عندما يذهب الجمهور لحضور حفل مطربه المفضل فهو بالقطع يبحث عن ما هو أبعد من الاستماع إليه وهو يغني، ولو كانت الأغنيات هي محركه الوحيد لكان وفر عناء الحضور، واستبدله بمشاهدة مقاطع من حفلات هذا النجم على اليوتيوب على سبيل المثال، لكن الحقيقة هي أن الجمهور يبحث بداخل هذه الحفلات عن حالة من القرب والحميمية بينه وبين مطربه المفضل.
وينتظر بحماس الفواصل التي يرحب به فيها، أو يعلق من خلالها تعليق عفوي على أمر حدث على المسرح بنفس مقدار الحماس الذي ينتظر به أغنياته المفضلة، حتى عندما يعلو صوت أحد الجالسين مرددا اسم أغنية معينة يحبها أو تحمل ذكرى في نفسه، فهو يفعل ذلك من أجل أن يشعر أن مطربه استجاب له، وغناها خصيصا من أجله، وكل هذه الأجواء تمنح الجمهور وهو يغادر الحفل شعورا بأنه شحن بطاريات روحه الفارغة، وأنه استحوذ على قدر من السعادة قد تدوم معه لأيام بعد الحفل، حتى يذهب أثرها، وتحل محلها رغبة في حضور حفل جديد، وعلى قدر السعادة التي تخلقها هذه الأجواء في نفوس الجمهور، على قدر الإحباط الذي يصيبهم عندما يذهبون إلى الحفل فيجدوا العكس، لذا لا أبالغ إن قلت أن حفل أنغام الأخير الذي أقيم قبل أيام على مسرح النافورة بدار الأوبرا المصرية قد أصابني بإحباط كبير.
كنت أعلم تماما أن قلقا ما سيصاحب أنغام في هذا الحفل بالتحديد، ولا سيما أنها تعرضت في حفلاتها الأخيرة لبعض المشاكل التقنية المتعلقة بالهندسة الصوتية، وأعلنت تذمرها حينها من وقوعها، ومن المؤكد أنها كانت تخشى من تكرار المشكلة مجددا، لكنها في نفس الوقت لديها من الخبرة في الوقوف على المسرح ما يجعلها تتجاوز هذا الأمر إن تم تكراره، وهو ما لم يحدث بكل أسف، لكن هذا التكرار لم يبرر بالنسبة لي عدم معالجتها للأمر بهدوء، ولا حركتها الغاضبة على المسرح ذهابا وإيابا للمايسترو هاني فرحات موجهة تعليماتها له بوجه عبوس جعل الجمهور يشعر بأنه ذهب تلك الليلة ضحية سوء حالتها المزاجية، للدرجة التي دفعت أحد الحضور للصياح (يا ريتك بتضحك) في إشارة ساخرة لأغنيتها الشهيرة (يا ريتك فاهمني).
وإذا كانت الطريقة التي تعاملت بها أنغام مع هذا الأمر لا تتناسب أبدا مع سنوات خبرتها على المسرح، فهي لا تتناسب أيضا مع قيمتها لدى جمهورها الذي شعر هذا اليوم بأن هناك (حته ناقصة) وهو اسم لواحدة من أجمل ما غنت أنغام ضمن ألبوم (أحلام بريئة) الذي صدر عام 2015 من كلمات رفيق مشوارها أمير طعيمة وألحان عزيز الشافعي والتي من بين كلماتها جملة تقول (مشكلتي إنك أكبر من حبيبي لكن بحس إن أنت يا دوب حاببني) ولعل هذا الإحساس هو ما انتاب الجمهور ليلتها الذي شعر أنها لم تقدر محبته، وأنها يا دوب (بتعمل حفلة).