"الجيل الرابع".. درس لم يتعلمه أحمد نادر جلال من هيتشكوك

تاريخ النشر: الأحد، 27 سبتمبر، 2015 | آخر تحديث:
أحد أفيشات فيلم "الجيل الرابع"

ما الذي تعرفه عن ألفريد هيتشكوك؟

ربما يكون أغرب سؤال لبدء الحديث عن فيلم مصري كوميدي، بطولة أربعة من الممثلين الشباب وعدد من ضيوف الشرف. لكن في الحقيقة هناك علاقة ما يمكن دراستها، إذا ما أردنا أن نخرج من الفيلم بفائدة بأكثر من الاستمتاع. وهو ليس كبيرا بالمناسبة خلال فيلم "الجيل الرابع" للمخرج أحمد نادر جلال، والمؤلفين عمرو سمير عاطف ومحمد حماد ومحمد اسماعيل أمين ومحمد قنديل.

هيتشكوك بالطبع هو المخرج البريطاني الذي تحول لأيقونة في هوليوود، والذي صار اسمه علامة مميزة لنوعيات بعينها من الأفلام، لا علاقة لها من قريب أو بعيد بفيلمنا موضوع المقال. عموماً، أشهر معلومتين يمكن أن يعلمهما الجميع عن ألفريد هيتشكوك هما تقديسه للنجاح الجماهيري واستهانته بالممثلين. هو واحد من أكثر مخرجي التاريخ فهماً لما يريده جمهور السينما، الأمر الذي أدى لنجاحه المدوي وظلمه طويلاً بتصنيفه كمخرج تجاري خفيف، قبل أن يعيد نقاد الموجة الفرنسية الجديدة الاعتبار لمشواره ليصير مع الوقت أسطورة بأثر رجعي.

وهو أيضا المخرج الذي كانت أفلامه تروّج باسم صانعها مهما كانت نجومية أبطالها، وله مقولات شهيرة تخص علاقته بالممثلين منها "لم أقل أبدا أن كل الممثلين مثل الأبقار، ما قلته هو أن كل الممثلين يجب أن يعاملوا مثل الأبقار". وأيضا "عندما يأتي لي ممثل ليناقشني في الشخصية أرد بأن كل شيء موجود في السيناريو. وإذا قال: لكني أريد أن أعرف دافعي لأداء هذه الشخصية؟ أرد عليه: دافعك هو أجرك"!

بالطبع هذه المقولات تحمل خفة ظل هيتشكوك ومبالغاته الكلامية وتقديسه المفرط لذاته، لكننا نذكرها هنا لنوضح معادلة المخرج الكبير التي يمكن اعتبار "الجيل الرابع" يحاول استنساخها بشكل ما على الشاشات المصرية. المعادلة هي: مخرج كبير اسمه هو الأبرز بين كل العاملين في الفيلم، يصنع فيلماً لا يضم أسماء نجوم جماهيريين (مصدر الجذب الطبيعي لشباك التذاكر)، لكنه ليس فيلماً لإشباع رغبة صانعه الفنية، وإنما يهدف بوضوح للنجاح الجماهيري، القائم في هذه الحالة على الجودة الفنية والإمتاع الكافيين لجعل الفيلم يتمتع بسمعة جيدة تكفل له النجاح التجاري.

على هذا المستوى يمكن اعتبار هدف صناعة الفيلم جديراً بالاحترام، لأنه ببساطة يحترم الجميع: يحترم فن السينما فلا يسير وراء أسماء النجوم وينصاع لنزواتهم، ويحترم جمهور السينما فلا يصنع فيلماً للمتعة الذاتية لا يهتم بمن يشاهده. لكن بين الهدف النبيل والنتيجة المتوسطة، دروساً لم يتلقاها أحمد نادر جلال وورشة التأليف من سينما هيتشكوك!

