يقول ألفريد هيتشكوك "أجعل الجمهور يعاني قدر الإمكان". وكأن المعاناة هي البوابة السحرية لدواخل الإنسان الوجدانية والحسية التي لا يمكن ضحد أثرها إلا على المدى البعيد.
لم أجد أصدق من تلك العبارة كتلخيص عام لفيلم Joker: Folie à Deux الذي بدأ عرضه في مصر 3 أكتوبر الجاري، وهو الجزء الثاني من فيلم Joker الذي عرض عام 2019 وحقق ما يقرب من مليار دولار إيرادات بخلاف كم الجوائز التي حصدها وصلت للأوسكار.
تابعوا قناة FilFan.com على الواتساب لمعرفة أحدث أخبار النجوم وجديدهم في السينما والتليفزيون اضغط هنا
تلك النسخة الجديدة التي لم يحظى مفتتح إيراداتها بنصف أرقام شقيقتها الكبرى، تتعرض لانتقادات واسعة ولا سيما بطلتها المطربة ليدي جاجا التي تتحمل القدر الأكبر من الانتقاد، فيعتبرها البعض لم توفق كممثلة بينما البعض الآخر يعتبر شخصيتها مقحمة على السيناريو ومعتمدة على ارتباط جمهور الدي سي بشخصية هارلي كوين الشهيرة.
يبدأ الفيلم بـ "أفان تتر" كارتوني يكشف عن ملخص ساخر لحقيقة شخصية الجوكر في صورة ظل أسود يخرج من أعماق "أرثر فليك" وينكل به أمام الجمهور ثم يهرب مبتعدًا عند القبض عليه، تلك المقدمة تقدم استنباط مباشر للفكرة الرئيسية التي يقوم عليها الفيلم وهي "إن الجوكر شخصية منبثقة من معاناة أرثر ولا يمثل حقيقته".
تلك الفكرة التي بنيت عليها الأحداث من حيث انتهى الجزء الأول، إذ يودع "أرثر" السجن في انتظار محاكمته بينما تحاول محاميته إثبات أمراضه النفسية التي أدت لظهور الجوكر، فيما يظهر كسجين مطيع ومستسلم أو بالأحرى خاوي الروح فاقد للرغبة في الحياة، حتى يقابل الليدي جاجا أو "هارلين كوينزل".
العبث هو العنوان المثالي للفيلم حتى يمكن اتهام صناع العمل وبخاصة المخرج تود فيليبس بتعمد صناعة فيلم مثير للجدل بكل ما يمكن أن تحمله الكلمة من معنى، بمزج الدراما الإنسانية بالكوميك بوك بالميوزيكال بالرومانسية بالمحاكمات بالأكشن والجريمة والسجون، وهو الفيلم الأول من نوعه في تاريخ السينما الذي يحمل كل تلك التصنيفات معًا.
تلك التوليفة المربكة والعشوائية الطرح، صدمت عشاق الجزء الأول وخيبت توقعاتهم المرتفعة وهي عادة شهيرة تعقب كل فيلم ناجح يقرر صناعه استغلال هذا النجاح بجزء جديد، ما من شأنه تخفيف وطأة الاتهامات الموجهة للبطلة الليدي جاجا.
تبدوا عناصر الفيلم فوضوية في انعكاس واضح لعقل أرثر وكأننا من جديد نتابع كل شيء من داخل ذهنه وكما يترجم هو الأحداث، فبخلاف المشاهد الغنائية المقحمة بلا مبرر فلا يصلك منها إلا أجواء شاعرية حزينة مشوهة تعكس رغبة البطل العميقة في العثور على الحب وكأنه طوق النجاه من معاناته، نجد معظم الشخصيات المحيطة بأرثر متناقضة وغير مفهومة الدوافع والرغبات، بداية من حارسه بالسجن الذي يضحك معه ويدفعه للمشاركة في مجموعة علاجية غنائية تارة ويضربه تارة أخرى ضربًا مبرحًا في اداء انتقامي، أما القاضي فيحرص على حفظ الجلسات من الفوضى بينما يسمح لأرثر بالقيام بدور المحامي للدفاع عن نفسه بشكل مسرحي ساخر، حتى هارلي التي بدت كبطلة دون ملامح واضحة لشخصيتها وتاريخها ودوافعها، بل حتى المعلومات المروية والمتناقضة عنها لم يبت في حقيقتها، فكأنها شخصية وهمية اختلقها أرثر ذاته، أو ربما بنى من وجودها في ظهورها الأول قصة من خياله كما فعل مع جارته في الجزء الأول، فلم يكن بالفيلم شخصية حقيقية منطقية غير المحامية التي طردها أرثر علنًا بلا مبرر خلال إحدى الجلسات المذاعة، وكأنه يرفض العقل والمنطق حتى لو كان في صالحه.
