منذ عرض الحلقة الأولى للمسلسل الكوميدي "سيلفي والهم خلفي"، الذي يقدمه الفنان ناصر القصبي منذ بداية موسم رمضان 2015، والجدل يلاحق كل موضوعات المسلسل بداية من اتهامه بالسخرية من الرموز الدينية في الحلقة الثانية للمسلسل، ولكنه سرعان ما حول الانتقاد اللاذع إلى إشادة واسعة بعد الحلقة التي انتقد فيها ممارسات تنظيم "داعش" الإرهابي.
لم يكن وسم #سيلفي المظهر الأوحد للتعبير عن الانتشار الكبير للمسلسل، نعم حصل الوسم على أعلى المراتب على مستوى المملكة العربية السعودية بشكل خاص والعالم العربي بشكل عام، لكن تصدر أيضًا المسلسل اهتمامات صحف المملكة وأبرزها الشرق الأوسط والحياة اللندنيتين.
الإعلامي السعودي حسن شبكشي كتب في صحيفة "الشرق الأوسط"، أن الموجة المهولة من التفاعل التي وقعت بعد حلقة مسلسل "سيلفي" الذي يعرض على شاشات إحدى المحطات الفضائية خلال شهر رمضان المبارك كانت صادمة لما احتوتها من كم هائل من السباب واللعن والتكفير والتهديد الصريح والعلني بالقتل بحق بطل العمل الدرامي الممثل السعودي ناصر القصبي، وكاتب العمل خلف الحربي، والتفاعل الأهم كان بخصوص حلقتين تعرضتا للتنظيم الإرهابي المعروف باسم «داعش» واللتين تبنى فريق العمل اسما لهما "بيضة الشيطان".
ويضيف خلال مقاله المطول أن الدراما هي أحد أهم أنواع النقد وفضح الإجرام الحاصل باسم الدين، فلقد عرت تمامًا وحشية هذا التنظيم وفكره المدمر الخطير، وهبت مئات الأسماء تهاجم أصحاب العمل بحجة إهانة "الدين" و"رموزه"، والغريب أن الكثير من المهاجمين كانوا ينددون بـ"داعش" وأفكاره ويقولون إنها ليست من الإسلام في شيء، ولكن على ما يبدو أن هذه الأقوال لم تكن عن قناعة أبدا.
الإعلامي داود الشريان كتب للحياة اللندنية مركزًا على أن مسلسل "سيلفي" الذي حظي بحفلة شتيمة تعتبر سابقة، وأصبح بطله ناصر القصبي، ومؤلّفه خلف الحربي، معرَّضَيْن للتكفير، والتهديد بالقتل، مشيرًا إلى أن المسلسل أوجع المروِّجين لما يُسمى "الجهاد في سوريا والعراق"، وكشف الكذب الذي تمارسه هذه التنظيمات الإرهابية، ودورها في خطف شبان سعوديين، وتحويلهم إلى وقود في هذه الحروب الكافرة.
وأنهى الشريان مقاله بقوله "لا شك في أن سخرية سيلفي كشفت، على نحو مبدع، خطاب التحريض الذي غرّر بشبابنا، وجرّهم إلى حروب ملتبسة".
حمد الماجد "أستاذ في جامعة الإمام بالرياض"، قال خلال مقال نشرته صحيفة الشرق الأوسط، إن سلامة الغاية لا تعني بالضرورة سلامة الوسيلة فالأب الذي يوبخ ابنه ويعنفه بحجة ارتكابه أخطاء، قد يساهم في استفحال المشكلة، و"سيلفي" الذي يقول إنه يريد معالجة مشكلة الإتجار بالدين، وهذه غاية سليمة ومشكلة موجودة، وقع في وسيلة خاطئة وهي الإساءة إلى بعض شعائر الدين وممارساته، وكذلك السخرية من العربية الفصحى، ناهيك ببعض التعميمات الموهمة.
ويضيف الماجد، الذي يبدي في المقال اعتراضه على بعض المشاهد في "سيلفي"، المؤلم أن المحتفين بـ"سيلفي" تحدثوا عن فضح المحرضين من المشايخ وطلبة العلم الذين يشحذون همم الشباب للالتحاق بـ"داعش" وكل حركة إرهابية متطرفة، وهذا أيضًا توصيف خاطئ وتدليس مكشوف، فمن يرصد أدبيات الأغلبية الساحقة لشريحة المشايخ وطلبة العلم داخل أو خارج المؤسسة الرسمية بل وحتى المثقفين والإعلاميين والمغردين المحسوبين على الفئة "المحافظة" في المجتمع، منهيًا: "العمل الفني الذي ينقد ظاهرة ويستفز مثل الطبيب الذي يقدم وصفته وهو يشتم، المريض لن ينتفع والظاهرة لن تتغير".
وتحت عنوان "سيلفي داعش.. الحقيقة والخيال"، قالت الكاتبة السعودية أمل الهزاني إن الدراما التي تلامس النفس مباشرة وتقدم صورة متخيلة في أذهان الناس توقظ إحساس الهلع والحذر بأنه لا أحد في منأى عن هذا الخطر، لذلك أحدث "سيلفي" تأثيرًا مذهلاً فاق كل تصور، وتفوق على كل صورة، وحصد ردود فعل واسعة ليس في السعودية فحسب بل في الخليج والعراق ومصر ولبنان، لأنه عكس واقع الحياة داخل التنظيم، ما يستحق معه أن يترجم للغات كثيرة.
وأبدت الهزاني إعجابها بقصة الأب الذي ابتلي بابن فر إلى سوريا ليلتحق بالتنظيم، فما كان من الأب إلا أن لحق به بدافع الحنان والحماية الأبوية لإنقاذه، وحينما التقى بابنه ظن أن طريق العودة سهل، لكنه تورط بالبقاء ليشهد ممارساتهم التي لم يقبلها ضميره ولا عقله، منها جلد مراهق لأنه استمع للموسيقى، وعرض سوق للنساء السبايا؛ مغانم الهجمات التي ينفذونها على القرى الآمنة، ليتخذوهن زوجات فيما عرف بـ"جهاد النكاح"، المسلسل كوميدي، كسر هيبة التنظيم وسخر من أعضائه من خلال نص مميز أضحك المشاهدين، لكنه أبكاهم في المشهد الأخير حينما تم نحر الأب على يد ابنه.