"حلم" هبة طوجي 5/5

تاريخ النشر: الأحد، 28 ديسمبر، 2014 | آخر تحديث:
هبة طوجي

ربما لا يوجد ما يدعى الكمال، لكن دعنا نشير إلي من اقتربوا إليه.

من تلك البقعة السحرية التي تخصصت عبر السنوات في تصدير الجمال، تأتي اللبنانية "هبة طوجي" تتلو علينا ما تيسر من سحر الموسيقى والكلمات العذبة، اكتشاف العائلة الأهم في تاريخ الموسيقى العربية "الرحابنة"، من كلمات منصور وألحان أسامة تغني "مثل الريح" وهي أغنية من مسرحية "عودة الفينيق".

هبة طوجي في كليب "حلم"


صوت ساحر قوي لوجه صبوح يجبرك إجباراً على التدقيق في ملامحه، واضعا صوتها في خلفية خيالك لتكتشف أنك قد عبرت سموات لم تكن من داخليها يوما ما، هل أثنينا على جمالها، دعنا أيضا نتحدث لو قليلا عن أنوثتها التي تقتحم روحك مع كل لفتة، مع اختياراتها الملائكية لملابسها، لابد أن أحدهم كان يفكر في شكل حوريات الجنة حتى يخرج لنا هذا العمل بهذا الشكل.

مثل الريح، كلمات منصور رحباني وألحان وتوزيع أسامة رحباني

عموما هذه ليست أغنيتنا المنشودة، دعنا نتفق على بعض النقاط قبل أن نطلق على أي أغنية ذلك اللقب الصعب "الكمال".

حتى تصل أغنية إلى الكمال يجب أن تتجانس جميع عناصرها حتى تقدم لوحة متكاملة، لابد أن يشعرك اللحن بكل حرف كتبه صاحب الكلمات، يجب أن تشعر بأن الملحن قد وصله شعور الكاتب، وأن دوره أصبح التعبير عن ذلك الشعور بنغمات تنقل لك الإحساس المطلوب الوصول إليه عند سماع الأغنية، يأتي بعد ذلك دور الموزع الذي يصيغ الحالة الموسيقية للأغنية، ومعه بالتأكيد العازفين ومهندس الصوت، يصل إليك عمل مكون من عدة عناصر، بشكل أو بأخر قد يكون هناك شخص واحد يتحكم في كل هذا، وربما يكون الأمر قدري بحت، فقط كل الأطراف أدت المهمة بنجاح، والآن تصل الأغنية إلي يد مخرج الفيديو الكليب ليبدأ مرحلة جديدة من العمل مع عدد من الأشخاص يصل إلى أضعاف صانعي الأغنية موسيقياً، وأخيراً أنت أمام "حلم".

هبة طوجي في كليب "حلم"


الأغنية ببساطة شديد توصف بأنها "حلم" بكل ما في عالم الأحلام من مشاهد متضاربة وأحاسيس مختلفة، عالم الأحلام الذي يحمل التناقض الشديد في تفاصيله، ذلك المشهد السينمائي الذي يمر به الإنسان في نومه، مشهد من إخراج عقله الباطن، يجمع فيه تفاصيل ما التقطه على مدار يوم أو شهور وأحيانا سنوات.

استطاع "غدي رحباني" التعبير عن الحلم باقتدار شديد بداية من محاولته لوصف حالة الحلم في بداية الأغنية.

متل كأنو الخريف واقف على الباب
متل كأنو الرصيف ناظر الأحباب
لا تحاكوا لا تودعوا و تفارقوا وتوجعوا
متل شي مطر فضي فرق الأصحاب

ثم تصل قمة الحيرة في وصف مشاهد الحلم لمرحلة تكاد تكون أدق حتى من أن تذكر في أغنية حيث يقول غدي في كلماته على لسان هبة:

كل ما أقرب بوقع والحيطان بتوسع وبيضيع الطريق
كل م احاول أقرب شو عم شوف أغرب من السر الغريب

تخيل نفسك تحاول وصف حلم، ما الذي قد يدفعك إلى تخيل هذه الصورة الدقيقة المفعمة بالأحاسيس؟!

متل كأنو لمسه أو غمرة ثياب
اتلامسوا وتوانسوا وتعانقوا وتباوسوا

كيف استطاع أن يصف حالة ارتداء الملابس بالعناق والقبلات؟!، غدي فعلا يستحق العلامة الكاملة على هذه الكلمات، يبقى أن نقول أن تسائل غدي في محله تماما.

ليش الحلم ما بيوعى إلا بالغفى؟!

عندما نتحدث عن لحن الأغنية والموسيقى يفضل جدا أن نصمت تماماً، اترك روحك لتعبث بها خطوط الوتريات والبيانو والباص جيتار، هذه الموسيقى التي استطاعت وصف الكلمات إيقاعاً ولحناً بمنتهى الكمال، لن تستطع الكلمات أن تصفها أبداً، أسامة رحباني تعملق في هذه الأغنية.

الحديث عن غناء هبة أيضاً ليس بالأمر السهل، هبة تجمع في صوتها قوة لا يستهان بها، لكن تعرف جيدا متى تعتمد على نعومة صوتها الأنثوي إلى ما لا نهاية، هبة تستحق أن تحتل خلال سنوات مكانة نجوم الصف الأول اللبناني والعربي، يبقى أن أمامها تحدي كبير حيث أنها من بلد السيدة "فيروز" التي حفرت مكانتها في قلوب مستمعيها على مستوى الوطن العربي كله عن طريق مشوار طويل وإنتاج غزير بمستوى عالي الجودة، بالإضافة إلى وجود العظيمة "جوليا بطرس" التي تعمل في صمت على تكوين إمبراطورية غنائية كبيرة على نهج السيدة فيروز، لكن أثق تمام الثقة أن هبة تقدر على هذا التحدي.

وأخيرا بعد أن تشاهد الكليب أرجوك أن تبحث عن اسم المخرج حتى تكتشف لماذا خرج الكليب مطابق للكلمات مطابق للحن وكأن الحالة قد خلقت كاملة دفعة واحدة، وتمتع بروعة تصاعد الأغنية على مستوى الكلمات واللحن والموسيقى والمشاهد البصرية بصعود هبة إلى سطح القمر، أقسم لك أنك ستشعر فعلا مع صرخة هبة أنك قد وصلت سطح القمر.

هذا المقال جزء من سلسلة مقالات تتحدث عن أغاني العلامة الكاملة، الأغاني التي تستحق تقييم الخمس نجمات الشهير، لذلك كان حتميا أن يكون أول مقال في تلك السلسلة عن "حلم".

حلم هبة طوجي من كلمات غدي رحباني وألحان وتوزيع أسامة رحباني

ناقشني عبر تويتر