كان مشهدًا جديدًا علّي.. جديد وغريب.. مراهقة صغيرة تتوسل لبائع جرائد أن يتصرف ويحضر لها مجلة اسمها "لها" من تحت الأرض.. بأي ثمن وبأي شكل.. اشمعنى هذه المجلة "لها"؟ رغم أنه أيامها كان المشهد من الممكن أن يكون طبيعيًا لو الفتاة تسأل على جريدة الجمهورية أيام الامتحانات لوجود صفحتين مراجعة للطلبة في الجريدة الحكومية.. لكني عرفت من البائع بعدما ذهبت الفتاة أن هناك برنامج مسابقات جديد اسمه "ستار أكاديمي" يشارك فيه شاب مصري صغير اسمه محمد عطية.. وعرفت بعدها أن البرنامج "واكل عقل المصريين" بين مؤيد ومعارض.. كأي حاجة جديدة تشغلنا لفترة ثم تختفي أو نتعود عليها.. أضف إلى ذلك أننا أيامها (٢٠٠٣) كنا نتنشق على أي "فوز" يشعرنا بالفخر والبطولة الاعتزاز بمصريتنا، حتى لو كان ذلك الانتصار في برنامج غناء ورقص.
شاهد- إعلان فوز محمد عطية في "ستار اكاديمي 1"
سنة ٢٠٠٣ كان عطية هو الأنسب لتمثيل الصورة الذهنية المطبوعة عن جيلنا وقتها.. شاب في شكل طفل.. طفل لديه طاقة لا تنضب.. لا يتوقف أبدا عن الضحك والهزار.. يتحرك طوال الوقت في كل مكان.. غير راضٍ عن أي شيء حتى شكله. وكل أسبوع يظهر لنا بتسريحة أو تقليعة جديدة.. طفل سطحي تمامًا كما يبدو من تصرفاته أمام الكاميرا.. ولا يهمه العالم ولا يشغله أصلا إلا ما يفعله.. و يولع العالم.
شخصية محمد عطية في "ستار أكاديمي" هي الصورة التي كان أهالينا يروننا عليها.. شباب تافه.. لا علاقة لهم بالجد العمل.. ولا حتى عنده أخلاق (الواد كان بيبوس البنت في البرنامج قدام الكاميرا عادي).. لدرجة إننا صدقناهم أننا كذلك.
فاز محمد عطية بلقب "ستار أكاديمي" في نسخته الأولى، و استقبلته مصر، أو قل مراهقي مصر، ونسائها طبعا اللاتي يحببن كل شيء مفرح بالرقص والزغاريد في مطار القاهرة.. وكرمته كلية الإعلام بجامعة القاهرة على إنجازه الكبير.. بالمناسبة عطية كان طالبا متفوقا في كلية الإعلام.. وهاجت الدنيا وماجت على الدكتورة ماجي الحلواني عميد كلية الإعلام وقتها.. وهاجمها المثقفون وكبار الصحفيين والإعلاميين، ووائل الإبراشي طبعا. بينما احتفت به هالة سرحان في "دريم" وإبراهيم عيسى في الدستور، وقام ببطولة أول فيلم له "درس خصوصي"، الذي كان يعتبر تجربة جيدة بكل ما فيها إلا محمد عطية نفسه وفشل الفيلم طبعا.. والسبكي من ناحيته لم يفوت الفرصة، كعادته مع أي ظاهرة جديدة، و أنتج له "علّي الطرب بالتلاتة" بمشاركة الراقصة دينا، الفيلم الذي نجح فقط من وجهة نظر ومحفظة المنتج الشهير.. واختفى بعدها "الولد" يا ولداه.. وهي الحقيقة العلمية التي لا مفر منها، أن كل ظاهرة تكسر الدنيا لها رد فعل مساوٍ لها في المقدار ومضاد في الاتجاه.. معروفة دي.
