عمرو دياب المُلحن ... من باب العلم بالشيء (1)

تاريخ النشر: الأحد، 20 أكتوبر، 2024 | آخر تحديث:
عمرو دياب

مَن هو المُلحن الأهم في مسيرة عمرو دياب؟

هذا السؤال يمكن الإجابة عليه من أكثر من زاوية. لو اعتمدنا لغة الأرقام، يتصدر محمد يحيى بسبعة وأربعين لحنا قدمهم للهضبة حتى تاريخه وهو الرقم الأعلى بين زملائه، نصفها على الأقل أغنيات عالية النجاح.

ولكن بلغة الصيت يتصدر عمرو مصطفى كوجه إعلامي أكثر انتشارا وترويجا لذاته، مع تحقيقه لعنصري الغزارة والجودة العالية المستقرة في معظم ألحانه. أما بلغة "الهيتات" ليس هناك سوى شريف تاج الذي منح الهضبة "قمرين" ثم "تملي معاك" ليزيّنا ذروة الذروة في مسيرته والفقرة الثابتة الوحيدة في حفلاته لأكثر من عشرين سنة، ولحّن نصف أغنيات ألبوم "تملي معاك" الألبوم الأهم في مشوار دياب.

تابعوا قناة FilFan.com على الواتساب لمعرفة أحدث أخبار النجوم وجيدهم في السينما والتليفزيون اضغط هنا

بينما لغة "النقلة" تقول أن عزيز الشافعي هو الذي جدّد شباب الأغنية الديابية وأنقذها في فترة حرجة تمر بها موسيقى البوب بوجه عام. وهناك العديد من الأسماء الشرفية الأخرى (أقل في التمثيل العددي) مثل رياض الهمشري وحجاج عبد الرحمن ومحمد رحيم وناصر المزداوي وإسلام زكي وخليل مصطفى وخالد عز ومدين.

كلهم أدوا دورا مؤثرا. يتبقى اسم واحد فقط، هو عمرو دياب نفسه، الملحن المنسي في مسيرة عمرو دياب. ربما لأن نجومية عمرو دياب المطرب مذهلة السطوع لدرجة تخسف أي بريق مواز له في مجال آخر. أو ربما لأنه لم يسع يوما للترويج لنفسه كملحن، كان أكثر خجلا من ذلك، علاقته بالتلحين كانت أشبه بزواج سري.

في لقائه الشهير مع الإعلامي مفيد فوزي بنهاية الثمانينيات، يباغته الأخير بسؤال "مين بيلحن لك؟" قالها فوزي بنبرة استخفاف كالمعتاد، وهو على يقين من إجابة خالية من إمضاء جيل مُلحنين صديقه الراحل عبد الحليم حافظ، ومن ثمّ فهي إجابة لا يمكن اعتمادها من شرطة الأغنية في ذلك التوقيت.

"ملحنين شباب ... وأنا"، يجيب عمرو على السؤال؛ واضعا نفسه في نهاية الجملة بنبرة مترددة مهزومة أمام لغة الإرهاب النفسي التي يمارسها المحاور بعدما سرد له انتقادات قاسية على لسان محمد الموجي وجمال سلامة ومحمد عبد الوهاب.

"طب أنا معرفش إنك بتلحن لنفسك"، هنا ينفذ صبر دياب وينفعل: "ماهو فيه حاجة اسمها كوفر الشريط .. كان ممكن تبص فيه وتقرأ .. من باب العلم بالشيء يعني."

عمرو دياب

مسيرة عمرو الملحن مليئة بالعلامات المضيئة المغرية بالاطلاع، سواء كواجب مهني لإعلامي مرموق كان بصدد إجراء حوار مع فنان محترف .... أو حتى من باب العلم بالشيء!

يأخذنا ذلك إلى أن عمرو دياب ليس مجرد ملحن، بل هو الملحن الأهم في مسيرة عمرو دياب المطرب، أيّ الملحن الأهم في مسيرة المطرب الأهم والأشهر والأغلى سعرا بالأربعين عاما الأخيرة. وهناك أكثر من سبب يدعموا تلك الأطروحة.

من باب العلم بالشيء

أولا الغزارة الحقيقية، إذ تتجاوز ألحانه لنفسه المئة لحن، أي أكثر من كل من لحنوا له بما يزيد عن الضعف مقارنة بأقربهم. وهي ليست غزارة جوفاء، بل غزارة فعّالة مرتبطة بنجاحات وتحديات هي الأصعب، لأنها متركزة بشكل أكبر في نجاحات السنوات الأولى التي خلقت نجوميته وثبتتها.

