"مش روميو وجولييت" ... الفن هو الحل

تاريخ النشر: الثلاثاء، 9 يوليو، 2024 | آخر تحديث:
مسرحية مش روميو وجوليت

أضاء المسرح القومي أضواءه من جديد فارتفعت لافتة "كامل العدد" كالمعتاد، وكانت الأضواء واللافتة هذه المرة من نصيب المسرحية الغنائية الاستعراضية "مش روميو وجولييت"، والتي صاغها شعرا أمين حداد، وموسيقى أحمد شعتوت، وتصدر بطولتها علي الحجار ومعه رانيا فريد شوقي ومحمد عادل، وأخرجها عصام السيد.

شاهدت المسرحية مع زوجتي وأولادي، ضمن أسر عديدة امتلأت بها مقاعد المسرح القومي بالعتبة، وخرجنا منها سعداء لأبعد الحدود، فأجواء المسرح القومي بهيبتها الفنية التاريخية، تعدك بمجرد استقبالك بفاصل من المتعة عن متاعب الدنيا وما فيها، وسهرة غنائية في صحبة علي الحجار هي كل البهجة في زمن عزت فيه البهجة، فما بالك والسهرة هذه المرة في عرض مسرحي يعود به "الحجار" إلى تلك الخشبة التي غاب عنها سنوات طويلة على غير المعتاد، ولمن لا يعرف فإن رصيد علي الحجار المسرحي على مدار عمره الفني الخمسيني متعه الله بالعمر والصحة أكثر من ثلاثين مسرحية غنائية، قدم معظمها على مسارح الدولة وتعاون فيها مع كبار المؤلفين وأهم المخرجين، كما أنتج بنفسه عددا من العروض لمسرح القطاع الخاص، ولم يكن اهتمامه بإنتاجها وقتها إلا حرصا على القيمة في مواجهة سطوة المعايير التجارية على مسرح القطاع الخاص، وهو ما انتبه إليه "الحجار" مبكرا في بداية مشواره الفني حين قرر إنتاج ألبوماته بنفسه ولا يزال، المبدع الحقيقي يصرف على إبداعه في معظم الأحوال ونادرا ما يتكسب منه.

تابعوا قناة FilFan.com على الواتساب لمعرفة أحدث أخبار النجوم وجديدهم في السينما والتليفزيون اضغط هنا

مسرحية مش روميو وجوليت

"مش روميو وجولييت" تدور أحداثها حول انقسام حاد فيما بين أساتذة وطلاب "مدرسة الوحدة" وهي ترمز إلى المجتمع المصري المشهور تاريخيا بوحدته العاصية على الكسر أو حتى التصدع، والانقسام في المدرسة أتى نتيجة شائعة قامت على انطباعات ظاهرية عن وجود قصة حب بين اثنين من مدرسيها هما "يوسف" المسيحي أو علي الحجار و"زهرة" المسلمة أو رانيا فريد شوقي، "يوسف" بالطبع من اسمه وملامح شخصيته في العرض يرمز إلى المصري في عمومه بتكوينه الأصيل الإنساني النبيل، ولأن الانقسام يؤججه طوال الوقت أصحاب المصالح والانتهازيون بكافة أشكالهم، وفي المقدمة منهم دعاة الشر أعداء الحياة، وحقول مسعاهم الآثم دائمًا الخضراء النضرة هم الشباب في سنوات التكوين، فإن الأمر تطور وزادت خطورته إلى حدٍ بات يهدد الأرواح، فأصبح تدخل ناظر المدرسة أو صاحب القرار حتميا حتى لا تنهار المدرسة - المجتمع - على ما ومن فيها.

مسرحية مش روميو وجوليت

استدعى ناظر المدرسة الجميع، وفرض سلطانه حفاظا على وحدتها، واستمع لادعاء من أشعل الفتنة قبل أن يمنح "يوسف" و"زهرة" فرصة الدفاع عن النفس، وبقدر حدة وانفعال مشعلي الفتنة، بقدر ما كان الجريحان على أعلى درجات الهدوء، هما في الأصل جاران في حي شبرا، وتجمعهما عشرة وصداقة وأخوة لسنوات طويلة ممتدة، عاشا معا ضمن عائلة كبرى ضمت أسرتيهما، كلاهما يجد في الآخر ملجأ وملاذا إنسانيا في المقام الأول، ولا يفكران مطلقا خارج هذا الإطار، تجمعهما إذا أخوة بكل معنى الكلمة، وحي شبرا خير شاهد على مثل هذه الحالة في مصر بين مواطنيها المسلمين والمسيحيين، وما دام الأمر هكذا، فالمشكلة في الآخرين، الأزمة هناك، ليست فقط في المدرسة ولكن في المجتمع بشكل عام، ورغم سخط واعتراض المنقسمين الإقصائيين أساتذة وطلاب زعماء وتابعون، صدقهما ناظر المدرسة، فهو الآخر شاهد على عصر كانت فيه الأوضاع مختلفة، الإنسانية تسود.

