لا يوجد صانع أفلام في العالم يعيش لحظة نشاط وتوهج كالتي يعيشها اليوناني يورجوس لانثيموس. المخرج الذي بدأ من عالم السينما المستقلة الصغيرة في بلده، قبل أن ينجز أفلامًا ناجحة جعلت هوليوود تفتح له ذراعيها، فصار بإمكانه أن يصوّر فيلمين في نفس الوقت، كلاهما مع فريق من كبار النجوم، فيعرض الأول "أشياء مسكينة Poor Thing" في مهرجان فينسيا سبتمبر الماضي وينال الأسد الذهبي، ويخوض رحلة ناجحة انتهت بالتتويج بأربع جوائز أوسكار، في نفس الوقت الذي ينتهي فيه من النسخة النهائية من الفيلم الثاني "أنواع للطيبة Kinds of Kindness" فيختاره مهرجان كان للمسابقة الرسمية وسط حفاوة كبيرة بالفيلم وفريقه.
تابعوا قناة FilFan.com على الواتساب لمعرفة أحدث أخبار النجوم وجديدهم في السينما والتليفزيون اضغط هنا
يصنع لانثيموس سينماه الخاصة، المعتمدة في أغلب تجلياتها على عوالم غرائبية يتم خلالها وضع البشر داخل سياقات انضباطية صارمة، لإعادة تأهيلهم أو حتى إعادة خلقهم على صورة ترضي صاحب التجربة/ السلطة الذي وضعه من البداية في تلك السياقات. الأمر بدأ من "ناب الكلب Dogtooth" عام 2009 عن أب يربي أبنائه الثلاثة بمعزل عن العالم، ثم في مستقبل يوضع الوحيدون فيه في معسكر تأهيل عاطفي ضمن فيلم "الكركند The Lobster"، ثم تجارب مختلفة تدور في نفس الفلك أحدثها كان "أشياء مسكينة" الذي يقوم فيه عالم بإعادة خلق امرأة وتشكيلها على طريقته.
معالم المشروع السينمائي
ثنائيات السيد/ التابع، الخلق/ العبودية، القانون/ الطاعة إذن هي جوهر مشروع لانثيموس السينمائي، وهي ما تضيف إلى ميزات أعماله ما يجعل صاحبها يجمع بين الجاذبية في عالم المهرجانات وسينما المؤلف بنفس جاذبيته لمحبي سينما هوليوود الشعبية. فهو فنان صاحب مشروع متماسك يحمل أفكار حاكمة متكررة، وهو مخرج صاحب أسلوب خاص يمكن تمييزه، بالإضافة لكون هذا الأسلوب جماهيريًا، يقع في مسافة وسطى بين البساطة والتعقيد، فالمُشاهد العادي يحب أفلام لانثيموس لأنها تجعله يشعر بأن هناك معنى أعمق يمكنه أن يدركه، والخبير المتعمق يظل قادرًا على تقدير جمع المخرج بين قيمة المضمون وجاذبية الشكل.
كل ما سبق يجعل يورجوس لانثيموس مستحقًا لوضعه الحالي كأحد أنجح مخرجي العالم، لكنه وضع يخلق في الوقت نفسه تحديًا بأن يظل الفنان قادرًا على تقديم نفس الوجبة المتكاملة في كل مرة. فما يمكن قبوله من أغلب المخرجين لن يقبله محبو لانثيموس الذي ينتظرون في كل مرة أن يحقق المعادلة الصعبة: يأتي بالجديد ويحتفظ بخصوصيته معًا. النهاية الحتمية لهذا الوضع أن يصل الفنان نقطة يصير فيها نسخة مكررة من نفسه (كأفلام الإسباني بيدور ألمودوفار والأمريكي ويس أندرسون الأخيرة مثلًا)، لكن المهارة هي إطالة الزمن قدر الإمكان قبل بلوغ تلك النقطة.
فهل نجح "أنواع للطيبة" في تحقيق هذا الهدف؟ أميل للإجابة بنعم. فبالرغم من أنه عمل أصغر وأبسط بكثير على مستوى الصناعة من "أشياء مسكينة"، يظهر بوضوح كونه المشروع الأصغر الذي أنجزه صانعه بالتوازي مع الفيلم الكبير، إلا أن الاختيارات التأسيسية فيه تجعله يصمد كعمل منفرد متماسك له قيمته، ويصمد أكثر عن وضعه في سياق مشروع صانعه، واعتباره تجلي آخر يطرح نفس الأسئلة بطرق مختلفة.
تعددت الطرق والهدف واحد
أقول "طرق" وليس "طريقة" انطلاقًا من شكل الفيلم، حيث يتبنى "أنواع للطيبة" سردًا أنطولوجيًا، فهو ثلاث حكايات متتالية، زمن كل منها ساعة تقريبًا، يربطها خيط درامي بسيط جدًا يكاد يكون أضيف في النهاية كحيلة خفيفة الظل، لكنها حكايات مستقلة لا علاقة لأحداث كل جزء منها بالآخر، بل إن نفس فريق التمثيل يؤدي شخصيات مختلفة في كل حكاية، يتقدمهم نجما "أشياء مسكينة" إيما ستون ووليام دافو، ويضاف إليهما قوة أدائية تتمثل في جيسي بليمونز (الذي يتقدم شيئًا فشيئًا لسد الفراغ الذي تركه رحيل فيليب سيمور هوفمان المبكر) ومارجريت كوايلي (التي صار من المؤكد أنها ستكون من كبار نجمات العالم خلال السنوات التالية).
