تتوجه أنظار عشاق السينما حول العالم بدءًا من اليوم الأربعاء 3 أغسطس وحتى 14 من الشهر نفسه إلى سويسرا، وبالتحديد إلى مدينة لوكارنو الواقعة بالقرب من الحدود الإيطالية، والتي تحتضن واحداً من أهم وأعرق المهرجانات السينمائية في العالم.
لوكارنو المنتجع السياحي الواقع على بحيرة ماجيور عند قاعدة جبال الألب، والذي لا تتجاوز مساحته 20 كيلومتر مربع وعدد سكانه 15 ألف نسمة يتحدثون بالإيطالية، كانت واحدة من أول مدن العالم استضافة لمهرجان سينمائي، حيث انطلق مهرجانها السينمائي عام 1946 ليكون ترتيبه الرابع تاريخياً، فلم يسبقه في التأسيس سوى فينيسيا عام 1932، موسكو عام 1935، وكان في مايو 1946 قبل شهور قليلة من لوكارنو.
العودة المصرية
هذا العام يبلغ مهرجان لوكارنو السينمائي دورته التاسعة والستين، والتي تهم محبي السينما المصرية بشكل خاص، فهي الدورة التي تعود فيها الأفلام المصرية للوكارنو بعد 17 عاماً من الغياب، وبالتحديد منذ 1999 عندما شارك فيلمين مصريين في المسابقة الرسمية هما "جنة الشياطين" لأسامة فوزي و"المدينة" ليسري نصر الله.
العودة تأتي من خلال نصر الله مرة أخرى، وذلك بتنافس فيلمه الجديد "الماء والخضرة والوجه الحسن" في المسابقة الرسمية، وصول الفيلم الذي أنتجه أحمد السبكي في تعاون غير مسبوق بين أحد أساتذة السينما الفنية والمغايرة وبين واحد من رموز السينما الجماهيرية السائدة في السوق المصري لاختيار لوكارنو الرسمي، وخلفيات مخرجه ومنتجه تُبشّر بعمل مغاير، سنشاهده يوم 7 أغسطس بدقة لنعرف نتاج هذا المزيج بين صناع السينما متبايني الجذور.
سينما الحاضر لأول مرة
في نفس يوم عرض "الماء والخضرة والوجه الحسن" يُعرض الفيلم المصري الثاني المشارك في المهرجان، وهو "أخضر يابس" للمخرج محمد حماد الذي أصبح أول فيلم مصري على الإطلاق يختاره لوكارنو للمشاركة في مسابقة سينما الحاضر المخصصة لأفلام العمل الأول والثاني لمخرجيها.
الفيلم الذي قام حماد مع زوجته المنتجة خلود سعد وشريكه المصور محمد الشرقاوي بتمويله ذاتياً بعيداً عن شركات الإنتاج وجهات الدعم، لينضم محمد حفظي كمنتج مشارك في مراحل ما بعد الإنتاج ـ يمثل تجربة مختلفة في مراحل صناعتها حتى عن الأفلام المعروفة بالمستقلة، والتي نادراً ما تُنجز بتمويل يأتي بالكامل من مخرج الفيلم وذويه، بالإضافة لاستعانة حماد بوالده ووالده زوجته وكثير من أقاربه ومعارفه للتمثيل في الفيلم، ليكون وصول الفيلم لهذه المسابقة المرموقة انتصاراً في حد ذاته بعيداً عما سيحققه خلال التنافس.
حضور عربي ثلاثي
المشاركة العربية لا تقتصر على الفيلمين المصريين، بل يعرض المهرجان 3 أفلام عربية أخرى، واحد منها فقط ضمن المسابقات الرسمية هو الفيلم اللبناني القصير "بحبال الهوا" للمخرجة منون نمّور، الذي يتنافس في المسابقة الدولية للأفلام القصيرة "فهود الغد"، ويلعب بطولته الممثل والمخرج المسرحي الشهير جورج خبّاز.
