أهم الانتقادات الموجهة لهوليوود باستمرار، التكرار والتصميم على نمط وقالب ثابت. وفي فئة الأفلام المقتبسة من قصص الكوميكس بالأخص تزداد هذة الملاحظة قوة، لأن الأصل نفسه يعاني منها من ناحية. ولأن النشاط الانتاجي المكثف في هذة الفئة خلال السنوات الأخيرة، جعل الملاحظة أكثر وضوح.
ديدبول من الأفلام القليلة المقتبسة من هذا العالم التي تخالف القواعد، ويمكن اعتبارها تجربة منعشة وسط أقرانها. والفضل في ذلك يعود بالأساس لأصل الشخصية في الكوميكس نفسه.
شاهد- الإعلان الدعائي لفيلم Deadpool (٢٠١٦)
كثير من ثوابت هذا العالم موجودة. ديدبول بامكانيات قتالية خارقة: ١) قدراته نتجت عن كارثة مر بها، ٢) على صعيد الشكل هو شخص بقناع مثل عشرات غيره، ٣). ما المختلف اذا بخصوصه؟
جوهر الاختلاف ان ديدبول لا يتصرف كبطل نبيل نهائيا!.. ديدبول هو الوغد الشرير الذي تشاء الظروف دائما أن يواجه أوغاد أكثر شرا منه. ديدبول غير مهتم بانقاذ الأبرياء أو مواجهة الأشرار. ديدبول لا يمانع القتل كحل أول سهل. ديدبول في الحقيقة بذىء اللسان ويسخر أغلب الوقت من هذة المنظومة النبيلة كلها!
ديدبول هو البطل الخارق الذي لا يطيق نهائيا الأبطال الخارقين!.. ديدبول لا يطيق حتى سماع وصف (بطل) لشخصه!.. ديدبول يكسر الحائط الرابع ويتحدث للمتفرج أو القارىء مباشرة، ليسخر من أى شىء وكل شىء. لاحظ مثلا الحوار في هذة الصورة ضمن أحد الأعداد.
اللطيف هنا أن شركة فوكس حاولت سابقا تطويع الشخصية، وحرمانها من كل مميزاتها لخدمة فيلم أخر. وأعني هنا X- Men Origins: Wolverine 2009 الذي ظهر فيه ديدبول كعدو لـ ولفرين، على يد نفس نفس نجم الفيلم الجديد ريان رينولدز.
هذة المرة وافقت فوكس أخيرا على صناعة فيلم ديدبول مستقل متوائم فعلا مع الشخصية. فيلم ساخر أكثر منه فيلم مغامرات جدي على طريقة سلسلة الرجال اكس. فيلم بتصنيف رقابي R يسمح للديدبول بممارسة كل بذاءاته ونكاته الجنسية والدموية.
الفيلم لا يهدر ثانية واحدة لتوضيح هذا الاختلاف. تترات البداية تلخص بذكاء الطابع الساخر للفيلم كله، وتمزج ببراعة بين الأكشن والكوميديا، وهو ما يستمر باقي الفيلم. من المهم هنا أن أذكر أن "تيم ميللر" خبير الخدع البصرية، الذي يقدم هنا أول تجاربه الاخراجية، عمل سابقا في تصميم التترات لعدة أعمال.
أصل الشخصية وقصة نشأتها مثلا، اختار المخرج وطاقم السيناريو تقديمها بطريقة منعشة، تعتمد على التلاعب بالتسلسل الزمني. بهذة الطريقة تفادى الفيلم السقوط في فخ التكرار، في أحد الجزئيات التي يعتبرها البعض ضمن السلبيات الثابتة المملة والمكررة، في أفلام الكوميكس مؤخرا.
لكن أبرز علامة تميز بها الفيلم هى اهتمامه ببناء الشخصيات طوال الأحداث، أكثر من التركيز على تقديم مشاهد أكشن جنونية أو مبهرة. هذا الاهتمام لا يتوقف عند الشخصية الرئيسية وحدها، بل يمتد ليشمل كل الشخصيات المساعدة، أو حتى ضيوف الشرف. كل شخصية تقريبا فازت بممثل جيد، ولها رونقها وأبعادها الكوميدية. ولا يستثنى من ذلك ربما الا شخصية الشرير الرئيسي، التي لم تتميز كثيرا للأسف عن باقي الأشرار في أفلام الكوميكس.
هذا الدرس مهم جدا. الشخصيات والقصة في أفلام الكوميكس، يجب أن تنال نفس الاهتمام كأى فيلم درامي. ديدبول الذي تكلف أقل من ٦٠ مليون دولار، استفاد من هذة الميزانية الضئيلة. مع ٢٠٠ مليون دولار كنا سننتهي غالبا بفيلم كوميكس أخر يحتوي على تفجيرات ومطاردات، تحتل مساحة أهمية تفوق الشخصيات.