"الفن هو الحل".. أطلقها ناظر المدرسة حاسمة، مسرحية تدعو إلى الحب وتعيد التأسيس لقيم الإنسانية، تجمع هؤلاء الطلاب على اختلافهم وتُدْرَج درجاتها ضمن أعمال السنة حتى يتفاعل الجميع رضاءً أو جبرًا لما فيه الصالح العام، الفن يوحد الجميع، وهو الأكثر تأثيرًا، يرتقي بالوعي ويهذب الوجدان، مطلوب فقط أن يكون فنا حقيقيا.

وقع الاختيار على رائعة "شكسبير" الشهيرة "روميو وجولييت" وبدأ الجميع يشارك في بروفات العرض، وهنا تظهر بوضوح رؤية عصام السيد ومحمد السوري في إعداد نص "مش روميو وجولييت" ورسالة العرض الرئيسية، فلم تكن قصة حب روميو وجولييت إلا مأساة في واقع الأمر، صحيح أن مشاعر الطرفين كانت نبيلة، ولكن اعتراض العائلتين دفع الشاب والفتاة إلى الانتحار، وعاش بعدها العائلتان حياة كلها أسى وندم، فلا سعادة على حساب تعاسة الآخرين وفي مقدمتهم الأهل، لا بد وأن يجتهد الواحد منا نزولا على رغباته الشخصية لصالح المجموع، وقتها تقوم الحياة على أصدق وأشمل معاني الإنسانية، الحب والحق والعدل والخير والجمال والعطاء والتسامح وغيرها مما يتسق والخَلْق الإنساني الأصيل، كل هذه المعاني وخاصة الحب بمفهومها العام بعيدًا عن غلبة المصالح الشخصية أبقى أثرًا وأطول عمرا.

"مش روميو وجولييت" عرض فني جاء في وقته بامتياز، ولا أبالغ إذا أكدت أنه يعيد التأسيس لقيمة الفن في عمومه والمسرح بما يمثله من تفاعل مباشر مع الجمهور على وجه الخصوص، وهذا التأكيد نابع من سطوة الرؤية التجارية المحضة على الفن جملةً وتفصيلًا في السنوات الأخيرة، بما يضرب مجمل القيم في مقتل، أيضًا العرض جاء في وقت يغلق فيه مسرح القطاع الخاص أبوابه تمامًا، وهو ما يُحْسَب لمسرح الدولة، دور الدولة لا غنى عنه في كل وقت طالما تماس الموضوع مع قيمة أي أنشطة فنية أو فكرية أو ثقافية، ودعمها هو المحرك الأساسي لكل هذه الأنشطة لصالح المتلقي في نهاية الأمر، أن تحضر عرضًا مسرحيًا بقيمة «مش روميو وجولييت» بكل نجومه على خشبة المسرح القومي العريق، ومقابل تذكرة أغلاها 110 جنيهات في ظل تحديات اقتصادية آنية بهذا الشكل، هو دور رائد وعمل عظيم جدًا لا يقدر عليه سوى الدولة المصرية، الإشادة هنا واجبة.

أما فريق عمل "مش روميو وجولييت" فيستحق من القلب كل الدعم والتحية والتقدير، هم بحق القابضون على جمر الفن الحقيقي في زمن إهدار قيمته بفعل فاعل، أسعدونا سعادة بالغة طوال العرض دونما أي شعور بالملل ولو حتى لحظة واحدة، استطاعوا الاستحواذ على انتباه الجمهور من مختلف الأجيال طوال مدة العرض، صياغة أمين حداد الشعرية رائعة ومعبرة وسلسة، ألحان وتوزيع وموسيقى أحمد شعتوت واكبت إيقاع أشعار "حداد" وأيضا حركة الممثلين على خشبة المسرح بكثافة تواجدهم في معظم المشاهد، استعراضات شيرين حجازي طارت بأرواحنا اعتلت خشبة المسرح وشاركت أبطال العرض، ديكور محمد الغرباوي مع إضاءة ياسر شعلان وجرافيك محمد عبد الرازق وفوتوغرافيا عادل مبارز وملابس علا جودة ومي كمال بتصميمها وألوانها المبهجة كلها عناصر ساهمت في تكامل ظهور العرض بهذا المستوى، دعاية محمد فاضل مؤثرة بقدر ميزانيتها المحدودة، وطاقم الإخراج صفوت حجازي وحمدي حسن ومحمود خليل مجهودهم جميعًا لافت جدًا في عرض أعلم جيدا أن مستواه الراقي أتى نتاجًا لأكثر من ثمانية شهور بروفات بتعقيدات وتحضيرات تداخل الأدوار والأداء والاستعراضات والموسيقى والغناء.

