ربع قرن على الهوس بـ "دي دي"

تاريخ النشر: الخميس، 14 أبريل، 2016 | آخر تحديث:
الشاب خالد

في صيف 1991 كانت أقصى الأرض وأدناها، شرقها وغربها، تسمع صوت قادم من الصحراء الشمالية الإفريقية يغني "دي دي.. دي دي وا"، لم يفهم العالم معنىً واضحا لهذه الكلمات، سوى الصحراويين من أبناء الجزائر وتونس وغرب ليبيا والمغرب. جزمنا هنا في مصر ونحن نغنيها بشغف وحب ورقص، أنها لغة أخرى غير العربية، وهي بالفعل كذلك.

هوس "دي دي" لم يستثن أحدًا خصوصا في مصر، ضرب الجميع، كبارا وصغارا، شباب الثمانينات الذين توافقوا على سماع خليط من عمرو دياب ومحمد منير والحجار والحلو وصالح وفؤاد، وقفوا مشدوهين أمام الموسيقى الوافدة "الراي"، التي كان يسمع بها قليلون جدا قبل "دي دي".

أما رجال أم كلثوم وعبدالحليم، فسمعوها بتحفظ لكنهم سمعوها، فبدأ مثقفوهم يتحدثون وينظّرون عن رحلة "الراي" إلى مصر. أما جيل التسعينيات، فنادرا أن تجد منهم صبيا أو صبية لم يشترِ ألبوم "دي دي"، وسهر أياما وأسابيع ليحفظ الأغنية ويرددها على مسامع أصدقائه، متباهيًا متفاخرًا بأنه جاب "التايهة".

أما المغني فهو شاب قصير. كث الشارب. في آخر رأسه "ضفيرة" غريبة. يضع قرطاً في أذنه، ويضحك ضحكة رائقة مبهجة. صوته جهوري رائع يُطرب كل من يستمع إليه، بصرف النظر عن كلمات أغانيه. اسمه خالد، أو بالأحرى الشاب خالد.

المصريون ألحقوا اسم الأغنية "دي دي" باسم المغني الشاب خالد، فصار "خالد دي دي"، على الرغم من أن الألبوم كان يحتوي على عدد كبير من الأغنيات الجميلة، ومنها "وهران، وهاراي، وبرايا" وغيرها. بالتأكيد هذا الاسم تغير بعد الهوس بأغنيته التالية "عيشة"، التي مزج فيها الفرنسية بالعربية، وتخلى فيها عن "الراي".

الهوس لم يكن مصريا وعربيا فقط، بل كان عالميا. فرنسا، التي سجل فيها خالد الأغنية كانت أول من استقبلتها بالترحاب والغناء. امتد الهوس إلى أوربا، وصار الشاب خالد نجما عالميا يحيي حفلات هنا وهناك، ويغني "دي دي" ويغنيها معه العالم. في مدينة تولوز مثلا، تكون فريقا موسيقيا اسمه (zebde) لمزج الراي بالراب.

وفي محاولة لتأصيل هذا النوع الموسيقي الذي لم يكن معروفا بهذا القدر الذي ساهمت فيه "دي دي"، قال المؤرخون الموسيقيون إن أصولها تعود إلى الغناء البدوي الجزائري القديم، الذي يتغنى به "الشيوخ" بلغة شعبية بسيطة، للتعبير عن موضوعات اجتماعية متداولة، ومن هنا كانت أصل كلمة "الرأي"، لكنهم حذفوا الهمزة الوسطى للتخفيف، فصارت "الراي".

في سنة 1985، وتحديدا قبل ست سنوات من ثورة "دي دي"، كان صراع الثقافة والفن على أشده مع الدولة الجزائرية، بسبب سطوة المتشددين في المجتمع، فملأ الدم الشوارع وزادت الاغتيالات، حتى أنها طالت بعد ذلك، أثناء عشرية الجزائر السوداء، سبعة من نجوم الراي ومنهم رشيد بابا أحمد والشاب حسني، إلا أن هذا العام شهد اعترافا بـ "الراي" بإقامة أول مهرجان لهذه الموسيقى.

كانت عشرية الدم، قد بدأت في الجزائر بين النظام الجزائري وفصائل متعددة تتبنى أفكار موالية لـ "الجبهة الإسلامية للإنقاذ"، حيث بدأ الصراع في يناير عام 1992 عقب إلغاء نتائج الانتخابات البرلمانية لعام 1991، والتي حققت فيها "الجبهة الإسلامية" فوزا عريضا، ما حدا بالجيش الجزائري التدخل لإلغاء الانتخابات مخافة فوز الإسلاميين بها.

المدهش أن بداية العشرية السوداء رافقت ثورة "دي دي".

نبش خالد فيما لديه ولدى تاريخ الراي من أغنيات، فكانت "الشبة بنت بلادي" وكانت "وهران" ثم "عبدالقادر" التي غناها في واحدة من أكبر حفلات الموسيقى في العالم "الشموس الثلاثة"، وغناها هو ونجمي الراي، رشيد طه وفوديل.

المدهش، أن بعد كل هذا الهوس الذي صاحب ثورة "دي دي"، وموضة "الراي" التي تسربت إلى بعض المطربين المصريين والعرب، جنح خالد نفسه إلى موسيقى البوب وهجر الراي. والأكثر دهشة أن محكمة فرنسية أواخر العام الماضي غرمته 200 ألف يورو بتهمة سرقة "دي دي".