جرت العادة عندما يصدر ألبوم موسيقي غنائي لأحد فناني الصف الأول أن تقوم أغلب الصحف والمواقع الإلكترونية الفنية بالكتابة عنه بامتداحه أو ذمه. ولكن في حالة الفنانة سوما تجاهل البعض ما قدمته في ألبومها الأخير "ندمانة" على الرغم من أنه كان واحداً من أهم الألبومات وأفضلها في السنوات الأخيرة.
قد يكون رد الفعل ضعيفاً بعض الشيء لأننا كنقاد لا نعلم تماماً في حالة سوما هل نكيل المديح لها أم لمنتجها نصر محروس. هذا الشعور يأتينا غالباً لأن نصر محروس كتب كلمات ما يزيد على نصف الألبوم، ولأن الحامل الأساسي للألبوم من جهة الألحان كان لعزيز الشافعي ومحمد يحيى، الاسمين اللذين يتعامل معهما نصر محروس مؤخراً مع أغلب المغنين الملتزمين مع شركته. بالتالي يصعب علينا تحديد أحقية النجاح في ذكاء اختيار الأغاني، ولكن لا يصعب علينا أن نقول أن جميع الأغاني كانت على مستوى متميز وراق.
بالنسبة للألبوم، فإن ما يميزه بالدرجة الأولى هو الألحان، إذ أنها أخذت منحى طربياً جميلاً وهذا ما بتنا نفتقده في الفترة الأخيرة. فألحان أغنية "واحشني حبيبي" وأغنية "لما واحدة" هي ألحان طربية رفيعة من المستوى الأول، ونحن بحاجتها في هذه الأيام، وقد تكون هذه النوعية من الألحان هي مفتاح نجاح الألبومات للسنوات القادمة.
الجمهور بدأ يتعطش للألوان الطربية بعد موجة من مختلف الألوان الموسيقية التي عمت الأغاني وكانت أقرب للغربي واللاتيني. وإذا صدقَت هذه الرؤية فستكون سوما من السباقات التي طرحت هذا اللون ابتداءً من أغنية "ده حبيبي" التي صدرت لها في 2010.
وما يجعلنا نتبنى فكرة تعطش الجمهور للألوان الطربية هو أمثلة كثيرة نسوق منها، برنامج The Voice Kids الذي فاجأنا بكمية الأطفال الذين غنوا للعمالقة من الراحلين. وأما ما يؤكد أن الجمهور يحب سوما في هذا اللون، فهو التعليقات الواردة في أسفل أغاني سوما الطربية في موقع YouTube، ستجدها كلها تصب في خانة الحنين للموسيقى القديمة وإبداع الطرب الأصيل.
وحتى الألحان التي بدت معاصرة كأغنية "حب من غير أمل" كانت موفقة جداً، حيث أبدع وائل عقيد (صاحب أغنية على بالي لشيرين) بنسج لحن عذب وراقٍ، وكذلك محمد النادي في "هروح وأسأل عليه".
بالنسبة لكلمات الألبوم، كانت جميعها على مستوى جيد ومتميز، ولكن افتقرت في أغلبها للفكرة الجديدة. أعتقد لو أن سوما وفقت في اختيار كلماتها كما تفعل إليسا، لكان الألبوم متكاملاً من ناحية الكلمات والألحان.
وبالنسبة للتوزيع، فهو بالمجمل ممتاز، إذ كانت توليفة الآلات المستخدمة تعكس الروح الشرقية والطربية الطاغية على الألبوم. استمع للناي مثلاً المرافق لصوت سوما في الخلفية في أغاني مثل "ندمانة"، "مع السلامة"، و"لما واحدة". استمع للقانون في "واحشني حبيبي" والأمثلة كثيرة على التوزيع الجيد الذي أبدع فيه أمير محروس ووسام عبد المنعم وطارق عبد الجابر وآخرون.
وكما بدأنا بسرد إيجابيات الألبوم، لابد من الإشارة لبعض السلبيات التي نراها في الألبوم، ومنها:
- أغنية "خلصت" كانت مشابهة ومقاربة بشكل كبير لأغنية "صابرة" لكارمن سليمان.
- اختيار أغنية "عم الروش" سابقاً لتصويرها كدعاية للألبوم لم يكن موفقاً. يوجد في الألبوم أغنيات أكثر أهمية منها للتصوير والتمهيد للألبوم.
- على الرغم من تميز التوزيع، ولكن السامع سيلاحظ أن التوزيع لم يتطور كثيراً عن أغاني 2010. فالإيقاعات والأفكار الموسيقية كلها مستهلكة وموجودة، وسيظهر ذلك جلياً إن قارنت أغاني أمير محروس في هذا الألبوم وأغانيه في ألبومها الصادر في 2010.
- سبق الذكر أن كلمات الألبوم كانت جيدة جداً، ولكنها أخذت منحى تجاري قليلاً ولم يكن فيها أفكار جديدة أو مجازفات في المواضيع المطروحة.
أخيراً، إن عزيز الشافعي ومحمد يحيى كان لهما نصيب الأسد في الألبوم، وبصمتهما تظهر بوضوح في ما قدماه، وهذه في الحقيقة نقطة تحسب لهما ولا يمكن تجاهلها. وقد يكون لألحانهما الفضل في تأسيس عودة وانتشار النوع الطربي إلى ألبومات الفنانين العرب.
كما أن صوت سوما وإحساسها يقترب كثيراً من نظيرتها اللبنانية إليسا، لذا نتمنى لها التركيز على الكلام أكثر من ذلك وعدم الانقطاع لفترات طويلة، لأنها من وجهة نظرنا تقترب مما تقدمه إليسا وتستحق حجم شهرتها ونجاحها في السوق الموسيقية العربية.