يتم اليوم النجم روبرت دي نيرو عامه الـ73 بعد مسيرة فنية حافلة، جعلت منه أحد أساطير هوليوود الخالدة، وأحد القلائل الذين حفروا اسمهم بأحرف من نور في سجلات السينما عبر تاريخها.
اليوم نحتفل بذكرى مولد أسطورتنا بصورة مختلفة حيث نطرح الأسئلةالذي طالما يطرحه كل متابع وعاشق للفن السابع .. ما سر كل تلك العظمة التي تحيط بروبرت دي نيرو؟ وما سر كل تلك القداسة الفنية؟ وما الذي يجعل منه أسطورة فنية غير قابلة أبدا للتكرار؟
في البداية هناك محطات كثيرة في مسيرة دي نيرو الفنية التي أثبت فيها موهبته الفذة ومعدنه التمثيلي الفريد، لكن لطالما كان أكثر ما يُميز دي نيرو دائما أنه رجل عصابات السينما الأبرز جنبا إلى جنب مع رفيق دربه آل باتشينو، لذا ستكون إجابة سؤالنا من هذا المنظور.
يقولون دائما إن آفة الممثل التكرار، ولطالما وقع أعظم الممثلين في فخ التكرار إما تكرار أدوارهم أو تكرار أنماط أفلامهم، لكن أسطورتنا هذا لم يكرر نفسه أو يستنسخ أدواره، نعم هو أحد أكثر من قدم أدوار رجل العصابات لكن إذا ما شاهدتها جميعا ستشعر كما لو أنه يقدم دورا مختلفا وشخصية مغايرة في كل دور يقوم بأدائه، وإجابة سؤالنا ستكون من خلال إلقاء الضوء على أبرز محطات دي نيرو في عالم المافيا والإجرام.
العراب .. وانطلاقة نحو المجد
قام دي نيرو بأداء دور "دون فيتو كورليوني" في شبابه في The Godfather II، دي نيرو أعطانا لمحة أسطورية عن رجل المافيا الحكيم الذي بدأ حياته هربا من صقلية طفلا صغيرا قبل أن يحط رحاله في أحياء نيويورك ويدخل عالم الإجرام ويشق طريقه فيه، زعيم المافيا الذي تكون عروضه أبدا غير قابلة للرفض ويقدر قيمة الصداقة والعائلة جدا قبل أن يكوّن أكبر امبراطورية للمافيا في نيويورك.
أداء روبرت دي نيرو كان غير قابلا للوصف في هذا الفيلم، فاستكمل الأداء الأسطوري لمارلون براندو الذي أدى نفس الشخصية في الجزء الأول من الفيلم، ليحصد دي نيرو أوسكاره الأول ويرسم لنا أحد الأدوار الكاملة في تاريخ السينما.
ديفيد أرونسون .. المجرم الذي يجب أن يحتذي به الجميع
في تحفة سيرجيو ليوني الفريدة من نوعها Once upon a time in America يبرز لدينا ديفيد أرونسون الذي نسير معه في رحلة طويلة للغاية منذ مراهقته حتى بلوغه من العمر عتيا، في هذا الفيلم أعطانا دي نيرو لمحة عن نفسية رجل العصابات الذي يعيش لأجل أصدقائه فيقوم بالتضحية لأجلهم، قبل أن يعاني ألم فراق أصدقائه فيذهب بعيدا لـ30 عاما، يعيشها بين عذاب نفسي وذكرياته التي لا تمحى مع أصدقائه قبل أن يعود ليكتشف أن ذكرياته لم تكن سوى لا شيء، وأنه لم يكن يعيش سوى وهما في نهاية صادمة له في نهاية الفيلم.
أداء دي نيرو كان عظيما جدا في هذا الفيلم ويقترب من أدائه في العراب، نظرات عينيه كانت كفيلة بتوصيل كم هائل من المشاعر التي تنتابه إلينا، ورد فعله في النهاية بعد الصدمة العنيفة التي تلقاها والتي جعلت من ثلاثة عقود من الزمان مجرد هباء منثورا، هدوء في رد فعله لكنه بين لنا كم الألم النفسي بداخله والعذاب الذي قاساه جراء وفاءه العظيم.
آل كابوني .. دي نيرو الأصل أم الصورة؟
دي نيرو يظهر من جديد في دور رجل العصابات لكن بصورة مختلفة هذه المرة حيث جسد دور رجل العصابات الشهير صاحب النفوذ الكبير "آل كابوني" في فيلم Untouchables، الذي طاردته الحكومة الأمريكية حتى استطاعت الإيقاع به في النهاية.
