قبل أن تبدأ في قراءة السطور التالية، عليك أن تحذر من من التالي، ستقرأ مقدمة قد تجدها "طويلة ومملة"، ولكنها تبدو ضرورية ارتباطا مع ما يتداوله بعض الجمهور مؤخرا، وإذا كنت لم تشاهد الفيلم بعد .. فاحذر من بعض الفقرات (قد) تساهم في "حرقه".
هل حسمت قرارك؟ إذا لنبدأ ..
عندما تتحدث عن فكرة الاقتباس عليك أولا أن تجاوب على تلك الأسئلة: هل الفيلم الذي شاهدته مقتبس بأكمله؟ هل جميع الشخصيات المتواجدة بالفيلم العربي لهم نظراء بالعمل الأجنبي؟ هل الملابس والديكورات مقتبسة هي الأخرى، هل هناك حوارا أو أكثر تم اقتباسه؟ وقبل كل تلك الأسئلة .. هل الفيلم العربي الذي شاهدته قبل أيام تم تنفيذه بشكل سيء؟
الفيلم عندما يكون مقتبسا بشكل كامل فيما يخص السيناريو، يكون لزاما على صناعه كتابة تنويها في المقدمه، وهو ما فعله حلمي وفريق عمل فيلم "1000 مبروك" عندما كتبوا تنويها عن أن فيلم تم اقتباسه من إحدى الروايات الإغريقية.
الفيلم أيضا إذا كان مقتبسا من نظيره الأجنبي تكون هناك العديد من الشخصيات قد تم اقتباسها، ليصبح العمل "مقتبسا" كاملا بقصته وأشخاصه.
الفيلم المُقتبس أيضا قد تجده يحمل "روح" الفيلم المقتبس منه فيما يخص الديكورات والملابس، وأن تختفي منه "الروح المصرية" لتحل محلها أخرى أجنبية.
حاول الإجابة على الأسئلة السابقة، هل فيلم "على جثتي" فيلما مقتبسا من الألف إلى الياء؟ هل شاهدت من قبل فيلما أمريكيا أو يحمل أي جنسية أخرى يضم تفاصيل فيلم أحمد حلمي؟ هل شاهدت في "على جثتي" ديكورات أو "روحا" لفيلما آخر؟
الآن ننتقل للسؤال الأهم، ما هو تقييمك للفيلم؟ هل تم تنفيذه بشكل سيء أم أجاد صناع في تنفيذه؟
لن أجيب عن الأسئلة أعلاه، سأتركها لك، ولكني لا استطيع من نفسي من الرد على السؤال السابق!
"على جثتي" أحد أفضل الأفلام التي تم تنفيذها مؤخرا، ومصطلح "مؤخرا" هنا يشمل العشر سنوات الأخيرة، كما أن الفيلم يحتل مرتبة متقدمة للغاية في تاريخ أفلام حلمي الذي يضم أفلام مميزا نشاهدها جميعا حتى الآن.
وهو ما يدفعنا لاقتحام منطقة قد تبدو حساسة لإحدى الفئات، ومثيرة للهجوم لفئة أخرى، لماذا الهجوم المستمر على أي عمل فني مصري محترم؟
عند عرض فيلما مميزا تكون الجملة الأشهر بين الجمهور وبعض الصحفيين "ياترى مسروق من أنهي فيلم"، وكأن البعض يكره أن يشاهد عملا مميزا وسط كم الأفلام الرديئة التي تُنتج يوميا على يد من تعرفونهم جيدا.
قد يكون مؤلف "على جثتي" تأثر بفكرة ما بهذا الفيلم أو ذاك، ولكن الفيلم بأكمله لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ننعته بوصف "المسروق"، ولا يوجد فيلما أجنبيا يحمل كل هذه التفاصيل التي جاءت بفيلم "على جثتي" سواء على مستوى السيناريو أو الإخراج.
