أمل مجدي

القاهرة السينمائي38- فيلم Toni Erdmann..كوميديا ألمانية تحمل الكثير من المشاعر الإنسانية

تاريخ النشر: الخميس، 17 نوفمبر، 2016 | آخر تحديث:

Toni Erdmann

حينما نكبر نتخذ عهدَا على أنفسنا ألا نتحول إلى نسخ مكررة من آبائنا، نحاول إخفاء أخفقاتنا والتظاهر بأن الوضع على ما يرام وأن الحياة تسير بصورة مذهلة، وفي الوقت نفسه، يبذل الآباء محاولات كثيرة لاقتحام عالمنا من جديد ليجدوا لأنفسهم مكان مثلما كان الحال في الماضي.

هذه المعادلة الصعبة هي محور الصراع الذي ارتكز عليه فيلم Toni Erdman للمخرجة والمنتجة الألمانية مارين آدي، فيقدم علاقة مرتبكة بين أب وابنته في إطار إنساني يحمل الكثير من الكوميديا غير التقليدية، ويقتحم واقع الحياة النمطي المُوحِش بصورة عشوائية مبهجة تتشابه تمامًا مع شخصية بطله "وينفريد كونرادي / توني ايردمان".

"وينفريد كونرادي"، الذي جسده الممثل النمساوي بيتر سيمونيشيك، شخصية مليئة بالتفاصيل والأبعاد النفسية، رسمت ملامحها مارين آدي بناءً على تجربة شخصية لها مع والدها، الذي اعتاد على ارتداء أسنان مزيفة لينتزع ضحكات الآخرين، وأيضًا تأثرها بالممثل الكوميدي أندي كوفمان، المعروف بأنه صانع ضحك لا يُضحك أحداً.

لكن "وينفرد/إيردمان" لديه أكثر من هذا فهو رجل يعيش وحيدًا ويستمتع بالتنكر في صور شخصيات أخرى، يخلق لها تفاصيل سريالية ولا يعبأ بمدى مصداقيتها، فعلى سبيل المثال: عندما يلتقي سيدة في حفل يقول لها أنه السفير الألماني وبالرغم من أن السيدة يبدو عليها علامات عدم الاقتناع إلا أنه يستمر في مزحته ويذهب إلي منزلها ليشاركها هى وعائلتها في احتفالات عيد الفصح.

فيما تختلف ابنته "إينيس" عنه تمامًا، بل أنها الصورة المناقضة منه، فهي امرأة جادة ومتحفظة، ترتدي في أغلب الأحيان بذل رسمية وتعمل كمستشارة لرجال الأعمال وتتنقل بين البلدان المختلفة، الكلمات تخرج منها بحساب وأسلوب حياتها يبتعد تمامًا عن عشوائية والدها. يومها مشغول بمواعيد كثيرة خاصة بالعمل ولكنه يبدو فارغًا أيضًا من أي متعة حقيقية. فحين يسألها والدها هل هي سعيدة في حياتها، ترد عليه "السعادة كلمة كبيرة".

لعبة "توني إيردمان"

يتداخل عالم الأب "وينفريد كونرادي" مع عالم ابنته "إينيس" عندما يموت كلبه فيشعر بالوحدة تقتله ويقرر السفر إلى بوخاريست في رومانيا، لكي يزور ابنته ويقضي معها بعض الوقت. تفاجئ بوجوده في مقر عملها وتتظاهر بعدم معرفته ثم ترسل سكرتيرتها الخاصة لتلحق به. بعدها تصطحبه معها إلى حفل رسمي، لكنه يبدأ في إحراجها مع إلقاءه لمزحة أمام عميل مهم، فيقول: "لقد قررنا أن نستأجر ابنة مزيفة لتحل محل ابنتي، نظرًا لأننا لا نراها في المنزل مطلقًا، ولكن أتساءل من يجب أن يدفع لها؟".

يزداد ارتباك الابنة بسبب ظهوره في حياتها، وتحاول التخلص منه في أسرع وقت، وتعتقد أنها أرسلته إلى ألمانيا، لكنها يفاجئها بأنه مازال موجود في المدينة، عندما يظهر لها وهي بصحبة صديقاتها في إحدى المطاعم، ولكن ليس بصفته الحقيقية هذه المرة، وإنما في صورة رجل يدعى "توني إيردمان" يرتدي شعار مستعار طويل ويبدأ في تقديم نفسه إلى صديقاتها.

لا يستسلم "إيردمان" هذه المرة فهو يزلزل عالمها، ويواصل الظهور أمامها في كل مكان تذهب إليه محاولًا جذبها إلى عالمه، معتمدًا على طريقته الكوميدية التي تنجح في إطلاق الكثير من الضحكات أثناء المتابعة.

"إينيس" تشاركه اللعبة

مع الوصول إلى منتصف الفيلم، الذي تقترب مدته من ثلاث ساعات، ينخفض معدل الكوميديا قليلًا وتطغى عليه الجوانب الإنسانية، فنرى الابنة بدأت في الاستسلام لفكرة وجوده في حياتها حتى أنها تتبعه إلى حفل السيدة التي ادعى أمامها انه السفير الألماني، وهناك يتشاركان معًا في العزف والغناء.

تندمج "إينيس" في اللعبة مع حفل عيد ميلادها، عندما تتعرض لموقف طريف يجبرها على استقبال أول ضيوفها وهي عارية تمامًا. تقدم الممثلة ساندرا هولر، أداء متميز في هذا المشهد السريالي، فنشاهد الابنة وهي تقف حائرة بين ما اعتادت عليه لسنوات ورغبتها في التحرر وإتباع نهج والدها. تعلن "إينيس" أن الحفل سيكون "للعراة فقط"، وويرتفع معدل السريالية في المشهد مع ظهور الأب وهو يرتدي زي وحش غريب الأطوار، حتى أن ابنته لا تتمكن من التعرف عليه في البداية.

يظهر نوع من التطور في العلاقة بينهما، وينتهي الفيلم على مشهد يتناسب تمامًا مع شخصية كل منهما ومع ما عاشوه خلال فترة التقارب. ويتركنا في حالة من التعجب أن هذا القدر من الكوميديا جاء من سينما ألمانية، غير معروفة بقدرتها على انتزاع هذا الكم من الضحكات.

فيلم Toni Erdmann إنتاج عام 2016، وعُرض في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، في دورته الـ38، المنعقدة حاليًا وحتى يوم 24 نوفمبر، بالقسم الرسمي خارج المسابقة. كما أن الفيلم عرض بمهرجان كان السينمائي الدولي، ضمن المسابقة الرسمية بالدورة الـ69، ونال إشادات نقدية واسعة لكنه لم يحصل على جائزة السعفة الذهبية.