كان جمهور الكرة، فيما مضى، يهتف "دي مش كورة .. دي مزيكا" للتعبير عن إعجابه بأداء فريقه، الأداء الذي تحول من مجرد تناقل الكرة وتسجيل الأهداف إلى مقطوعة فيها من المتعة والتناغم والدقة ما جعله يرتقي إلى مرتبة الموسيقى.
ولكن يبدو أن بعض من جمهور الموسيقى حاليا لم يستمع إلى هذا الهتاف الذي بات "موضة قديمة" حتى حينما كانت الملاعب لا تزال تستقبل المشجعين.
حركات ما يُطلق عليها أولتراس الفنانين غير مدركين أن ما ينطبق على الكرة لا ينطبق بالضرورة على الموسيقى، بل وقد يكون عكسها تماما أحيانا.
فحركات أولتراس الكرة دائما ما تؤكد على مؤازرة وتشجيع النادي - أو "الكيان" كما يحلو لهم تسميته -ويحاولون دائما وأبدا إبعاد عن نفسهم شبهة تشجيع أشخاص، ومستعدون دائما أن يبرهنوا على هذا التوجه بمهاجمة بعض مسؤولي ناديهم، أو مدربيه ولاعبيه حينما يقتضي الأمر.
في المقابل، فإن أولتراس "تامر" أو "دياب" أو "حماقي" أو "منير" على النقيض تماما، فهم يتبعون أشخاصا، ما يعني بالضرورة أن أي مجموعة منهم لا تتمكن - ولا ترغب في الحقيقة - في توجيه أي نقد إلى هؤلاء الفنانين.
ما مصير هذه المجموعة أو تلك إذا غيّبت ظروف ما النجم المفضل؟ هل تخضع لحل نفسها ذاتيا؟ هل يتم التصويت على تشجيع نجم أخر؟ هل تنقسم إلى روابط أصغر تتجه كل منها لاختيار ما يرونه الخليفة المنتظر لهذا النجم والحامل لرايته؟ لا أدري حقيقة .. ولكن ما أعرفه أن أسئلة كهذه لن تواجه أبدا مشجعي الكرة.
فارق أخر جوهري بين الكرة والموسيقى، أن الأولى - بالضرورة - بها فائز واحد فقط، هو صاحب المركز الاول، ولقب البطولة، والميدالية الذهبية، وكل من يليه من الثاني إلى الأخير خاسرون. أما في الموسيقى، فالأمر ليس كذلك.
فغالبا هناك من يحب الاستماع إلى عمرو دياب ومحمد منير وتامر حسني ومحمد حماقي، ولكن من المستحيل أن تجد من يشجع الأهلي والزمالك والإسماعيلي والاتحاد السكندري معا!
قديما، كان هناك تنافس بين عبد الحليم حافظ وفريد الأطرش طوال العام، يصل أوجه في أعياد الربيع، ولكن من كان يذهب إلى حفل العندليب لا يحمل كراهية عميقة لفريد أو رغبة في فشل حفله وخلوه من الجمهور، بينما من يشجع ريال مدريد يتمنى أن يخسر برشلونة وينحدر به الحال، وينال قدرا من الذل يكفي للتشفي في جمهوره.
بالطبع ساهم في تكوين ثقافة "التنافس وليس التكامل" في الموسيقى كل الاعيب التسويق منذ اول تصنيف لشعبية الأغنيات الأمريكية والذي طرحته مجلة "بيلبورد" في عام 1940 إلى "أجمد سبعة الساعة سبعة" اليوم، وهي الحيل التي جعلت بعض المستمعين يعتقدون ان المركز الثاني في تصنيفات الشعبية والمبيعات يعتبر هزيمة، ما استتبعه ضرورة تكوين الروابط الداعمة، والشارية، والمصوتة في الاستفتاءات حتى يحصل النجم على المركز الأول.
النقل الكاربوني لفعل التعبير عن الانتماء لفريق كرة إلى الموسيقى يبدو، بخلاف سذاجته، غير ملائم أصلا لطبيعة هذا الفن الذي تتجمع مجهودات العاملين به للدفع في اتجاه الحب أو الحرب أو الغضب أو الثورة أو السلام .. فحتى مع تنافسهم جميعا، لا يوجد بينهم من سيتم تتويجه "بطل أغاني الحب" أو "حامل لقب دوري أبطال الأغاني الثورية".
دي مش كورة.. دي مزيكا.