ضمن الاختيارات الرسمية خارج المسابقة يُعرض الفيلم التونسي "زينب تكره الثلج" للمخرج كوثر بن هنية، التي لفتت الأنظار قبل عامين بفيلمها السابق "شلاط تونس" الذي عُرض في العديد من المهرجانات وتسبب في نقاشات مجتمعية موسعة في تونس.
وفي قسم "علامات الحياة Signs of Life" يُعرض الفيلم السوري "300 ميل" للمخرج عروة المقداد، الذي سيكون وفقاً لملخصه على موقع المهرجان الرسمي امتداداً لمحاولات المخرج لتسجيل الوقائع الإنسانية التي تقع في سورية خلال السنوات الخمس الأخيرة.
هارفي كيتل وآخرون
مهرجان لوكارنو يكرم هذا العام عدداً من السينمائيين العالميين، يتصدرهم النجم الأمريكي هارفي كيتل الذي يحتفل المهرجان به بمناسبة مرور خمسين عاماً على بدء احترافه التمثيل السينمائي، وسيتلقى كيتل التكريم عن مجمل أعماله على مسرح بياتزا جراندي أو الميدان الكبير، الميدان الذي يضم شاشة المهرجان الشهيرة هائلة الحجم، والتي تعرض الأفلام كل ليلة لجمهور ضخم يتجاوز الثمانية آلاف متفرج يسعهم الميدان الرئيسي للمدينة.
الفهد الشرفي التكريمي يذهب للمخرج التشيلي الكبير أليخاندرو خودوروفسكي، أحد أساتذة السينما في العالم والذي سيعرض المهرجان أربعة من أفلامه آخرها "شعر بلا نهاية" الذي عُرض للمرة الأولى عالمياً خلال مهرجان كان الماضي.
بينما تذهب جائزة التميز للممثل الأمريكي بيل بولمان، كذلك يحصل على جائزة خاصة مؤلف الموسيقى الكندي الشهير هوارد شور، ويعرض المهرجان أربعة أفلام شهيرة قام بوضع موسيقاها هي "صمت الحملان The Silence of the Lambs" لجوناثان ديمي، "هوجو Hugo" لمارتن سكورسيزي، "إد وود Ed Wood" لتيم بيرتون، و"فيديودروم Videodrome" لدافيد كروننبرج.
17 فيلماً تتنافس على الفهد الذهبي
فيلم "الماء والخضرة والوجه الحسن" ينافس 16 فيلماً آخرين على جوائز الفهد الذهبي لمسابقة المهرجان الدولية، والتي يبدو أنها ستشهد عدداً من الأعمال الجيدة قياساً لأعمال مخرجيها السابقة. فنترقب مشاهدة فيلم "مجد Glory" للمخرجان البلغاريان بيتر فالشانوف وكرستينا جروزيفا اللذان قدما معاً فيلماً مميزاً قبل عامين بعنوان "الدرس The Lesson"، بسمات قريبة الشبه من المدرسة الرومانية الحديثة في السينما.
ننتظر أيضاً جديد المخرج الروماني رادو جود، البعيد عن المدرسة السابقة والذي نال شهرة عالمية بفيلمه السابق "عفارم! Aferim!" عندما عُرض في مهرجان برلين مطلع العام الماضي ونال جائزة أحسن إخراج، جود يتنافس بفيلمه الجديد "قلوب مجروحة Scarred Hearts".
من الأفلام المرتقبة كذلك "عالم الطيور O ORNITÓLOGO" للمخرج البرتغالي خواو بيدرو رودريجيز المعروف بأفلامه التي تتعرض للعلاقات الحسية ومشكلات المثلية والتحول الجنسي.
سنبدأ تباعاً في مشاهدة الأفلام والكتابة عنها، ومتابعة الأفضل في مسابقات المهرجان المختلفة، والتي يقوم كاتب هذه السطور بالمشاركة في تحكيمها ضمن لجنة تحكيم الاتحاد الدولي للنقاد (فيبريسى).