رغم أن مساحة دوره لم تكن كبيرة، فعبقرية دي نيرو تجسدت حرفيًا في هذا الفيلم ، وتلك العبقرية لم تكن في أداءه الفني بقدر ما كانت في مقدرته الغير عادية على مضاهاة "آل كابوني"، في كل شيء بدء من زيادة وزنه ليبدو مثل "آل كابوني" وتحدثه بنفس نبرة صوته وتصرفه بنفس طريقة "آل كابوني" جعلتنا نشعر كما لو أن "آل كابوني" تم استنساخه في صورة روبرت دي نيرو.
دي نيرو .. عراب آخر
تحفة مارتن سكورسيزي الخالدة Goodfellas وأحد أبرز أدوار دي نيرو في مسيرته، قد لنا دي نيرو في هذا الفيلم صورة ذهنية لرجل المافيا "جميس كونواي" العضو الأكبر سنا وحكمة الذي تمنعه أصوله الأيرلندية من زعامة تلك الحفنة من الطليان فيكتفي بحكمته كعراب يكبح جماح صديقيه الأصغر سنا هنري هيل وتومي ديفيتو.
عبقرية هذا الدور كانت في الأداء الهاديء الذي قام به دي نيرو ، فدوره انحصر في مساحات مساندة و مثرية للأبطال فلم يكن هو صاحب المبادرة أو محور الأحداث لكنه كان محيطًا بها مؤثرًا فيها في دور حافظ على تماسك طابع سكورسيزي المميز لأفلام العصابات.
"سام روثيستين" .. ملك المراهنات .. والرهان الخاسر
تُحفة مارتن سكورسيزي الأخرى Casino، ودي نيرو في دور "سام روثيستين" الذي يُعد فرس رهان رجال العصابات، يدير أحد الكازينوهات الكبرى ويدر الأرباح تلو الأخرى على هؤلاء الرجال، وصديقه "نيكي سانتورو" الذي يتمتع معه بصداقة متينة رغم اختلافهما الكلي، ويقوم "سام" بالرهان على كل شيء من أجل امرأة يقع في حُبها فيخسر في النهاية كل شيء.
روبرت دي نيرو في هذا العمل بطلته البهية المميزة التي تتناسبت مع عالم الكازينوهات والقمار، قدم لنا صورة غير نمطية لرجل يعمل في عالم المافيا والعصابات إذ يراهن بالكثير لأجل المرأة التي يحبها، كما كان دوره مختلفا هذه المرة حيث كان مندمجا مع رجال العصابات شاهدا على كل جرائمهم دون أن يندمج في أعمالهم القذرة بشخصه.
"نيل ماكولي" .. لا ترتبط بشيء لا تستطيع الفكاك منه في غضون 30 ثانية
"نيل ماكولي" المجرم الذي يعيش وحيدا لكنه لا يشعر بالوحدة، إن كان لي أن أختار أبرز أدوار دي نيرو في عالم المافيا فسوف أختار دوره في فيلم Heat مع الأسطوري الآخر آل باتشينو، ولا أقصد هنا الدور من الناحية الفنية بل أقصد نوعية الدور نفسه، فقل أن تتناول هوليوود الجانب النفسي لرجل العصابات كشخص يشعر بالوحدة التي تنتج كضريبة لعمل المافيا.
نيل ماكولي رجل العصابات والمجرم المحترف للغاية والدقيق في عمله يجد نفسه وحيدا دون رفيق أو شخص يملأ فراغ حياته بل يرفض أن يرتبط بأي شيء قد يؤثر على عمله مهما كانت الظروف لكنه يُعزي نفسه دائمًا بقوله أنه يعيش بمفرده لكنه ليس وحيدا.
دي نيرو قدم دورا عظيما للغاية واستطاع أن يرينا الجانب النفسي المنسي من رجال العصابات، وقد تجعلك مهنتك وحيدا نظرا للمخاطر المصاحبة للمهنة وقدم أداءه بسلاسة تامة وهدوء غير مصطنع أو متكلف، والفيلم قدم نموذجين متوازيين عن رجلي عصابة الأول "نيل ماكولي" والثاني "كريس شيرليس"، الذي يعيش مع زوجته وطفلته اللتين شكلتا عبئا ثقيلا عليه منعه من الهرب والتخلص من ملاحقة الشرطة دونهما.
في النهاية يبقى دي نيرو حالة فنية فريدة في تاريخ هوليوود، ويبقى دي نيرو نفسه ظاهرة فريدة فيما يتعلق بعالم المافيا ورجال العصابات في السينما