شاهد- الإعلان الدعائي لفيلم "الجيل الرابع"

بين النجم والممثل الصاعد
لماذا يحب الجمهور مشاهدة النجوم؟ ولماذا ينجح فيلم بطولة نجم بينما لو تم تنفيذ السيناريو نفسه بالطريقة ذاتها ولعب بطولته ممثل مغمور لن يتمكن في الأغلب من تحقيق نفس النجاح؟

قياساً على أننا لا نمتلك في عصرنا الحالي نجوم شباك يمكن اعتبار موهبتهم استثنائية تصنع من "الفسيخ شربات"، والنجوم الموهوبين ليس أصحاب جماهيرية عريضة قادرة على إنجاح أو إفشال فيلم (مع استثناءات نادرة بالطبع). فيمكن القول بأن المحرك الرئيسي لتقبل الجمهور لنفس الحكاية من النجم هو حالة الألفة التي يكنها المشاهد لهذا الممثل. هذا وجه أعرفه وأحبه، طالما أثر فيّ وأضحكني وأبكاني، وأنا على استعداد لتصديقه والاقتناع بما يحدث له، حتى لو كانت حكاية لو رواها لي شخص آخر لا يمكن أن أبتلعها (ولا يوجد مثال أوضح حالياً من دفاع المئات المستميت على القصة منعدمة المنطق في فيلم "أهواك" فقط لأنهم يحبون بطل الفيلم ومستعدون لتقبل أي شيء يقدمه).

طالع أيضا-"أهواك".. والفروق الأربعة بين الفيلم والفيديو كليب

هل يعني هذا أن أي حكاية يستحيل أن تنجح دون نجم؟ قطعاً لا. لكنه يعني أن فرص النجاح تقل في غياب النجوم، وأن البديل الوحيد المناسب فنياً وجماهيرياً هو الجودة، وترجمتها في حالة "الجيل الرابع" الحبكة والمنطق والشخصيات. لا يوجد خيار آخر يمكن أن يجعل الجمهور يتابع بحماس حكاية تحدث لأربعة مراهقين لا يعرف منهم سوى أحمد مالك، سوى أن تكون الحكاية مثيرة ومشوقة من اللحظة الأولى، وأن تكون الشخصيات جذابة، وأن تتحرك الأحداث بحيوية وإيقاع ومنطق وإضحاك بالطبع. وإلا ستكون مشاهدة محمد سعد يلعب إحدى شخصياته أمتع وأكثر قدرة على النجاح، حتى لو كانت أقل في كل عناصر الجودة السابق ذكرها. لكن لا تنس: ما يُقبل من النجم لا يُقبل من غيره.

شاهد- الإعلان الدعائي الثاني لفيلم "الجيل الرابع"

حيلة سردية وشكل بنائي
يقوم فيلم "الجيل الرابع" على حيلة سردية وشكل بنائي. الحيلة السردية هي الفلاش فوروارد التشويقي، على طريقة السلسلة الكوميدية الأنجح في العالم خلال العقد الحالي "The Hangover"، التي يبدأ كل جزء منها بإجمال لما حدث في الليلة الماضية من غرائب في مشهد من الجزء الأخير من الفيلم، لنعود بعده للمسار الزمني الطبيعي لنرى كيف فعل الأبطال كل هذا. والشكل البنائي هو الكوميديا المنفجرة، التي تنتقل من مكان لآخر ومن حدث للتالي في رحلة يقابل الأبطال خلالها شخصيات غريبة وطريفة، وهو أيضا نفس الشكل البنائي للسلسلة الأمريكية.

"الجيل الرابع" يبدأ بسلسلة مخيفة من الاتهامات يتم توجيهها لأربعة مراهقين لا يبدو عليهم أنهم مصدر لمشكلة أكبر من مشاجرة حول فتاة. نقطة بداية مثيرة ومشوقة قطعاً، لكنها تضع مسؤوليات ضخمة على السيناريو. فمبدئيا نحن نعرف مصير الشخصيات: سيتم القبض عليهم معاً، وبالتالي لن نشك في أخطر لحظات الفيلم أن أحدهم سيموت مثلاً، وعندما يتشاجرون ويقررون الانفصال نعلم يقيناً أنهم سيتراجعون ويتحدون مجدداً. وبالتالي هذه البداية تفقد الفيلم قيمة سؤال "ماذا سيحدث للشخصيات؟" بتقديم إجابة مشوقة تجعل السؤال يتحول إلى "كيف سيحدث لهم كل هذا؟".

