الراقصة؛ شخصية شائكة للغاية وإن كانت حيوية وهامة جداً على مدار تاريخ السينما والدراما المصرية. الأفلام المصرية منذ الفيلم الروائي القصير "الباشكاتب" عام 1924، والذي كانت إحدى شخصياته المحورية راقصة، قامت بدورها بمبة كشر، وهي تهتم بشخصية الراقصة، وتعمل على أن يحتوي الفيلم على أكثر من رقصة، تؤديها أشهر راقصات ذلك الوقت.
وحتى الآن، مع اختلاف الفكرة وأسلوب التناول السينمائي والموضوعات المطروحة، ظلت الراقصة حاضرة وبقوة، سواء من خلال تابلوهات استعراضية يعمد بها صناع الفيلم إلى جذب جمهور الشباب، أو من خلال دور هامشي تظهر فيه الراقصة كالعادة امرأة منحلة، تكون فيها الدور الثاني أو الثالث للبطل، أو –على أفضل تقدير- وسيلة لنيل تعاطف الجمهور بأسلوب ميلودرامي فاقع على غرار أدوار هند رستم كراقصة في معظم أفلام حسن الإمام.
نادراً ما نرى دور تبرز فيه مساحات تمثيلية كبيرة وتكون الشخصية هي راقصة –سواء أدتها راقصة في الحقيقة أم ممثلة قامت بدور الراقصة- وشبه منعدم أن ترى خطاً درامياً متميزاً لراقصة، تكون فيه الشخصية مكتوبة بشكل جيد ولها أبعاد درامية منطقية.
"في الفن" اختار لكم، أفضل أدوار سينمائية ودرامية لراقصات، ونتمنى أن تشاركونا رأيكم عن أدوار الراقصات التي أثارت اهتمامكم وخرجت عن توقعاتكم كمشاهدين.
1) زوزو ألماظية (سعاد حسني) – "خلي بالك من زوزو"
فتاة الجامعة المثقفة التي ترقص ليلاً وتدرس بالنهار، ليست مجرد كليشيه من كليشيهات حسن الإمام، لكنها إنسانة تعاني تشتت هويتها الإنسانية والأنثوية، ما بين ما يريدها المجتمع أن تنصاع إليه؛ في التصنيفات البطريركية للمرأة إما كقديسة (فتاة جامعية مثقفة) أو عاهرة (العالمة).
لكن زوزو ترفض أن يتم تصنيفها، وتصل للسلام النفسي عندما تعترف أن زينب ما هي إلا انعكاس لزوزو، ولا يمكن لإحداهما الحياة دون الأخرى.
2) نوال (عايدة رياض) – "هوانم جاردن سيتي"
بدلاً من تصويرها كعالمة مبتذلة، تسرق رجلاً من زوجة مثالية تحبه بإخلاص، صورت منى نور الدين شخصية نوال كامرأة عاشقة، تحب رجلاً وتشعر بالألم لتدني مستواها الاجتماعي، ووضعها كعالمة تحب ابن الباشا، وعندما تشعر بأن حبها مهدد، تحارب من أجل استبقاء هذا الرجل إلى جانبها، بل وتجبره على إقامة علاقة شرعية معها، تساويها بابنة السرايات، ترفض أن تكون ضحية، وهذا ما يجعلها فاتنة.
3) لاميس (غادة عبد الرازق) – "مسألة مبدأ"
لا شك بأن دور غادة عبد الرازق في هذا المسلسل من أفضل الأدوار النسائية فيه، وبعيداً عن سجنها ولو عن طريق نظرة الشخصية الرجولية المقيتة في سجن العاهرة، مقارنة بالدكتورة رقية والتي تلعب دورها إلهام شاهين، فإن محمد صفاء عامر ينتصر ولو جزئياَ لتلك الشخصية التي تتسم بالطهر التام على عكس ما تصوره مهنتها.
ليس غريباً إذا أن تعترف الراقصة دينا بأن هذا هو أفضل تجسيد لراقصة في الدراما، وأنها تمنت لو مثلت هذا الدور، كما أن الإشادة النقدية وجهت لدور غادة، والذي احتوى على صراعات وتناقضات أفضل بكثير من التمثيل الأحادي لشخصيات نسائية أخرى مثل تلك التي لعبتها رشا المهدي أو ريهام عبد الغفور.