شاهد- "الدورة الدموية" لمحمد عطية من فيلم "درس خصوصي" (٢٠٠٥)
بعد ١٠ سنوات عاد محمد عطية وعادت سيرته والجدل حوله.. لكن عطية بتاع زمان غير عطية بتاع النهارده" هذا ما يمكنك التأكد منه بمجرد استماعك إلى عطية، ليس وهو يغني هذا المرة.. فأنا عن نفسي لا أفضله و هو يغني.. لكن يشد انتباهي وهو يتكلم.. و هو يتحدث عن البلد وأحوالها وفقرائها وثورتها.. يتحدث بصفته شاب مصري له رؤية ورأي فيما يجري من حوله.. والأهم من ذلك أنه شاب متعلم يكتب لغة سليمة ويبدو أنه واسع الاطلاع والمعرفة أو أصبح كذلك في فترة جيزة.. لم يعد يشغله فقط الغناء والرقص والمزيكا والضحك والبنات.. حتى لو كنت تختلف معه في الرأي حول بعض القضايا السياسية والاجتماعية.. لابد لك أن تحترمه..ولا يمكنك أن تصفه كما يفعل نفس الإعلاميين بتوع زمان بأنه "عيل فاشل ولا يسوى" لمجرد أن له رأي يخالف رأي النظام والحكومة التي يدافع عنها الإعلامي "المحايد".
شاهد- تامر أمين يهاجم محمد عطية
شاهد- محمد عطية بعد رقصة "التانجو الأرجنتيني": أهديها للمعتقلين والشهداء
اقرأ أيضا- محمد عطية.. "5 صنايع والبخت..."
كان السبب في كل ذلك التغيير، كما أكد عطية في أكثر من مناسبة، ثورة 25 يناير.. ثورة شباب جيله.. الثورة التي كان يراها عطية في البداية مؤامرة على مصر، وخرج أعلن تأييده للرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، أثناء قيام ثورة 25 يناير، وقال في مداخلة تلفزيونية مع برنامج "الحياة اليوم" إنه ذهب لميدان التحرير كي يتفقد الأوضاع، فوجد رجلا يتحدث "عربي مكسر" في إشارة إلى وجود أجانب ومندسين في الميدان.
تبدلت مواقف عطية تماما فيما بعد، وشارك في فعاليات محمد محمود وماسبيرو ومجلس الوزراء، وهاجم المجلس العسكري، وقال على صفحته على "فيس بوك": "نعم لم أشارك فيها، أي الثورة، وكنت أرى أنها مؤامرة وأن الثوار خونة وعملاء، بل وكنت ممن يدافعون عن مبارك والهاتفين باسمه، ماذا تتوقعون من شاب قضى كل حياته متلقيًا وعيه من إعلام الدولة مغيب سياسيًا كما إرادة النظام، لا يبحث عن الحقيقة بل يتلقاها كما تريد الدولة أن تجعله يراها، كتبت هذا الكلام كثيرًا ولم أدعي غيره ولو مرة، ولم أنكره حدث التغيير معي عن طريق نزولي إلى التحرير من باب الفضول لأشاهد الخونة، فرأيت الحقيقة بعيني، والفارق أني لم أكابر ولم أخشى الاعتراف بالخطأ، فمنذ أول شهر فبراير ٢٠١١ وأنا في صف الثورة وحدث تغيير كامل في شخصيتي أدين به للثوار والثورة، شاركت من بعدها في كل الفعاليات محمد محمود وماسبيرو ومجلس الوزراء وكل ما له علاقة بالثورة كنت مشاركا فيه".
اعترف عطية بخطيئته في حق الثورة وحق شباب جيله، وفي حق نفسه قبل كل تلك الحقوق.. وتحول في غضون سنوات قليلة من "عيل بيتنطط" قبل الثورة إلى شاب شجاع يعبر عن رأيه بشجاعة وقوة، حتى لو كان مخالفاً للأغلبية، و يثور على كل ما يخالف إنسانيته ولا يحترم عقله، حتى لو ذلك له تأثير على سلبي مشواره الفني، أو حتى شطبه من نقابة الموسيقيين بسبب "كلامه في السياسة" كما حدث معه بالفعل!
هذا الإنجاز الأكبر الذي حققه محمد عطية، لم يحققه لا في الغناء أو الرقص. وإن كان من المفترض أنه صقل موهبته وطور من نفسه طوال تلك السنوات والخبرات، ليخرج بعمل يليق بفنان مصري شاب متعلم ودارس وفاهم، وقبل كل ده "موهوب".. عموما دعنا ننتظر ألبومه الجديد نهاية العام الجاري، كما صرح منتج الألبوم لـFilFan.com، لنحكم على تجربته الفنية، ونرى إن كان عطية نضج فنيا أيضا كما حدث في الحياة العامة والسياسة، أم سيكتفي بنضوجه العقلي فقط.