ينقسم الصراع ما بين أرثر والجوكر ويتصاعد على مستويين، الأول معلن مع المحكمة والمحلفين والمجتمع الذي يعتبره مجرم خطير، والثاني مع حبيبته هارلي كوين وجمهوره ومعجبيه من المخربين وضحايا المجتمع.
يمتد الصراع في مسار متوازي من المشاهد المتناقضة والمفاجأة معًا، فعالم الهذيان لدى أرثر ينتقل من الرومانسية الحالمة الي الاستعراض أمام الجماهير ثم ينتهي بقتل هارلي للجوكر، وكذلك المحاكمة في الواقع التي تبدأ بملامح الرومانسية مع انتشار أخبار قصة حب المجرم الأشهر، ثم تنتقل الى الاستعراض بعد طرده للمحامية، حتى تنفجر المحكمة ويهرب أرثر بمساعدة أنصاره، الذي يرتدي أحدهم ملابس الجوكر ومكياجه حتى يبدو وكأنه هو ذاته ذلك الظل الذي سخر سابقًا من صاحبه وأودعه السجن، فيجري أرثر من ظله في مشهد مجازي واضح رافضأ عالم الجوكر بحثًا عن الحياة والحب، وعلى الرغم من دعم عالم المهرجين مثيري الفوضى، ينتهي الأمر أيضًا بالقتل الذي تبدأه هارلي بتخليها عن أرثر انتصارا للجوكر ثم القتل في السجن بيد إحدى معجبي الجوكر.
هذا التناقض والعبثية يتجسدون في الأغنيات الـ 16 الموجودة بالفيلم، فإذا تصورنا أن أرثر الذي يتحول الى جوكرهو في الحقيقة شخصية حالمة رقيقة رومانسية بالرغم من كل هذا اللوث العقلي الذي نعرف أسبابه، فكيف تبدو رومانسيته غير تلك الانفعالات المفتقدة للمعنى والعمق بالرغم من رقتها، أو تطرفها في شكل هزلي غريب، فبدت رومانسية مربكة ومشاهدها غير مريحة وأغنياتها شديدة السطحية.
وربما يعود رفض الجمهور والنقاد الى اختيار المسار الإنساني لأرثر كمحور رئيسي، والذي طمس بدوره معالم شخصية الجوكر التي نعرفها عن ظهر قلب، بل وطغى على شخصية الجوكر التي عرفناها في الجزء الأول، فلم نراه إلا في عدد محدود من المشاهد، لعل أروعها مشاهد قيامه بدور محامي لنفسه بالمحكمة، وكأن لسان حال صناع الفيلم من جديد "لسنا بصدد تعريف العالم بشخصية الجوكر التي يعرفها الجميع، وإنما بجوانبه الأخرى كإنسان"، وهو ما بدأ في الجزء الأول بالفعل الى جانب زروة الجنون التي كان لابد أن يصل إليها، وفي الجزء الثاني يبدو استمرار تيمة الضحية والتي تتبنى نظرية أن الإنسان لا يولد شرير وإنما يتحول بفعل المجتمع والتربية غير السوية هي مرتكز القصة حتى النهاية، فيتأفف المشاهد الهائم بجموح الجوكر وتمرده من غيابه، الجوكر الذي عبر شروره في النسخة الأولى عن أعمق رغبات الكثير منا وأقصد هنا (عالم الرأسمالية ونمط الحياة الاستهلاكي المتسارع الذي يسحق إنسانية الإنسان) فكان بالنسبة لهم أصدق من أرثر الإنسان المريض المشوه وجدانيًا، وكأن المشاهدين والنقاد يفضلون أيضًأ الجوكر على أرثر.
يبدو أن تهمة الفشل الذي يلصقها البعض بالفيلم منطقية ومبررة، ولكنها مرهونة بالوقت الذي سينصف Joker: Folie à Deux ويجعل منه تحفة فنية تكمن عظمتها في تأثيرها في ذهن المتلقي على المدى البعيد بعد أن يجرب النظر للجوكر على انه مجرد إنسان يتصف بالمرض.
اقرأ أيضا:
عادل الفار عن وفاة ابنه الوحيد: أدمن لانشغالي عنه
أميرة أديب تكشف عن وجه حبيبها: كلكم المفتش كرومبو أنزل براحتي بقى
#شرطة_الموضة: روبي تحتفل بعيد ميلادها مع جمهورها بفستان أبيض قصير ... سعره يتخطى 25 ألف جنيه
لا يفوتك: محمد هشام عبية: مين قال إن "صلة رحم" كان فيه مشهد خارج! .. هل شوه "رسالة الإمام" تاريخ مصر؟
حمل آبلكيشن FilFan ... و(عيش وسط النجوم)
جوجل بلاي| https://bit.ly/36husBt
آب ستور|https://apple.co/3sZI7oJ
هواوي آب جاليري| https://bit.ly/3LRWFz5