وبعيدا عن فكرة الاقتباس .. فإن "على جثتي" يحمل كثيرا مما يستحق الحديث عنه.
"بلبل حيران" و"إكس لارج" كانا فيلما جيدان بلا شك، كل منهما حمل فكرة ممتازة وتألق خلالهما حلمي، ولكن عند مشاهدتك لأي منهما تشعر وكأن شيئا ما مفقودا، لا تعلم إذا كان في السيناريو أم الحوار أم أداء طاقم الممثلين "بالطبع هو أولا وأخيرا رأيا شخصيا لي، قد تكون شاهدت عكس ذلك".
في فيلم "على جثتي" شعرت خلال المشاهدة أن حلمي تجاوز هذه النقطة، وخرج الفيلم بشكل جيد للغاية، "حبكة درامية" مصاغة بشكل رائع، تعامل إخراجي مميز من المخرج محمد بكير، والنقطة الأهم .. أداء حلمي وزملائه.
ما الذي ميز حلمي عن أقرانه في السنوات السابقة وجعله النجم الأول للكوميديا في مصر؟ حسبما قالت أغلب الاستفتاءات واستطلاعات الرأي، أداء ثابت واختيار دقيق لأفلامه، وعدم الاعتماد على "كوميديا الإفيه" التي أطاحت بالعديد من زملائه سابقا، وعطلت مسيرة آخرين، أضف على ما سبق شيئا جديدا أصابه حلمي في هذا الفيلم.
فيما يخص الكوميديا، قدم حلمي أفلاما كوميدية كثيرا مازال يضحك على مشاهدها الجمهور حتى الآن، في فيلم "على جثتي" كانت الجرعة الكوميدية قليلة بالمقارنة مع أفلام حلمي السابقة، وحلت محلها "الدراما" ارتباطا بقصة الفيلم.
تقمص حلمي بشكل رائع شخصية الرجل الذي يفقد حياته ويعيش في العالم الآخر ويشاهد كيف يتصرف من حوله في غيابه، ويتعرف على مشاعرهم الحقيقة، وكيف يتسقبل آراء صديقه في العالم الآخر في أن ما يعتقده هو مجرد أوهام ليست لها قيمة، وكيف يحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه بعدما أفاق مما كان غارقا به.
شخصية المهندس رؤوف تتواجد بيننا ونشاهدها يوميا، وكل منا يحمل في شخصيته جزئية صغيرة "على الأقل" من تفاصيل شخصية رؤوف، ومن ينفي تلك التهمة عن نفسه قد يكون في احتياج لتلقي المصير ذاته الذي لاقاه حلمي في سيناريو الفيلم ليخرج من غفلته.
أثبت حلمي في "على جثتي" شكلا آخر من نظرية "الشك واليقين"، وتعامل بحرفية شديدة خلال رحلة الانتقال من الشك الذي أرهقه وأضاعه .. إلى يقين غاب عنه.
جميع الممثلين الذين شاركوا بالفيلم قاموا بتأدية أدوارهم بشكل جيد، وعلى رأسهم بالتأكيد غادة عادل، ولكني سأختص بالذكر النجم الكبير حسن حسني، الذي قدم دورا إنسانيا رائعا لا يخلو من الكوميديا المعتادة منه، ويعتبر هذا الدور من أهم أدواره على الإطلاق، بالمقارنة مع أدوارا أخرى أساءت لتاريخه.
كلمة أخيرة، الفيلم يستحق أن تشاهده داخل دور العرض، لن أحدثك عن ضرورة مساهمتك في صناعة السينما أو الخسارة التي تحل بمنتجو الفيلم، لأن هذه قناعات إذا لم تكن تعرفها لن يستطيع أحد اقناعك بها، ولكن مشاهدة الفيلم في مكانه الطبيعي سيكون له شكلا آخر لن تشعر به وأنت في منزلك.
للتواصل عبر Facebook
وعلى Twitter