FilFan.com
FilFan.com تاريخ النشر: الخميس، 30 أبريل، 2015 | آخر تحديث:
نزار قباني

وإن كان ذاك الفتى يكره شعر التفعيلة -الحر غير الملتزم بوزن وقافية- لا يجد فيه ضالته المنشودة، تلك الموسيقى التي عشق الشعر لأجلها، إلا من يتعرف لأول مرة على نتاج السوري نزار قباني، لم يسعه إلا أن يمتدحه، حرًا كان أم منظومًا، رومانسيا أم سياسيا، بصم بالعشرة هذا الشاعر عبقري، الفتى المشار إليه هو كاتب النص.

منذ 17 عامًا، يوم 30 إبريل عام 1998، أعلن النبأ، في هدوء وإثر أزمة قلبية، غيّب الموت شاعر الحب والحرب نزار قباني في منزله بلندن، وأوصى الأخير أن يدفن بمسقط رأسه دمشق في وصية جاء فيها: "دمشق الرحم الذي علمني الشعر، الذي علمني الإبداع والذي علمني أبجدية الياسمين".

قبر نزار قباني


تحت ذلك الشاهد يرقد جثمان شاعر لم يجتمع العرب على مثله منذ وفاة أمير الشعراء أحمد شوقي، تعدت مدة عطائه الشعري نصف القرن، أصدر خلالها 35 ديوانا، أولهم حمل عنوان "قالت لي السمراء" أصدره عام 1944 وهو لازال يدرس الحقوق بالجامعة السورية التي تخرج فيها عام 1945 وعمل بالسلك الدبلوماسي.

نجح نزار في الجمع بين عمله بالسلك الدبلوماسي بجانب الشعر لمدة فاقت 20 عامًا، إذ تقدم باستقالته من وظيفته بالخارجية السورية عام 1966، بعد عشر سنوات من مطالبات رجال الدين في سوريا بفصله من عمله بعد تأليف قصيدة "خبز وحشيش وقمر"، التي انتقدت المجتمع العربي وساسته ورموزه.

منذ صدور ديوانه الأول عام 1944 وحتى عام النكسة 1967 عرف نزار بأنه شاعر المرأة والحب والرومانسية، حتى أن البعض تجاوز الأمر وعرفه كشاعر إباحي -فشعر نزار كثيرًا ما حمل معانٍ إباحية- إلى أن جاءت النكسة وتحول نزار لشاعر ثائر ناقم على ما يحيط بالعروبة من نكبات متتابعة أفضت إلى احتلال الأرض، فعبر عن هذه الفترة بعدة قصائد نارية أهمها: "هوامش على دفتر النكسة"، "الهرم الرابع في رثاء عبد الناصر"، "تقرير سري جدا من بلاد قمعستان".


إذا خسرنا الحربَ لا غرابهْ
لأننا ندخُلها..
بكلِّ ما يملكُ الشرقيُّ من مواهبِ الخطابهْ
بالعنترياتِ التي ما قتلت ذبابهْ
لأننا ندخلها..
بمنطقِ الطبلةِ والربابهْ

استمع إلى تقرير سري جدًا من بلاد قمعستان بإلقاء نزار قباني

في حياة نزار مآسٍ عدة أثرت بشكل مباشر على نتاجه الأدبي، فخلال طفولته انتحرت أخته بعد أن أجبرها أهلها على الزواج من رجل لم تكن تحبّه، وهو ما ترك أثرًا عميقًا في نفسه، ووصف نزار موت أخته بقوله: "صورة أختي وهي تموت من أجل الحُبّ محفورة في لحمي، كانت في ميتتها أجمل من رابعة العدويّة".

نزار قباني في طفولته


ولم تكتف الأقدار عند هذا الحد من العبث مع نزار ففي عام 1973 توفي ابنه توفيق الذي كان طالبًا بكلية طب القصر العيني بالقاهرة، وقد نعاه نزار بقصيدة "الأمير الخرافي توفيق قباني"، وما كاد الأب المكلوم يفيق من فقد عزيزه إذ بادرته الدنيا بلطمة جديدة، قتلت زوجته الثانية عراقية الأصل بلقيس الراوي في حادث تفجير السفارة العراقية عام 1982.

وحمل نزار الوطن العربي كله مسؤولية قتل زوجته بلقيس بقوله: ":سأقول في التحقيق.. اني قد عرفت القاتلين..
بلقيس..يافرسي الجميلة..إنني من كل تاريخي خجول
هذي بلاد يقتلون بها الخيول..
سأقول في التحقيق:
كيف أميرتي اغتصبت..
وكيف تقاسموا الشعر الذي يجري كأنهار الذهب
سأقول كيف استنزفوا دمها..
وكيف استملكوا فمها..فما تركوا به وردا
ولا تركوا به عنبا..
هل موت بلقيس..هو النصر الوحيد في تاريخ كل العرب؟"

مذ ذلك التاريخ، رأى نزار أن الحياة في الوطن العربي بأسره لا تناسبه، خرج من لبنان لأوروبا محملًا بحسرة بالغة على زوجته القتيلة، ظل لسنة ينتقل بين باريس وجنيف، إلى أن استقر به الحال في عاصمة الضباب لندن، ظل بها خمسة عشر عامًا صدر له خلالها 16 ديوانًا كان أهمها: "قصائد مغضوب عليها"، و"الأوراق السرية لعاشق قرمطي"، "خمسون عاماً في مديح المساء".