غالية بنعلي تلك السيدة التونسية الأربعينية السمراء التي ترتدي أزياء تشبه غجر أوروبا كانت تحتفل بتواجدها في القاهرة بطريقة مبهرة في حي الزمالك.
وفي نفس التوقيت الذي كانت تلك الغجرية تغني في القاهرة كان الأهلي يهزم الترجي في تونس، وانتشرت الأعلام التونسية في قاعة النهر في ساقية الصاوي بسبب سعادة أبناء بلدها بتواجدها وإطلالتها.
وبعد دقائق مع بداية الحفل تمكن الشياطين الحمر من التقدم بهدف في عقر دار الترجي فحاول أحدهم أن يحتفل بالهدف ولكن قال له أحد الحاضرين "اهدأ إحنا مش في استاد!".
ما لفت الانتباه إلى أن البعض يصر على إقحام الكرة في الفن مثل جمهور "الهضبة" و"نجم الجيل" وإصرارهم على تحويل التعاون الموسيقي أو الاستماع لمطرب إلى انتماء لا يمكن معه وجود الآخر على الساحة والمسرح إلى استاد وهتافات ذات طابع كروي رغم بعد المسافة بين الفن والرياضة!
وجاء حفل غالية بالصدفة ليثبت أن الفن لا يمكن التعامل معه بأساليب الرياضة.
ملمح 1: مصرية أم تونسية؟
يبدو أن إتقان غالية للهجة وغناء الكثير من التراث المصري لم يكن كافيا لتظهر تأثرها بالثقافة المصرية فقررت أن تندمج أكثر مع جمهورها.
قمة التفاعل بين غالية وجمهورها الكبير نسبيا مقارنة بتلك النوعية من الموسيقى كانت خلال أدائها أغنية أم كلثوم "ألف ليلة وليلة".
واستغلت غالية بذكاء تلك الحالة التي لاحظتها فورا وبادرت بإلقاء النكات حتى وصلت أن تقول "أحبيب" تندرا على الطريقة التي ينطق بها البعض في مصر تلك الكلمة.
وحين تجاوب الجمهور فكانت الثانية حين قالت: "والله العظيم أم كلثوم كانت بتقول أحبيبي مش إيفيه يعني".
ملمح 2: "أنا جامدة جدا"
لجأت غالية في أكثر من مناسبة خلال الحفل إلى تكرار نفس الكلمة أو الجملة لثواني وربما دقائق وأي كان الغرض الفني لكن ما كان جليا هو استعراضها مهاراتها.
فكانت غالية تعيد نفس الكلمة ولكن بطبقات وطريقة مختلفة مع كل نطق ولا تخرج عن الموسيقى إطلاقا وكأنها ترقص.
ولم تكتف غالية باستعراض قدراتها وحدها ولكن كانت أغنية "يا مسافر وحدك" فرصة لفرقتها الموسيقية لتظهر هي الأخرى مهارات استثنائية.
فطلبت غالية من كل عازف أن يقدم للجمهور جزء من الأغنية بشكل منفرد وهو ما لاقى استحسان كبير من الجمهور.
ملمح 3: حضور ديني وتونسي
بعد إحدى أغنيات غالية بنعلي قررت أن تتحدث قليلا عن أمر عرفته في مصر لأول مرة على حد قولها.
وهنا تحدثت غالية عن الديانة المسيحية باللغة العربية: "في تونس الوضع مختلف كلنا مسلمين، أعرف مسيحية الغرب فقط بحكم تواجدي في بلجيكا". وهنا هنأت غالية مسيحيي مصر بعيد السيدة العذراء الذي كان يوافق يوم الحفل.
وولدت غالية في بلجيكا وانتقلت وهي صغيرة إلى تونس وبعد إنهاء دراستها في الثمانينات عادت إلى مقر ولادتها.
ثم قررت غالية أن تنشد الحضرة الصوفية "والله ماطلعت شمس ولا غربت".
وكان المشهد الأخير من الحفل أكثر إثارة حين تركت غالية المسرح وذهبت لواحدة من الحضور وحصلت منها على علم تونس وبعدها علم مصر "الواحد بينسى حاجات كتير لكن ما بينسى أصله".
وانطلقت بعد ذلك في ترديد بعض الأغاني التونسية كانت أشهرها "لاموني اللي غاروا مني" و"سيدي منصور".