في دورته الماضية اختار مهرجان دبي السينمائي الدولي فيلم "غرفة Room" ليكون فيلم الافتتاح، فلا يمر شهران بعدها إلا وقد نالت بطلته بري لارسون أوسكار أحسن ممثلة.
هذا العام يبدو الأمر قابلاً للتكرار، فإذا كان هناك عنصر وحيد يمكن القطع بجودته في فيلم افتتاح الدورة الثالثة عشر من دبي السينمائي "الآنسة سلون" Miss Sloane للمخرج جون مادن، سيكون هو أداء جيسيكا شاستين.
شاستين تجسد دور الآنسة إليزابيث سلون خبيرة جماعات الضغط التي تعمل في وكالات هدفها تحريك السياسات، ودفع أو منع تصويت أعضاء الكونجرس الأمريكي لأحد القوانين، فنراها في البداية تنجح في إيقاف قانون يتعلق بجمارك واردات زيت النخيل من إندونيسيا، قبل أن تنتقل للملف الأهم والرئيسي في الفيلم: مشروع قانون بفرض قيود على بيع السلاح.
دراما شخصية رغم القضايا
ظاهرياً السلاح هو الموضوع الرئيسي، لكن حقيقة الأمر أنه مجرد أداة سردية أو ماك جوفين Mac guffin حسب تعبير هيتشكوك الذي شرحناه في مقالات سابقة. مجرد إطار يتم توظيفه من أجل تحريك الأهم وهو دراما تلك الشخصية المهووسة بالسيطرة والنجاح، سلون التي تؤمن بأن عملها يقوم على توقع خطوات الخصوم وإعداد كروت الرد التي لا تخرجها إلا عندما يبدأ الطرف الآخر في خطوته.
سلون لا تحمل الكثير من الاحترام للقانون كما يظهر من الملف الإندونيسي في البداية. هدفها هو تحقيق المطلوب بأي وسيلة ممكنة وإن كانت غير مشروعة. لكنها في الوقت ذاته تمتلك قدراً من الأخلاق ـ أو لنقل الدوافع الشخصية ـ التي تجعلها ترفض عرضاً مغرياً بالترويج لمؤيدي حمل السلاح، بل تترك عملها وتنتقل لشركة أصغر تعمل على الجانب الآخر في تمرير قانون قيود السلاح، من أجل البحث عن أضخم انتصار في مسيرتها المهنية، حتى لو كان الثمن هو التضحية بالمسيرة نفسها!
في العبارة السابقة تناقض واضح لا يمكن فك خيوطه إلا بمشاهدة الفيلم الذي كتب السيناريو الخاص به البريطاني جوناثان بيريرا في عمله الأول، والذي نلمح فيه تأثر واضح بأعمال الكاتب الشهير آرون سوركين (بضعة رجال جيدين A Few Good Men، الرئيس الأمريكي The American President) بمشاهد المواجهات الحوارية ـ في المحاكم خصوصاً ـ والتي تتشكل خلالها ملامح شخصيات الحكاية.
بالتقاطع بين مشهد التحقيق مع سلون لمخالفتها القانون، والرجوع للماضي لفهم ما أوصلها لهذه النقطة، يعتمد نص بيريرا على الحوار السريع والذكي (أو لنقل الذي يمنحه أداء شاستين ذكاءً، فحوار باقي الشخصيات لا يبدو بقدر الجاذبية ذاته)، مع الانقلابات الدرامية المتتالية التي تغير في كل مرة موازين القوى، مع التأكيد على أن الأهم هنا ليس عنصر المفاجأة؛ لأن الفيلم يزرع مع توالي الأحداث احتمالاً دائماً بأن تكون سلون هي المسؤولة عن أي حدث. الأهم هو كيفية استخدام هذه الانقلابات في إغلاق الدائرة التي تأسس أبعاد شخصية سلون في البداية، ثم ترسم رحلة اكتمالها وتطهرها.
عن التقاطع مع التلفزيون
للمخرج جون مادن خبرة كبيرة في الأفلام التي تقوم على مشاهد حوارية، أشهرها بالطبع فيلمه المتوج بالأوسكار "شكسبير يحب Shakespeare in Love". لكن هذه الخبرة لم تحمه في فيلمه الجديد من عقد مقارنات بدأت فور انتهاء الفيلم (عرض دبي هو العرض الدولي الأول بعد عرض دولة المنشأ في الولايات المتحدة) مع الأعمال التلفزيونية، وبالتحديد مع المسلسلات الحديثة وعلى رأسها "بيت الكروت House of Cards".
سبب المقارنة الواضح هو التشابه بين شخصيتي إليزابيث سلون وفرانسيس أندروود التي يجسدها النجم كيفن سبيسي في المسلسل المذكور، فكلاهما شخصية بلا مشاعر يحركها طموح وذكاء جامحين لا يحدهما أي إطار أخلاقي، كذا تشابه العوالم فكلا العملين يدور داخل أروقة الكابيتول هو والكونجرس ودوائر صنع القرار السياسي الأمريكي (موضوع الساعة ربما على الساحة الأمريكية).
لكن الأهم من هذه التقاطعات الظاهرية يبقى الأهم هو نوع الدراما الشيق الذي صارت المسلسلات التلفزيونية الأمريكية توفره لمشاهديها باستمرار. نوع يقصر المسافة بين الشاشات ويجعل التفكير في أن عمل مثل "الآنسة سلون" صالح بشدة للمشاهدة على شاشة منزلية، فهو في النهاية فيلم يقوم كل شيء جيد فيه على عنصري السيناريو والأداء التمثيلي، وكلاهما يظهر داخل اجتماعات ومواجهات وتحقيقات داخل غرف مغلقة.
هل يعد هذا عيباً؟ شخصياً لا أملك إجابة قاطعة عن السؤال، فمن جهة استمتعت بمشاهدة إجمالاً وبأداء جيسيكا شاستين تحديداً، ومن جهة أخرى فكرت أنه لم أكن لأخسر شيئاً إذا ما شاهت الفيلم ـ خاصة مع زمنه الذي يتجاوز 130 دقيقة ـ على شاشة التلفزيون.
قضية أظن أنها مهمة وسيزداد طرحها في سوق السينما العالمية مع استمرار تطور شبكات التلفزيون وتقنيات العرض المنزلي، يمكن أن نلحقها بالفيلم لنقول أن فيلم افتتاح مهرجان دبي السينمائي الثالث عشر جاء جيداً ومحركاً لأسئلة سواء في محتواه أو نوعه أو ظروف مشاهدته.
اقرأ أيضا
لحظة وصول الفنانين على السجادة الحمراء في مهرجان دبي السينمائي الدولي
صورة- تكريم الممثلة الهندية ريخا في افتتاح مهرجان دبي السينمائي