ثانيا لأنه الملحن الأكثر تنوعا في أساليبه التلحينية، سواء الحالات أو التوظيف أو المقامات الموسيقية، حيث تتسع ألحانه لأكبر قدر من المقامات الموسيقية الشائعة وغير الشائعة، والتحولات النغمية المتقنة ذات الخيال السمعي الواسع. كثيرون لا يعلمون أن دياب ملحن شرقي من الطراز الأول، لَحّن البياتي والصبا والهزام والراست والعجم والنهاوند والكرد والحجاز والسوزناك …وغيرها. ساعده في ذلك دراسته الأكاديمية للتأليف الموسيقي، وخبراته المتراكمة كمستمع شغوف والتي تظهر في ألحانه بشكل واضح، قالها أكثر من مرة، أنه في أوقات فراغه نادرا ما يستمع لموسيقى إلا لأم كلثوم.

ثالثا عمرو المطرب - نجم النجوم - بشخصيته الغنائية المستمرة المتصاعدة المسيطرة على أركان صناعة الأغنية لعقود طويلة هو بالأساس صنيعة العقلية والرؤية الفنية لعمرو دياب، إذ لا يمكن فصل دياب صاحب الرؤية الموسيقية عن دياب الملحن. فهو من خلق لنفسه الشكل الموسيقي والشخصية الغنائية التي قلّدها معظم مطربين البوب اللاحقين في الظهور، ولا شك في ذلك فهو الأب الروحي للجونرا الموسيقية نفسها.

ولو مددنا الخط على استقامته سيحق لنا الجدل بأن دياب كان الأكثر تأثيرا في الملحنين أنفسهم ممن تعاونوا معه في الجيل الثاني والثالث لمشروعه الموسيقي، كثير منهم حاولوا محاكاة أسلوبه بألحانهم، كوسيلة للتقرب. أي أن دياب له في كل ما لحّن، وله أيضا نصيب فيما لحنه الآخرون له. سواء بالمعنى الإلهامي أو المعنى الحرفي بالمشاركة الفعلية، وبالتعديل المُعلن وغير المُعلن.

اتجاهات تلحينية

أثناء دراستي لأغنيات الهضبة من ألحانه، وجدت أنماطا وروابط مثيرة بين هذه الألحان، يمكن تلخيصها في خمسة اتجاهات تلحينية أو أغراض فنية وراء صناعته لتلك الأغنيات.
- هناك التلحين الوظيفي، عندما يكون اللحن في خدمة الأسلوب أو القالب الموسيقي.
- وهناك التلحين الاستعراضي، من باب فرد العضلات وإظهار دراسة الملحن وتمكنه من علم النغم.
- والتلحين التعبيري، الذي يمثل الكلمات بالمشاعر.
- والتلحين السردي، وهو حين يتصدر دياب لتلحين الشعر الغنائي القصصي ذي البناء المعقد شعريا، وغالبا تكون كلمات لشاعر كبير مثل بهاء الدين محمد.
- وأخيرا التلحين لسد الفراغ، وهي الألحان التي نفذها بنفسه لتعويض غياب حالة عامة أو مقام موسيقي معين عن ألبوم ما، كي يصنع توازن، وفي أحيان يكون سد الفراغ لملحنين غائبين في فترات خلافه مع بعضهم، ممن امتلكوا بصمة لا يستطيع تعويضها إلا دياب نفسه.

عمرو دياب

أولا: التلحين الوظيفي .. اللحن لخدمة الشكل الموسيقي

بنهاية السبعينيات ظهر تيار موسيقي جديد استحدث شكل الأغنية المصرية، بالاعتماد على نظام الهارموني (تعدد الألحان رأسيا) على حساب "التطريب" (تعدد الألحان أفقيا). هؤلاء ركزوا على المواضيع الاجتماعية والفلسفية على حساب المواضيع العاطفية، وأبرز أقطاب ذلك التيار كان هاني شنودة وفرقة المصريين ويحيى خليل وفرقته والمطرب محمد منير ... وقد سار دياب مع هذا التيار في سنواته الأولى. تابعا، مقلدا دون مساهمة في التلحين أو الرؤية الموسيقية المستقلة.

ثم جاء ظهور اسم عمرو دياب كملحن لأول مرة في ألبوم "هلا هلا" (1986) متزامنا مع انتهاء التبعية لذلك التيار وبدء مسار ديابي جديد أكثر استقلالية، واعتمادا على رؤية عمرو دياب الذاتية للموسيقى، وجوعه لنجاح تجاري حقيقي بعيدا عن ظلال مُلهميه وآبائه الروحيين. في الوقت نفسه زاد تأثره بمدارس موسيقية مختلفة شرقا وغربا كالمدرسة الخليجية، في فترة غنائه بشارع الهرم. واهتمامه بتجارب الموسيقى البديلة في ليبيا في حقبة السبعينات (ناصر المزداوي - أحمد فكرون - نجيب الهوش - الموسيقى الحرة) .