المأخذ الوحيد ربما هو رقص غادة شديد السوء، وعدم قدرتها على أداء المشاهد الاستعراضية بصورة جيدة، لكن من حظها أن المساحات التمثيلية كانت أكبر في حالة "لاميس".
4) حلاوة (ليلى علوي) – "سمع هس"
"وأنا هزة وسطي كما السوستة، أستاذة في الرقص، وأسطى"، هنا نحن نرى راقصة درجة رابعة، ترقص في الشارع أو البارات، وتكون ذلك الثنائي الغنائي الاستعراضي مع زوجها "حمص"، يجوبان به الشوارع أملاً في الشهرة والمجد.
فنانة صعلوكة، دورها مؤثر وفعال في الفيلم كما زوجها بالضبط، وتمسكها باللحن والحلم بمثل قوة أحلامه، حتى مع بحثها الأنثوي عن الاستقرار أحياناً. هذا قد يكون من أكثر أدوار ليلى فانتازية، لكنه حقيقي لدرجة الألم، ربما لو استثنينا وجود صعلوكة بمثل هذا الجمال.
5) سماسم وحمدية (سهير المرشدي ولوسي) – "ليالي الحلمية"
من المعروف تعاطف الراحل عبقري الدراما أسامة أنور عكاشة مع شخصياته النسائية بصورة كبيرة، وعدم ارتكانه لتمثيلها على طرفي الطيف، من أقصى الألوان الداكنة، للفاتحة غير المحسوسة، والمتابع لدراما عكاشة سيلحظ تطور رؤيته للشخصية النسائية بصورة كبيرة، حتى وصوله للذروة في الثمانينات وأوائل التسعينيات.
ولكن بأي حال من الأحوال فإن عكاشة لم يكن ليضع أحكاماً أخلاقية على شخصياته النسائية على الإطلاق، إلا من خلال الشخوص نفسها، وصور ببراعة نظرة المجتمع للعوالم "سماسم" و"حميدة"، وجسدهما مختلفتين عن بعضهما البعض، في تضحية واحدة بكار العوالم الذي تحن إليه سراً من أجل حياة زوجية مستقرة، وتضحية الأخرى بالحياة الزوجية بعد أن ندهتها نداهة الشهرة والفن.
6) كريمة (هند رستم) – "رد قلبي"
دعاية فيلم "رد قلبي" الفجة لثورة 52 لم تمنع هذا الدور من أن يكون أجمل ما قدمت نجمة الإغراء هند رستم كراقصة.
على الرغم من أن هند من أكثر الممثلات اللاتي قمن بدور الراقصة، خاصة مع المخرج حسن الإمام، لكنها هنا في "رد قلبي"، أدت دور الراقصة المرهفة، التي تملؤها الغيرة وتعاقب نفسها، بأن تستدعي العقاب الإلهي، كونها استسلمت لغيرة قلبه، ولم تضح كما يجب على امرأة محبة حقيقية.
بعيداً عن الرهافة التي أدت بها هند الدور، إلا أنه يلقي بالضوء على طبيعة النساء الانتحارية، خاصة في وضع امرأة مثل كريمة، قد ترى في كونها راقصة نقصاً إنسانيا لا يجعلها تستحق رجلا محترما "ابن ناس" مثل علي، مما يدفعها حتى لو حصلت عليه للرغبة في الفناء كي تتركه لغيرها، والتي قد تراها جديرة به أكثر منها.
7) سالي (سلوى خطاب) – "فيرتيجو"
رغم الرؤية الدرامية غير الموفقة لمسلسل فيرتيجو من رواية سياسية بوليسية جيدة إلى مسلسل يغلب عليه المط والتطويل والطابع الميلودرامي الفاقع، إلا أن التحول الدرامي في شخصية سالي جدير بالإشادة.
سالي بين سطور الرواية، راقصة في أوج تألقها وشبابها، شديدة الجمال والإثارة، لكن سالي التي ظهرت على الشاشة كانت راقصة تخطت منتصف العمر، تعتمد على شهرتها السابقة، وتعيش على مجد بنته منذ سنوات.