فإذا أتينا لنجوم العرض نجد أن علي الحجار يؤكد مجددا حضوره المتواصل والمستمر بقوة ضمن صفوة المتفوقين استثنائيا فنانا مثقفا واسع الاطلاع صاحب رؤية ومبدأ، ومطربًا وممثلًا يعتلي خشبة المسرح بثقة ويمنح مشاركيه في العرض مناطق تزيد من ألق حضورهم، وقبل هذا وبعده محترمًا ومحترفا يدرك أبعاد الفن وتأثيره ورسالته ويقدر فنه وجمهوره حق قدرهما، رانيا فريد شوقي أجادت تمثيلًا وغناءً أيضًا ودخلت قلوب الحاضرين دون استئذان بطلتها المبهجة وخفة حركتها وأدائها السهل الممتنع، محمد عادل يزداد تألقًا ويجدد من نفسه بما يتفق وقدراته التمثيلية العالية وأدائه المختلف ويغني صح جدًا بصوت واعٍ ومميز، وأميرة أحمد صوت واعد جدًا وحضورها لافت، أيضًا باقي أبطال العرض في أدوارهم أساتذة وطلاب وخاصة الطالب المتطرف دينيًا المحرض طوال الوقت وحتى فَراش المدرسة على قلة ظهوره، وعذرًا إذ يفوتني أسماء كل هؤلاء، ولكنهم بلا شك أخذوا أماكنهم في قلوبنا كل في دوره ومساحته.

ومسك ختام التحية والتهنئة والتقدير قطعًا مايسترو العرض المخرج الكبير عصام السيد، برؤيته المختلفة وقدرته على الخروج بعمل مثل «مش روميو وجولييت» إلى النور بمثل هذا المستوى الرائع في ظل إمكانات نعلم جيدًا أنها تظل محدودة مهما توافرت، وتلك الفرص التي يمنحها بجرأة لكل هذا الكم من الشباب المتواجد في المسرحية، وبما يمثله من قيمة الموهبة والثقافة والاجتهاد والعطاء الفني الثري اللامحدود، وباعتباره امتدادًا لجيل عمالقة الإخراج في تاريخ المسرح المصري، أحسنت يا أستاذ، ولعلنا نضم صوتنا لصوتك دعمًا وإنصافًا نحو ضرورة إعفاء وزارة الثقافة من قرار وزير المالية بشأن إيقاف مصاريف الدعاية على أنشطة الوزارات، فهو قرار لا يتسق وأنشطة وزارة الثقافة المرتبطة بطبيعتها بضرورة الإعلام والإعلان عنها حتى يتحقق التواصل الفعال مع الجمهور، وأيضًا نهيب بالشركة المتحدة للخدمات الإعلامية الاهتمام بعرض «مش روميو وجولييت» سواء بتسويقه وتغطيته إعلاميًا طوال مدة عرضه أو بتصويره في الوقت المناسب قبل انتهائه تمهيدًا لعرضه على شاشات «المتحدة» والوصول به إلى القاعدة الأكبر من الجماهير، اطمئنوا الفن المصري بخير.

اقرأ أيضا:

رد زوجة وائل جسار على كلام أسماء جلال: البنت حلوة مفيش مشاكل تجيبها ضرة

شقيق شيرين عبد الوهاب: ادعولها

حكاية رفض نور الشريف دور "عزيز الجبالي" في مسلسل "رأفت الهجان" ... ما علاقة عادل إمام؟

رضوي الشربينى: حسام السبب في أزمة شيرين عبد الوهاب مع روتانا وامتلك مستندات لإثبات ذلك

لا يفوتك: #نظرة_على_المشهد_الأخير قصة مـ..قتل نيازي مصطفى بطريقة سـ..ـا دية التحقيق مع 65 كومبارس وسر ظهور فاروق الفيشاوي في الصورة

حمل آبلكيشن FilFan ... و(عيش وسط النجوم)

جوجل بلاي| https://bit.ly/36husBt

آب ستور|https://apple.co/3sZI7oJ

هواوي آب جاليري| https://bit.ly/3LRWFz5