هذا يقودنا للمسؤولية الأهم، وهي إشباع كل ما أوحى به المشهد الأول من تشويق. صناع الفيلم صاروا ملزمين بتفسير قائمة الاتهامات الموجهة للأبطال، في صورة مشاهد وأحداث مثيرة ومضحكة، نفهم من خلالها كيف صاروا متهمين بالإتجار في المخدرات والانضمام لجماعة إرهابية واغتصاب ذكر بالغ وتخريب الممتلكات وغيرها من الجرائم التي تتلى في المشهد الافتتاحي. هذا الإشباع يرتبط بشكل البناء الدرامي، فالانتقال بين الأحداث يفترض أن يدخلهم في مشكلات توقعهم في هذه الاتهامات، لكن بشكل منطقي مقنع قابل للتصديق، وهنا تكمن المشكلة الأكبر في الفيلم.

هل سمعت عن الماك جوفين؟
الماك جوفين Mac guffin هو مصطلح أطلقه ألفريد هيتشكوك، استوحاه من رواية للبريطاني كيبلينج، وأصبح أداء رئيسية في معظم أفلامه. المقصود بالماك جوفين هو "الشيء" الذي تتنافس شخصيات الفيلم عليه. قد يكون هذا الشيء وثائق تجسس سرية أو ماسة نادرة أو حقيبة مليئة بالنقود أو مفتاح لغرفة ما. مضمون الماك جوفين يحدده عالم الفيلم، لكن يبقى دوره في الدراما واحداً، وهو تحريكها ودفعها للأمام بجعل إرادات الشخصيات تتصادم، فحياتهم كانت لتستمر دون صراع بينهم لولا أن أصبح لكل منهم أسبابه للتنافس على الماك جوفين.

رأي هيتشكوك الذي قاله قبل أكثر من نصف قرن ولا يزال صالحاً لليوم، هو أن أكبر خطأ يقع فيه كُتّاب السيناريو هو إعطاء كل اهتمامهم لهذا "الماك جوفين"، يحاولون جعله شيئاً مهماً وحيوياً، ذكياً غير معتاد، ويتفنون في صياغة علاقة الشخصيات به. بينما يرى المخرج الكبير أن كل هذا إهدار للطاقة وعدم فهم لقيمة الأداة في الدراما. ويؤكد أن هذا هوية هذا الشيء غير مهمة إطلاقاً، وإنما المهم هو كيفية صياغة الدراما حوله ودفعها من خلاله. باختصار لا يهم أن تتصارع الشخصيات حول صندوق فارغ أو آخر يضم أسرار الكون، لكن يجب أن يكون صراعهم منطقي يتحرك بشكل مثير متصاعد نحو الذروة.

الماك جوفين في "الجيل الرابع" هو صندوق الحشيش الذي يأخذه أحدهم بالخطأ من صديقه موّزع المخدرات (يتحول لاحقاً إلى مبلغ مالي وربما أشياء أخرى لكن نقطة الانطلاق كافية لتوضيح الغرض). مؤلفو الفيلم اجتهدوا بشدة في صياغة فكرة الماك جوفين، الذي وضع المراهقين الأربعة في لحظة ضد إرادتين هائلتي الحجم هما تاجر المخدرات الراغب في استعادة بضاعته وجهاز الشرطة الذي سلموه بأيديهم ممنوعات تحمل اسمائهم. على مستوى "هوية الشيء" هو اختيار ناجح، لكن وطبقا لنصيحة هيتشكوك، على مستوى صياغة الدراما حوله، معظم الاختيارات شديدة الضعف.

