عمل أول لمخرج الفيلم محمد بن عطية، وجائزة أفضل ممثل لبطل الفيلم مجد مستورة.

اقرأ أيضًا:
فيلم "نحبك هادي" يفتتح مهرجان أيام القاهرة بسينما زاوية

بالصور.. انطلاق فعاليات أيام القاهرة السينمائية بسينما زاوية