ضربة البداية: ترويض الربع تون

لكن ماذا أضافت النسخة الجديدة من دياب بعد الانسلاخ عن المشروع المنيري-الشنودي؟
تولدت عنده رؤية مختلفة لكل شيء، سنركز على الجانب النغمي واللحني منها في هذه الدراسة. حيث بدأت الرؤية تتجلى تحديدا في الأغنيات التي وزعها الموسيقار محمد هلال في ألبومه الثالث "هلا هلا" وعددها ستة، وقد بدأ من خلالها هلال باكتشاف وتقديم الهارموني الموسيقي للأغنيات المُلحنة من مقامات شرقية خالصة تحتوي ثلاث أرباع النغمة (تُعرف اصطلاحا بالربع تون). كانت تلك نقطة تحول غير مسبوقة بحسب تصريح دياب في برنامج الحلم. لكن لماذا؟

هَرْمَنة الربع تون كانت معضلة في تلك الفترة، فالهارموني علم غربي بحت يصعب تطبيقه على الألحان الشرقية الخالصة لاختلافها في الأبعاد؛ ولأن "الربع تون" يُحدث نشاذا تلقائيا عند تزويده بالتآلفات الطبيعية (diatonic chords) وهي أساس علم الهارموني.

لذا كان واضحا أن التيار المنيري-الشنودي يتحاشى تقديم أغنيات بالربع تون في تلك الفترة إللا بأضيق الحدود. بسبب صعوبة إخضاعها لنظام الهارموني الذي كان يميّز أغانيهم بالأصل. فاكتفوا بسلالم النصف تون، كالماجير والمينير والكرد والسلم الخماسي مثلا. في حين اختفت سلالم الربع تون مثل السيكا والراست والبياتي والصبا. ما كان ينتقص شيئا من النقلة الموسيقية التي أحدثها ذلك التيار.

هناك حديث تلفزيوني لهاني شنودة يسخر فيه من النصف الثاني في لحن أغنية "أهواك" لعبد الحليم حافظ (وأناديك وأبعت روحي تصحيك...)، بسبب شرقيته الحادة؛ حيث ينتمي لمقام السيكا البلدي، ما يجعل تزويده بهارموني غربي عملية مرهقة وأصواتها غير مستساغة، وقتها على الأقل. حاول شنودة تحقيق هذا المبتغى (هرمنة الربع تون) بأغنية "ياماي" من مقام الراست وهي من ألبوم "علموني عنيكي" 1977، لكن النتيجة الموسيقية لم تكن على المستوى، وبدت الأغنية دخيلة على الألبوم ولا تتسم بنفس التطور الذي نشعر به في بقية الأغنيات.

عام 1986 تجرأ عمرو دياب والموسيقار محمد هلال على خوض معركة ترويض الربع تون في الإطار الغربي، وذلك بصناعة خمس أغنيات بألحان شرقية خالصة على توزيعات "بوب" متطورة وخاضعة لتآلفات الهارموني الغربية. اختار عمرو بعض هذه الألحان من التراث الخليجي والنوبي والليبي، لكونها ألحان تحتوي على النغمة الشرقية (البياتي) وفي الوقت نفسه هي ألحان سهلة ورشيقة وتعتمد على لزمات صديقة للإيقاع. وليست مُغرقة في التطريب كما الألحان الشرقية المصرية في عصر العمالقة. وبالتالي هي الألحان الأنسب للتجربة.

عمرو دياب

فمن مقام البياتي ضمّ دياب "راحل"، "ماله"، "هلا هلا"، "مية مية". نلاحظ أن ذلك الكمّ الكبير من ألحان البياتي داخل ألبوم واحد ليست صدفة أو اختيار عشوائي، بل يحيلنا لكون الألبوم كله عبارة عن حالة من التجريب الموسيقي المتقدم بمعايير هذا العصر. فالبياتي من المقامات ذات الربع تون، ومن ثم تمثل أغنياته التحدي الموسيقي للتجربة النغمية التى شرحناها سلفا. كذلك الراست في "يصعب علينا" وهو أيضا يحتوي على بُعدين من الربع تون.