الفقرة السابقة لا تعني أن مستوى الأكشن في الفيلم متواضع. الفيلم ثري جدا في هذة الجزئية. والأهم فيها أن تركيبة (الأكشن/كوميدي) تم هنا صياغتها كما أحب أن أراها دوما. صياغة لا تعتمد على تسلسل تبادلي (مشهد كوميدي - مشهد أكشن - مشهد كوميدي). وتستبدلها بطريقة (مشهد أكشن/كوميدي). مدرسة يندر أن نراها في هوليوود للأسف، ولم يبرع فيها بشكل ثابت الا جاكي شان ربما في أفلامه الآسيوية.
منذ بداياته اعتبرت ريان رينولدز ضمن أبرز ممثلي جيله. حقيقة لم تبرزها اختياراته الفنية السيئة للأسف. هنا وصل أخيرا لدور عمره. الدور الذي يبرز قدراته، مع شخصية لا نرى وجهها أغلب الوقت، وتعتمد أكثر على قدراته الصوتية المميزة ولغة الجسد وحماسه للخروج عن المألوف. رينولدز الذي شارك أيضا في انتاج الفيلم، منحها أكثر وأكثر، وخلق لها أبعاد رومانسية خارج نطاقها الأصلي في عالم الكوميكس. أبعاد لا تتجاهل ولا تتعارض مع طباعها الكوميدية، وشراهتها للنكات الجنسية.
الخطة الأصلية كانت انتاج الفيلم للعرض عام ٢٠١١ ولأسباب يطول شرحها توقف المشروع وعاد للظهور. هذا التأخير أفاد الفيلم جدا. الأن بعد عشرات من أفلام الكوميكس حديثا، يصل ديدبول مسلح بترسانة ساخرة. عشاق الكوميكس على موعد من سيل نكات يسخر من شخصيات وملامح هذا النوع، وبالأخص سلسلة الكوميكس الأخرى المملوكة لشركة فوكس (الرجال إكس).
هوليوود زارت سابقا عالم الكوميكس مع فئة R العنيفة في افلام مثل The Punisher (٢٠١٤) . ومزجت هذا العالم أيضا بالكوميديا سابقا في فيلم مهم وهو Kick Ass (٢٠١٠). وبالطبع لم تخلو قائمة الكوميكس من أفلام ببعد كوميدي قوي، تحت تصنيف رقابي عادي، كان أنجحها فيلم مارفل Guardians of the Galaxy (٢٠١٤) لكن لا شيء مما سبق يرقى لهذه التجربة الواعدة في ديدبول.
اقرأ أيضا- ٦ أفلام عن أبطال خارقين صنّفوا "للكبار فقط" قبل Deadpool
الوغد الداعر ديدبول يصل أخيرا للشاشات في توقيت مثالي، بنجم مثالي، ويطعن كل ثوابت هذا العالم بفيلم مسلي، يثبت أن القالب الذي حبست فيه هوليوود هذا النوع من الأفلام، مشكلة لها حلولها. بشرط توفر سقف حرية حقيقي، لطاقم مبدعين يعرف جيدا ما يفعله.
لا زال ينتظرنا الكثير في سينما ٢٠١٦. لكن مع الإيرادات القياسية الذي حققها الفيلم في أول أسابيع، قد يكون ديدبول الدرس الانتاجي القاسي الأهم خلال العام كله. السؤال الأن هل تعلمت هوليوود الدرس فعلا، وتنوي المغامرة والتجديد في السنوات القادمة؟.. هل ستعود سينما الأكشن العنيف والتصنيف R بقوة؟.. أم أنها تحتاج لمزيد من الطعنات الداعرة؟.. هل سيتحول ديدبول نفسه لبذرة (قالب مكرر) في أفلام أخرى مستقبلا؟
اقرأ أيضا- أهم ٢٥ فيلم مغامرات وفانتازيا في ٢٠١٦
سنعرف اجابة هذة الأسئلة لاحقا، لكن في جميع الحالات هذا الديدبول الداعر يستحق التحية!.. رجاءً لا تطلق عليه (سوبر هيرو) لأنه وصف لا يفضله!
ملحوظة أخيرة - بخصوص سؤال العديدين عن كمية المشاهد المحذوفة رقابيا في النسخة المعروضة في مصر: القطع متواجد بالطبع وملحوظ في بعض المقاطع الجنسية بالأخص، لكن تأثيره لا يفسد نهائيا قوة وتأثير الفيلم ككل. ديدبول داعر قبل الحذف، وداعر بعد الحذف!.. لا داعي للقلق نهائيا!
باختصار
النجم ريان رينولدز يوجه مع المخرج الشاب تيم ميللر، أول صواريخ سينما التسلية الهوليوودية الممتازة في 2016، مع رأس نووي يضم الكثير والكثير من الدماء والعنف والكوميديا والنكات الجنسية، التي لا تخترق فقط الحائط الرابع من وقت لأخر، بل تنسفه بالكامل أحيانا!