لماذا تجد النساء الحُب في أغاني كاظم الساهر؟

تاريخ النشر: السبت، 6 أغسطس، 2022 | آخر تحديث:
كاظم الساهر

هل عندك شك أنك أحلى وأغلى امرأة في الدنيا؟

يشدو كاظم الساهر بهذة الكلمات فتذوب قلوب النساء حبا، وتشتعل الغيرة في عيون الرجال ، على مدار عقود طويلة ظل الرفاق حائرون يتساءلون : لماذا النساء بأغاني القيصر مفتونون؟!

أسس كاظم الساهر منذ مطلع التسعينات مدرسة غنائية خاصة بنيت على ركنين رئيسيين ، الكلمة المتمثلة في قصائد شاعر المرأة الأعظم نزار قباني ، والسعي الدؤوب لرسم صورة العاشق الذي تحلم به كل امرأة.

احتل كاظم الساهر قلوب النساء عندما هبط على مسرح ليالي التليفزيون في منتصف التسعينات، مدعوما بالالاف المعجبات اللاتي ذبن في غرام أغانيه الأشهر وقتها مثل "ها حبيبي" التي بدت كحبة ثلج تذوب فوق قلوب محترقة من جفاء الرجال.

"مين زعلك انت لك والله زعل الدنيا كلها ولا مكروه يمسك حبيبي"
ثم تنطلق صرخات المعجبات ، وتُقذف الدباديب الحمراء على خشبة المسرح.

الأميرة التي في الأحلام

ترى كل امرأة منذ طفولتها صورة الأميرة العاشقة كنموذج لها ، تحلم بفارس الأحلام الذي يخطفها فوق حصان أبيض ، يقطف النجوم من السماء ويضعها بين يديها في إناء من ذهب مشغول بعقيق العشق .
لم يجد كاظم الساعر أبلغ وأصدق من قصائد نزار قباني لترسم هذه اللوحة في عيني كل امرأة .
قال لها في "زيديني عشقا":
"ياقمر يطلع كل مساء من نافذة الكلمات، يا أخر وطن أولد فيه وأدفن فيه وأنشر فيه كتاباتي"
شُحنة لا تقاوم من الغزل العفيف والدلال الصافي والاستسلام التام لامراة تملكت كيان بطل هذه الكلمات.

صعد القيصر لقمم الحب في قلوب معجباته عندما قدم أغنيته الأشهر "مدرسة الحب" ، قدم فيها كل العشق والتقدير والانكسار أمام حبيبة صعبة المنال .

في كل أغنية كان يضاعف جرعات التقدير والامتنان لوجود الحبيبة في حياته ، تلك الرسالة التي تفتقدها نساء الوطن مع رجالهن.
فيغني لها " كل عام وأنتِ حبيبتي .. كل عام وأنتِ أميرتي" فيؤكد لها صورة الأميرة التي تتمناها لنفسها.

احتلال ذكوري

لاشك أن المجتمعات العربية بطباعها وعاداتها وتقاليدها جففت منابع التقدير والرومانسية في علاقة الرجل والمرأة، خطاب ديني وموروث مجتمعي رسخ صورة المرأة كناقصة عقل ، ومع التغيرات المجتمعية العنيفة صعدت دعوات الاستقلال النسوي، التي نفت في غالبيتها حاجة المرأة للحب، وقدمت الإنفصال والتخلي كحل أمثل لحمايتها من ذكورية الرجل وسلطويته، والحقيقة أن كثير من الذكور مدعي الرومانسية انتهزوا تلك الدعوات لاستغلال المرأة بصورة أو أخرى تحت مسمى العلاقات الحُرة التي عادة ماتخرج منها المرأة محملة بجروح أعمق من التي تركتها سلطة أب أو زوج أو حبيب سابق .
كانت أغاني كاظم بمثابة باب الخروج الآمن من واقع مرير حولها إلى سلعة أو ربما أداة حدودها إسعاد الرجل دون أن تعرف معنى حقيقي لسعادتها هي، خاصة وأن المرأة بطبعها كائن عاطفي يرى الحب غاية وليس وسيلة.