تجسيد سلوى خطاب لها، كان بداية عودة سلوى خطاب بقوة للدراما وبصورة مختلفة تماماً عما سبق، والأجمل كان تصوير مشاهد الرقص، والتي لم تركز على حركات سلوى البطيئة، بقدر ما أوحت بالجو العام للرقصة نفسها، وهو شيء يحسب للمخرج عثمان أبو لبن، وذكاء في محاولة تخطي نقائص درامية، دون استنفار سخرية أو ضيق المشاهد.
8) سونيا سليم (نبيلة عبيد) – "الراقصة والسياسي"
الأسطى الكبيرة، والصورة الذهنية لامرأة جريئة أكثر من المعتاد، لا تهتم بشيء ولا تتراجع عما تريد، راقصة لا تحاول تبرير ما تفعله ولا تخجل من بوحها بجرأتها أو قدرتها على المواجهة حتى إذا كانت مواجهة مجتمع بأكمله.
بشهادة جميع الراقصات، نبيلة عبيد هي أفضل من جسدت دور راقصة على شاشة السينما، ويأتي هذا من جهدها وبراعتها التمثيلية، إضافة إلى سيناريو وحيد حامد المحكم، والاستعراضات التي أبهرت بها المشاهدين. لكن براعة نبيلة في الرقص تتجلى أيضاً وهي تلعب دور مباهج في "الراقصة والطبال"، لكنها مع سونيا سليم تخلق شخصية راقصة أيقونية، أسوة بالشخصيات اللاتي كانت تلعبها راقصات العصر الذهبي سامية جمال وتحية كاريوكا ونعيمة عاكف، لكن بعمق أكثر وجرأة أكبر، ولا ننسى جملتها "أنا سونيا سليم الراقصة الخليعة" والتي تذكرنا بجمل شخصية سامنثا جونز من مسلسل Sex and the City؛ المزج بين الفضائحية والكوميدية، بصورة نسوية مبطنة، لا تخلق معك سوى التعاطف مع هذه المرأة التي لا تتخيل أن تحبها أبداً كانسان متحفظ.
9) نوجا (سوسن بدر) – "الفرح"
بعد عن النزعة الوعظية المباشرة لأفلام الثنائي سامح عبد العزيز وأحمد عبد الله، إلا أن أفلامهما لا تخلو من تشريح جيد لشخصيات مهمشة مجتمعياً، منبوذة ومكروهة، وربما محتقرة، لكن نظرة "الديو" إليهما لا تخلو من التعاطف والرغبة في إظهارهما كبشر بعيداً عن الحكم المطلوق عليهم من وضعهم الاجتماعي ووظائفهم المتدنية.
وهذا هو الحال مع "نوجا"، راقصة في الأفراح الشعبية، ترقص رغم كبر سنها، لحاجتها للمال، الفيلم هنا يجعلنا نتعاطف معها، خاصة بينما نراها ترتدي بذلة الرقص العارية، وقد غطت شعرها بقماشة، وبدت بدون ماكياج مجرد عجوز مرهقة، تثير الرثاء أكثر من الازدراء.
10) زنوبة (نادية لطفي) – "قصر الشوق"
كانت النقلة الفنية في حياة نادية لطفي هي تخليها عن أدوار الحبيبة الرقيقة والفتاة العصرية الكلاسي وانتقالها لفضاء تجسيد شخصيات نسائية أخرى بعيدة كل البعد عن ملامحها الهادئة الراقية.
دور "زنوبة"، صبية العالمة الصغيرة التي تتحول إلى زوجة، مع احتفاظها بغنجها ودلالها وطريقتها في الإيقاع بالرجال بنعومة ودهاء دون أن يستطيعوا معها جدالاً.
دور "زنوبة" ربما يعد من أفضل الأدوار النسائية في الثلاثية، نظراً لكونه يمثل قدرة المرأة على البقاء، بل وخداع الرجل الشرقي الذكوري وإجباره على الزواج بها، دون أن يشعر أنه خدع.
بعيداً عن تصوير الراقصة كعادة قطبي التعامل مع المرأة كالشيطانة الرجيمة أو البائسة المظلومة، فإن زنوبة لا هي بالشيطانة ولا بالملاك، هي مجرد امرأة تتعلم فنون التعايش على طريقة "البقاء للأقوى"، وبسرد تاريخ العوالم في الثلاثية، هي قطعاً كانت "الأقوى".