تتبقى من أغنيات هلال في هذا الألبوم أغنية "قلوع" التي لحنها محمد الشيخ من مقام النهاوند، وهو مقام نصف نغمي قابل للهرمنة بسهولة ولا ينطبق عليه ما ذكرناه، إلا أن وجود الأغنية كان يكرس لحالة أخرى من الذاتية والتجريب المتعلقان بكلماتها التي تمس عمرو دياب بشكل شخصي، فهي أغنية عن تهجير أسرته من بورسعيد وقت نكسة 67. ومن ثم فوجودها يمثل تحدي موضوعي لا نغمي، لكنه لا يقل أهمية.

نعود لأغنيات الربع تون المُهرمنة في الألبوم. نجد اثنين بتوقيع عمرو الملحن وهما "هلا هلا" و"مية مية". والثلاثة الآخرين "راحل" (لحن خليجي - عبد العزيز ناصر وغناها فرج عبد الكريم)، "يصعب علينا" (لحن ليبي محمد درويش وغناها عادل عبد المجيد)، "ماله (لحن نوبي - عبد الرحيم شاهين وغناها بحر أبو جريشة).

لكن التأثير الخليجي امتد لأغنية "هلا هلا" نفسها، الذي نسبها عمرو لنفسه بالخطأ لأنه لم يكن يعلم مَن مُلحنها. في لقاء قديم له مسجل بتلفزيون الكويت قال أنه كان في وقت ما حريص على التهام سماع شرائط كاملة بالأغنيات الخليجية المجمعة، لم يكن يكتب عليها أسماء أو حقوق أدبية، ناهيك عن عمله بشارع الهرم الذي عرّضه لسماع تلك النوعية من الأغنيات بتواتر مكثف. دياب كان حريصا على وضع اسم (عبد العزيز ناصر) على أغنية "راحل"، لأنه كان يعلم من هو، وهو إثبات لحسن نواياه في هذا الألبوم، وأنه لم يتعمد انتحال اللحن الخاص ب "هلا هلا"، ما يؤكد أن عملية انتقاء هذا اللحن بالأصل كانت لخدمة فكرة موسيقية معقدة شرحناها، وما كان يهمه هو تحقيق الرؤية الموسيقية لا النسب اللحني.

غلاف ألبوم عمرو دياب (هلا هلا)

أغنية هلا هلا للفنان السعودي علي عبد الكريم، واشتق دياب من لحنها الأغنية التي حملت اسم ألبومه مع تعديل بسيط، أن يستهل الغناء بجملة "حمدالله على السلامة" بطريقة الصولو، ليرد عليه الكورال "هلا هلا". بينما يختلف البناء اللحني بالأغنية السعودية فتبدأ بجملة "هلا هلا" مباشرة.

هذا الأسلوب الذي اتبعه دياب في بناء لحن "هلا هلا" يصنف بين الإرهاصات المبكرة لنمط الهيتات الشائعة في ألحان ما عُرف لاحقا بالأغنية الشبابية، أو موسيقى الجيل، بالتوازي مع أغاني تزامنت في نفس الفترة. يمكن تتبع هذا النمط بداية من محمد فؤاد الصولو: "يللا بينا يللا" الكورال "يللا يللا يللا". حميد الشاعري الصولو: "جلجلي" الكورال: "جلجلة". علي حميدة الصولو: "لولاكي" الكورال "لولا لولا لولا". عمرو دياب الصولو: "من كام سنة وأنا" الكورال: "ميال ميال".

والأخيرة كانت الأنجح لدياب في حقبة الثمانينات رغم أنها لم تحمل توقيعه كملحن، لكننا نملك إرهاصة سبقتها بتوقيعه تدلل من جديد أن عمرو الملحن ليس إلا جزء من عمرو صاحب الرؤية الموسيقية الأشمل. فقد كان بين أوائل من استشعروا أن هذا النمط اللحني (لولاكي - ميال) سيحقق انفجارات غنائية في أعمال أبناء جيله، وهو في مقدمتهم.


اقرأ أيضا:

عمرو مصطفى ورامي صبري في عزاء الشاعر أحمد علي موسى

خالد الصاوي يحذر الجمهور: أخدت "حقن" خسارة الوزن وحصلي كارثة

بكاء وصدمة … أميرة أديب تكشف عن رد فعل شقيقها وأصدقائها على أغنيتها "ضلمة ونور"

آية سماحة تكشف عن صور طفولتها في عيد ميلاد شقيقتها

لا يفوتك: في الفن يكشف حقيقة وليد فواز مبدع أدوار الشر

حمل آبلكيشن FilFan ... و(عيش وسط النجوم)

جوجل بلاي| https://bit.ly/36husBt

آب ستور|https://apple.co/3sZI7oJ

هواوي آب جاليري| https://bit.ly/3LRWFz5