كل ما ذكرناه عن مشروع لانثيموس السينمائي يتحقق في "أنواع للطيبة"، فالحكايات غرائبية المدخل، شيّقة وقادرة على جذب انتباه المشاهد لينغمس فيها وإن لم يفهم منطق أبطالها، فيها الحس الميكانيكي للحركة الذي يميز المخرج بصريًا، وفيها بالتأكيد الأفكار الحاكمة التي يفضلها، فالحكايات الثلاث في جوهرها تتأمل فكرة السلطة/ الإيمان، وكيف يمكن أن يطيع الإنسان قوة عظمى يرى من حقها تسيير حياته؟ وما هي اللحظات التي قد يقرر فيها التمرد على هذه السلطة؟ وما هو الثمن الذي سيدفعه مقابل هذا التمرد؟ هل سيكون إعادة بعث يسترجع فيها استقلاليته، أم نكوص يقوده للعودة مستسلمًا أمام القوة الكبرى؟
ليست مجرد أفكار معقدة
حتى لا يبدو الموضوع عميقًا معقدًا أكثر مما ينبغي يجب هنا أن نروي باختصار قصص الفيلم الثلاث. في القصة الأولى يتمرد موظف (بليمونز) للمرة الأولى على مديره (دافو) الذي يسيطر على كل تفصيلة في حياته لدرجة اختيار المرأة التي تزوجها وكيف تعرف عليها، ليحاول أن يجد سبيلًا لحياته بعيدًا عما اعتاد، لكنه يجد نفسه مجبرًا على العودة معتذرًا، باحثًا عن طريقة يمكنه خلالها الرجوع إلى جنة المدير مرة أخرى.
القصة الثانية عن شرطي (بليمونز) يعيش تعاسة بسبب اختفاء زوجته الباحثة (ستون) خلال رحلة علمية، وعندما تعود الزوجة بعد حادث أودى بحياة كل من كان معها، يبدأ البطل في الشك بأن المرأة التي عادت ليست زوجته، وإنما كائن غامض يحاول التظاهر بشخصيتها. أما في القصة الثالثة، فيخوض رجل وامرأة (بيلمونز وستون) رحلة للتفتيش عن امرأة لديها موهبة خاصة تمكنها من إحياء الموتى، استجابة لرجل (دافو) يتزعم طائفة غريبة تقدس الماء وتتحكم في أجساد المؤمنين بها وما يدخل إليها من سوائل.
لاحظ التناقض بين ملخص الحكايات الذي يجعل كل منها أقرب لأفلام نوع جماهيرية كالكوميديا والرعب، وبين الأسئلة التي ذكرنا أن المخرج يقوم بطرحها من خلال الأفلام. هذا باختصار سر خصوصية أفلام يورجوس لانثيموس: أن بإمكانه جعلك تشاهد بترقب حكاية مثيرة للبحث عن فتاة تُحيي الموتى، بينما عقلك يفكر في مفهوم الإيمان ووجوه التشابه والاختلاف بين قناعات الأبطال وبين أي منّا عندما يوقن ويسلم نفسه طواعية لفكرة وطنية/ دينية/ مهنية، أو أي سلطة أخرى يُمثل الإيمان عنصرًا في علاقة الأفراد بها.
كما هو المعتاد في أي فيلم أنطولوجي، يتفاوت مستوى الحكايات وقدرتها على البقاء في الأذهان، شخصيًا كانت الحكاية الثالثة هي الأفضل لذائقتي يليها الأولى ثم الثانية، لكنه في النهاية مجرد تفضيل شخصي يقوم على ما أحبه في الأفلام، وهو تحديدًا التوازن بين جاذبية المتابعة وتماسك الفكرة المطروحة. قد يختلف مشاهد آخر ويرى أن الحكاية الثانية هي الأفضل في الفيلم، لكن بغض النظر عن الاختيارات يظل الفيلم في مجمله قادرًا على تحقيق هذه الفرجة السينمائية، على أن يجعلك تشاهد قرابة الثلاث ساعات دون أن تنظر للوقت أو تعد الدقائق حتى انتهاء الفيلم.
ربما سيُظلم "أنواع للطيبة" بسبب وضعه المنطقي في مقارنة مع "أشياء مسكينة"، شقيقه الأكبر والأنضج الذي نال بالفعل نجاحًا واسعًا قد يجعل لجنة التحكيم تتحفظ على إسناد المزيد من الجوائز لصانعه بعد أشهر معدودة. لكن الجوائز تظل مجرد لعبة ترويجية، بينما الأهم هو استمرار يورجوس لانثيموس في الاحتفاظ بهويته وجاذبيته لفيلم آخر جديد، ولنرى ماذا سيأتي به المستقبل للمخرج الذي وضع نفسه طواعية داخل تحدٍ فني لا ينتهي.
اقرأ أيضا:
كوميدي- زينة تغىي على تيك توك "يا عيني إخيه يا روحي إخيه"
#شرطة_الموضة - سلمى أبو ضيف بفستان من زهير مراد في مهرجان كان السينمائي
هبة نور تتصدر "الترند" بسبب فيديو فاضح وتؤكد: مفبرك بالذكاء الاصطناعي
رقصت على "إنزل يا جميل" وظهرت بفستان قصير … راغدة شلهوب تحتفل بعيد ميلادها
لا يفوتك: #شرطة_الموضة|| أجمل وأغرب الإطلالات من حفل "الميت جالا".. كيف أعاد النجوم إيقاظ الموضة؟
حمل آبلكيشن FilFan ... و(عيش وسط النجوم)
جوجل بلاي| https://bit.ly/36husBt
آب ستور|https://apple.co/3sZI7oJ
هواوي آب جاليري| https://bit.ly/3LRWFz5