العاشق المهزوم

"علمني حبك أن أحزن..وأنا مشتاق منذ عصور لامرأة تجعلني أحزن"
بالنظر لأغلب أغاني الهجر والفراق في العقدين الأخيرين ، سنكتشف أن صورة الحبيبة الغائبة اقتصرت على كونها خائنة أو مجبرة على الفراق ، واتجه بعض المطربين لتكريس صورة الحبيب القوي الذي لن تهزمه التجربة ولن يكسره حب ضائع.
وسط كل هذا قدم كاظم الساهر صورة الحبيب المكسور المهزوم المخلص للحب إلى حد الجنون، المسكون بالحزن فوق أرصفة الشوارع بحثا عن ذكرى أميرته الغائبة.
تلك الحالة بدت كمفتاح لقلب المرأة ، صحيح أن النساء العربيات لاتفضلن الرجل الضعيف ، ولكنهن يقعن في غرام الضعيف أمام حبهن مهما كان.

تتجسد تلك المنهجية بوضوح في أغنيته "مدرسة الحب" وهو يقول:
"علمني حبك سيدتي .. أسوأ عادات
علمني أفتح فنجاني في الليلة الآف المرات
واجرب طب العطارين .. وأطرق بابا العرافات
علمني أخرج من بيتي .. لأمشط أرصفة الطرقات
وأطارد وجهك في الأمطار وفي أضواء السيارات
وألملم من عينيك ملايين النجمات
يا امرأة دوخت الدنيا يا وجعي .. يا وجع النايات"

كم الألم والفقد والحزن وقبلهم جميعا التمسك بحب مسه الجنون ، تركيبة تبدو كخلطة عشق سحرية لاتقاوم تبحث عنها المرأة في أحلامها ، في صورة فارس مكسور أمام شرفتها العالية .

ثم يخرج من تلك الحالة ليقفز بغزله العفيف لمرحلة أخطر وأجرأ فيخاطب أنوثتها بوضوح في أغنية " كوني امرأة" ، وهو يقول :
"كوني امرأة خطرة كوني القسوة كوني النمرة لفي حولي كي أتحسس دفء الجلد وعطر البشرة"

الرجال عادة يخافون المرأة الذكية الفاتنة الخطرة على مساحات نفوذهم المعنوي، ولكنه يدعوها هنا لاغوائه في خطاب نفسي يستقز جانبا خطيرا في شخصية كل أنثى وهو الإغواء ، طارحا مفردات صريحة مثل دفء الجلد وعطر البشرة ، فتتأرجح مشاعر مستمعاته ويتخيلن صورة أحبائهن في صوته.

دلع النساء

تخصص الساهر في "تدليع" المرأة ، أفضل كلمة تدليع بمصريتها الخالصة عن "التدليل" بعروبتها الممتدة، الحقيقة المُرة ياعزيزي أن المرأة كائن إتسق مع فكرة الدلع والتدليل سواء كانت مانحا أو مستقبلا ، وهي عملية عكسية متبادلة فكلما تددلت دللت ، وكلما مُنحت مَنحت .
فطن الساهر لهذه النقطة وهو صاحب النصيب الأكبر من شائعات الحب والارتباط بين أبناء مهنته، فكثف جرعات الدلع في كلماته حتى ولو على سبيل المزاح ، وصور كيدهن جزءا من هذه الحالة في أغانيه ولعل أبرزها أغنية "دلع النساء" عندما قال :
"الله من دلع النساء وكيدهن ومن جنونك يا حياتي ما الحل يا مشكلة يا مدلله ما الحل يا مشاغبة يا متعبة".
صور الكيد والمشاغبة والرفض غير الكامل بكونه دلعا محببًا ينفث نيران الشوق في رماد أي قصة حب.

مفاتيح المرأة السرية

امتلك كاظم الساهر بأغانية مفاتيح شخصية المرأة العربية، عرف أن تلك المساحة الخاوية في ملعب الموسيقى هي مملكته الخاصة ، جيش المعجبات عاما بعد الآخر بفن التقدير والتدليل، ربما فهم أن مجتمعاتنا لم تعد مؤمنة بالحب الصافي ، ألقى بمفاهيم ونظريات الطب النفسي واستشاريوا العلاقات بعيدا عن الخط العاطفي الممتد بين الرجل والمرأة ، قدم لهن ما جردهن المجتمع منه تماما .. التقدير والاحتواء .
علم الرجال أن الضعف ليس عيبا ، ولقنهم دروسا في فنون المحبة والعشق حتى لو كان الحب مستحيلا كما قال في أغنيته الشهيرة :
أحبك جدا وأعرف أن الطريق إلى المستحيل طويل
وأعرف أنك ست النساء وليس لدي دليل
وأعرف أن زمان الحبيب انتهى
ومات الكلام الجميل