قبل سنوات قليلة، أثناء تحضيرات مهرجان البحر الأحمر السينمائي، نقّب المبرمجون عن أفلام سعودية مناسبة يمكن دعمها ومشاركتها لتمثّل الحدث السعودي المجدّد، لحظة قدرية ساعدت على وجود فيلم "شمس المعارف" للأخوين قدس، كان بمثابة نفحة إلهية على محاولاتهما المستمرة منذ سنوات ما قبل وجود صالات سينما سعودية أساسًا، ضمن محاولات مشرّفة للمجتمع الفني السعودي صنعها عدد قليل من الشباب، كان ذلك قبل أن تتطور الصناعة يوميًا، وتسابق الزمن لإنتاج تجارب أكثر عالمية.
تابعوا قناة FilFan.com على الواتساب لمعرفة أحدث أخبار النجوم وجديدهم في السينما والتليفزيون اضغط هنا
تمر سنوات قليلة، ويصاحب الدورة الثالثة من المهرجان نفسه، بشائر ذلك التغير في عدد أكبر من الأفلام السعودية المشاركة، من بينها الفيلم الثاني للأخوين قدس "أحلام العصر"، ومثلما كانت استقبال تجربتهما الأولى مرتبط باللحظة السينمائية السعودية الجديدة يبدو الفيلم الآخر كذلك ممتثل للظرف التاريخي.
الوقت، من داخل أعمالهما وخارجها، يبدو مفتاح جيد للحديث عن المشروع بشكلٍ عام. وهو المشروع الأكثر طموحًا للسعودية هنا والآن. لذلك سأحاول الدخول أكثر إلى عالم الأخوين قدس، لماذا نجح؟ وكيف لم يُستغل ذلك كفاية؟ ولماذا كان عليهما عدم السهر طويلًا لتجنّب النوم بالنهار وتفادي "أحلام العصر".
الزمن لحظة والمكان بعيد
أنار "شمس المعارف" المشروع التجريبي الذكي الطموح في رحلة الأخوين قدس، قدماه كأول فيلم روائي طويل لهما، بعد عدد من التجارب القصيرة، بدأت مع "موتى يمشون بيننا" الذي كان أشبه بفيلم منفصل لحلقات قصيرة، محمّلة بدرس أخلاقي، موعظة دينية مطعّمة بذكاء داخل القصة ولا يظهرها سوى موت أحدهم الذي يظهر كيف كان على الجميع الرضا بالحال وعدم البكاء على اللبن المسكوب.
إلى جانب أعمال يوتيوبية أخرى مثل مسلسل "كشكول" وغيره صنعا فيلم قصير اختارت نتفلكس عرضه ضمن سلسلة "شبابيك" فُتحت للنظر على السعودية الجديدة، فيلم "ومن كآبة المنظر" المذهل بصريًا كان عن قصة تحطم طائرة تضطر مجموعة من الناجين إلى التعايش في الصحراء بموارد ضئيلة لاختبار صبرهم.
جسّد الفيلم الأنضج في مسيرتهما والأفضل في المجموعة التي عرض معها مساحة نظر مهمة على أفكارهما، لا يبدو مشغول بالمجتمع السعودي تمامًا أكثر من انشغاله بنفسيات الشخصيات في داخله، "كيف يتصرف الإنسان أثناء الإحساس بالخطر والموت؟"، يتابع الفيلم حركة وتحولات شخصياته ببطء يسقط أحيانًا في دائرة الملل والتطويل على مستوى السيناريو رغم قصر الفيلم العام.
ملاحظتان يصاحبا مشروع الأخوين عمومًا؛ الموعظة الدينية المباشرة للتغيير من وضع البطل الأناني إلى الرضا والسعي للتغير، بعد موتٍ ما، موعظة تحتاج قصص أنضج لسردها مرة أخرى، والتطويل النسبي في سرد الأحداث، تطويل غير مرتبط بوقت الفيلم في ذاته، بل بعدم تطور القصة دراميًا أو الإحساس بالإيجاز على المشاهد لتوريطه أكثر، تطويل مرتبط بأريحية البدايات التي كانت على اليوتيوب غير مهتمة تمامًا بالوقت.
حتى تلك اللحظة شاهدنا مشروعا واعدا، في هذا الفيلم وما قبله، ذكي أكثر مما يبدو، لديه لغة بصرية مميزة، وفكرة أثيرة يحاول تقديمها، ساعد على وجود سينمائي سعودي كانت تحتاج سنوات لوجوده بهذا النضج، يبدو أنه سيظل في مقدمة المقامرات الجديدة لتأسيس صناعة سعودية أكبر... لكن ما الذي حدث!
أحلام العصر.. صح النوم يا شباب
"أحلام العصر" جاء في ثلاثة ساعات، بدا منذ الإعلان عنه تحدي لا يُحسد عليه أصحابه، تدور أحداث الفيلم حول الطفلة أحلام، الفتاة التي تسعى أن تكون مؤثّرة على مواقع التواصل الإجتماعي بنصائحها الساذجة عن الموضة والحياة، أحلام تبدو تمثيلًا لجيل كامل خياله مشغول بوظيفة مربحة دون تعب، قد تبدو هنا "أحلام العصر الجديد" فعلًا، يحاول المخرج مسرحته والسخرية من أوهامه.