لاحظ حجم المصادفات والمبالغات الآتية فقط في الحدث الذي يدفع الدراما لبدايتها (لن نزيد أكثر حتى لا نقوم بحرق القصة، لكن تأكد أنها تسير بنفس المنطق): أحد الأصدقاء يتشاجر مع والدته لسبب ما لا نعرفه، فيقرر الذهاب للإقامة عند صديق يعمل موزع مخدرات، يتصادف هذا مع عيد الحب وقيام الموّزع باستخدام علب الهدايا في إخفاء الحشيش، ويتصادف مع دخول قريب الفتاة التي يحبها أحد الأربعة لإجراء جراحة، فيقرر زيارتها في المستشفى حاملاً علبة من الشوكولاتة، يقوم الموّزع من النوم ليأكلها ويضع الحشيش بدلاً منها، فيأخذها الصديق دون أن يعلم محتواها إلى صديقته، ويفوم آخر متطوعاً بكتابة أسماء الأصدقاء الأربعة ورقم تليفون أحدهم، ليتضح أن كل أقارب الفتاة يعملون في مباحث المخدرات، ويتصادف أن يطلب كبيرهم أن يأخذ أحد علب الهدايا التي جاءت للمريض لأن لديه زيارة مهمة في اليوم التالي، فيكون نصيبه بالطبع هو العلبة المليئة بالمخدرات!

نحن هنا نتحدث عن مساحة زمنية لا تتجاوز العشر دقائق من زمن الفيلم، لكنها دقائق محورية تقوم عليها دراما الفيلم بالكامل. دقائق ضمت أكبر عدد يمكن تخيله من المصادفات ومن الشخصيات التي تتصرف كالبلهاء بعيداً عن أي منطق يمكن تصديقه. هذا شكل نموذجي يمكن من خلاله شرح نظرية هيتشكوك: الشيء المختار لتدور المغامرة حوله ذكي ومناسب كفكرة لتجميع عدد من الإرادات المتصارعة، لكن تحويل هذه الفكرة إلى بناء درامي جاء ضعيفاً مليئاً بالثغرات.

هل تكفي الموارد لسد الثغرات؟
نعود مجدداً لسؤال النجم والممثل الصاعد، لنشير لأن هذه الهشاشة في البناء الدرامي تخص فيلم أشهر أبطاله هو أحمد مالك. لأن نفس العيوب والثغرات كان من الممكن أن تمر بل ويضحك عليها الجمهور لو كان بطل الفيلم هو أحمد حلمي مثلاً. ليس لعيب في مالك وزملاءه، لكن لأنهم ببساطة لا يملكون الألفة مع المشاهدين التي تمنحهم رفاهية تجاوز المنطق.

أضف إلى ما سبق أن مشكلة البناء الدرامي في باقي أحداث "الجيل الرابع" لا تقتصر على ضعف الدراما المحيطة بعلاقة الشخصيات ببعضها وبالشيء الذي يتنافسون عليه، بل تمتد لغياب المنطق الحاكم لترتيب أحداث الفيلم. فهناك بعض المشاهد المضحكة والمصنوعة بشكل جيد، وبعض المشاهد المملة القائمة بأكملها على نكتة أو فكرة أنسب لكوميك comic مكون من أربعة صور لا غير. لكن هذه المشاهد لا تتحرك وفقاً لمنطق سردي محكم يجب أن يكون فيه مشهد 21 تالياً ل20 وسابقاً ل22، بل أن كثير من تتابعات الفيلم يمكن تقديمها وتأخيرها، بل وحذف بعضها، دون أن يخل هذا كثيرا بمسار العمل.

رُبع الكوب الممتلئ
هل يعني هذا أن "الجيل الرابع" فيلم سيء؟ بالتأكيد لا. فهناك الكثير من النقاط الإيجابية في التجربة، على رأسها معادلة صناعة الفيلم التي تحاول الخروج من سجن نجوم الشباك، وقدرة المخرج على أن يصنع مشاهد كبيرة ومكلفة داخل فيلم بلا نجوم، وظهور بعض ضيوف الشرف بشكل جيد وعلى رأسهم بيومي فؤاد والصاعد محمود حافظ (في دور الضابط الصغير الذي تعلم ضعف الحيلة من رئيسه). لكن العناصر الإيجابية لم تكن كافية أبداً لمداراة العيوب.

"الجيل الرابع" تجربة من الصحي أن تتواجد في السينما المصرية، لكنها كانت بحاجة لأن يعلم صُناعها أنهم لا يملكون ترف التهاون في أشياء قد تُقبل في سياق آخر.

تعرف على مواعيد وأماكن عرض فيلم "الجيل الرابع" عبر دليل السينما المقدم من FilFan.com