بينما نرى والد الفتاة أحلام "صمدو"، نموذج مثالي لفكرتهما الأثيرة، لاعب الكرة المعتزل، نجم التسعينات، الذي يبدو أن شيئًا ما خارج سيطرته اضطره للتوقف عن اللعب، ثم جاء موت زوجته ليحوّله من رياضي ناجح ومؤثر إلى رجل بدين ممتليء غضوب غير مهتم حتى بابنته.
الفيلم جاء كمجموعة سكتشات منفصلة متصلة، في ستة فصول كتقسيمة إنجليلة تحاول شرح خيالات الفتاة أحلام الساذجة عن العالم، وواقع صمدو المتخيل، رحلة طويلة جدًا، صرخة غضب ضد أحلام عصرنا التعيسة المليئة بالألاعيب والفساد وغسيل الأموال من خلال دعم التفاهة المستمر والسعي للنصيحة بالنجاة من كل ذلك.
أكثر من ثلاثة ساعات لم يتحرك فيها الفيلم دراميًا، ليس لأن هناك تطويل مقصود فقط، لكن لأنه كان يطمح لما يتجاوز ذلك: أن يعبّر عن الحياة الملولة ذاتها، لكنه لم يسع كفاية لتوريط المشاهد في القصة رغم كل هذا الوقت في فكرة لا تصل دون مرور الوقت البطيء والملل الذي ينتجه.
كفانا سكتشات يوتيوبية
"أحلام العصر" كان الاختبار الحقيقي الذي على الأخوان أن يدركا من خلاله تغير مفهوم صناعة الفيلم عن السكتشات اليوتيوبية التجريبية المتحررة من الشعور بالوقت وتداخل السياقات، بطلهما حسام في "شمس المعارف" سعى لإنتاج تجربة سينمائية مغايرة عن "طاش ما طاش" والسعودية القديمة عمومًا، لكنه بات لا يمكن تجاوز عتبة التمرد الأول، تمامًا مثل صنّاعه، يبدو أن حسام/ فارس قدس لم يتعلم كثيرًا من الفرصة التي أتاحها له القدر.
من "موتى يمشون بيننا" الذي يحقق في قتل شاب يعجز عن الرجوع إلى الله مرورًا بـ"ومن كآبة المنظر" المأخوذ اسمه مباشرة من دعاء السفر داخل حكاية لعجز بطل عن التعايش مع المأسآة وصولًا إلى "أحلام العصر"، الذي يبدو في أعمق نقطة منه محاولة تتبع رحلة عودة إنسانية صمدو بالرجوع لله، إلى الرضا بالموجود وتقبل القدر.
تجربتهما المتحررة تمامًا، لا ترتكز على أي شيء بخلاف سعي صنّاعها للتجريب والمقامرة، غير معنية بالوقت أو السيناريو السينمائي المحكم، الاصرار على التجريب بدلًا من النضج محض تصور أننا لا زلنا نلعب كهواة.
السعودية تجاوزت سكتشات اليوتيوب وباتت في حاجة لإنتاج مشروعات تحمل بصمة أصحابها أكثر، تفهم اللحظة السعودية وتنتج مشروع محلي أكثر عالمية، ويبقى أن يتجاوز ذلك أذكى أبناءها كالأخوين قدس وغيرهما، الأخوين قدس يقفان عند لحظة تجاوزتها السعودية سريعًا، لحسن الحظ أو سوءه، باتت تحتاج إلى معايير أكثر دقة وأقل تجريب، على الأقل العشوائي منه، حتى تجد فرص أخرى.
هذا المقال يبدو نصيحة أخ، ليس لأخٍ واحد، بل لأخوين، مباشرة، كمباشرة الأعمال الممتعة على كل حال لكنها تحتاج إلى التركيز أكثر: شاهد جيدًا قبل أن تقولب فكرتك الأثيرة لتمررها في سياقات مختلفة بسيطة وطويلة دون داعي، لنبعد قليلًا عن الاسكتشات ونقترب أكثر من حبكات سينمائية محكمة... وخير الخطائين التوابون.
اقرأ أيضا:
بالمايوه وسط البحر ... نسرين طافش تشارك الجمهور بلحظات من آخر أيام الصيفية
تعرف على عدد حلقات مسلسل "عمر أفندي" لـ أحمد حاتم
محمد الشرنوبي: أعاني من مشكلة شيرين عبد الوهاب منذ 5 سنوات ... ومش هكست عن حقي
سمر طارق لـ(في الفن): الراب والمهرجانات ليهم وقتهم وبذاكر القديم وبحب أم كلثوم ومحمد منير ,فيروز
حمل آبلكيشن FilFan ... و(عيش وسط النجوم)
جوجل بلاي| https://bit.ly/36husBt
آب ستور|https://apple.co/3sZI7oJ
هواوي آب جاليري| https://bit.ly/3LRWFz5