إجازة طويلة كعطلة عيد الأضحى المبارك، كفيلة بأن تمنحني ضمن ما تمنح، ساعات طويلة لممارسة القراءة، هوايتي الأقرب إلى قلبي وعقلي معًا، وهو ما يمثل تحديًا نجتهد في مواجهته في أيام العمل المعتادة، حتى نحتفظ بمتعة هي في واقع الأمر عادة يومية، تمنحنا أول ما تمنح نحن أهل الشغف، قدرات متنوعة على مواجهة مستجدات الحياة اليومية المعقدة والمتشابكة الآن إلى أبعد الحدود، وكان مما حاز أولوية القراءة في العطلة الطويلة الممتدة هذا الأسبوع، كتاب "مديحة كامل.. سنوات الظهور والاختفاء" لمؤلفه الكاتب الصحفي محمد سرساوي، الصادر مؤخرًا عن دار الرواق للنشر والتوزيع، ولم يكن إلا اختيارًا مواكبًا لبهجة عيد الأضحى المبارك.
حاز الكتاب الشيق الثري اهتمامي باعتباره أولًا يقع في منطقة السيرة، المنطقة الأقرب إلى نفسي في القراءة، وثانيًا هي سيرة فنية بالأساس، والفن لمن يقدره حق قدره مقوم أساسي من مقومات الإحساس بالحياة، بل والارتقاء بذواتنا فيها على كافة المستويات، أما مديحة كامل، فهي بالفعل كما ذكر محمد سرساوي في تصديره للكتاب "فتاة أحلام الشباب في السبعينيات والثمانينيات" وأنا من هؤلاء، كما أنها لم تأخذ مكانتها المستحقة قياسًا على حجم موهبتها وقدراتها التشخيصية، ومقارنة بأبناء جيلها من الفنانات الحائزات على مكانة أكبر، قد لا تكون مستحقة بوزن الموهبة والقدرات التمثيلية، إذا ما وضعناها مجتمعة في كفة مقابلة لكفة مديحة كامل.
نرشح لك - أمير طعيمة عن المقارنة بين حفل عمرو دياب وشعائر الحج: مش هنهرج مع ربنا
لا تندهش، حين تأخذ الفن بجدية، تدرك أن المتلقي يحتاج لمن يأخذ بيده، حتى يضعها على مواطن قوة أو ضعف أكثر عمقًا، أو يدخل به كواليس خفية ولكنها كاشفة في كل الأحوال، ومن هنا تأتي أهمية مثل كتاب محمد سرساوي وهو الأول له بالمناسبة، وأوجه أهميته في تقديري، أنه على حد علمي أنا المؤلف الأول الذي يوثق لتجربة مديحة كامل الفنية والإنسانية على حدٍ سواء، تُوفيت صائمة بعد صلاة الفجر في رمضان وهي على مشارف الخمسين من عمرها، وفرضت عليها تقلبات حياتها الشخصية الحادة دائمًا، أن تعود لمربع البداية كلما خطت خطوات ملموسة في مسيرتها الفنية، حتى اعتزلت بلا عودة.
اعتزال "مديحة" كانت له دوافع شخصية يكشف عنها الكتاب، تنفي في المقابل كثيرًا مما تردد من شائعات عن الموضوع، كما أن الكتاب يكشف وجه مديحة كامل الثقافي، الغائب في الواقع عن ذهن الجمهور، اقرأ في الكتاب حوارها مع الشاعر العربي الكبير نزار قباني، وفيه تفند وتنقد وتنفي نظرته وتقديره لمكانة المرأة، وهو الأشهر بأنه شاعر المرأة، والحقيقة أن حجج "مديحة" تستحق التأمل وأنت تعيد قراءة "نزار"، أيضًا حوارها مع الأديب العربي الكبير جبرا إبراهيم جبرا، عندما التقاها مصادفة في حفل تسليم جائزة النيل لأديب نوبل نجيب محفوظ، عرض "جبرا" عليها بطولة إحدى رواياته، باعتبارها الأكثر تقمصًا لأدوارها في روايات "محفوظ".
طالع أيضا - نرمين الفقي ترد على شائعة خطبتها لأحمد أبو هشيمة
مجموعة حوارات وتقارير وملفات أخرى بالكتاب تؤكد ثقافة مديحة كامل، ورؤيتها ودوافعها تجاه خوض تجارب الإنتاج والإخراج، وكيف كانت تقرأ وتقيم تجارب رواد الفن المصري، وإلى أي مدى تفاعلت واستفادت من تعاونها مع كبار الكتاب والأدباء والمنتجين والمخرجين والممثلين، كانت تتحدث ثلاث لغات بطلاقة، فكان حضورها فاعلًا دائمًا ممثلة لمصر في المهرجانات الدولية، كما أن كتاب "سرساوي" يتوقف تفصيلًا عند أهم محطات مديحة كامل الفنية، والسينما في المقدمة منها بخلاف المسرح والتليفزيون، ولعل كواليس تصوير أهم أعمالها "الصعود إلى الهاوية" في باريس تحت حماية المخابرات المصرية، من أهم ما جاء بكتاب "سرساوي" خاصة وأنها قبلت دور عمرها بعد اعتذار أخريات.
أمومة مديحة كامل هي الأخرى من أهم ما كشف عنه كتاب "سرساوي" حيث يستعرض مكانة "ميرهان" الابنة الخاصة جدًا في حياة الأم الفنانة، كانت الأمومة مبكرة في حياة مديحة كامل، ولكنها تحملت المسئولية دائمًا، تستطيع أن تقول أن كل قرار في حياتها الشخصية أو المهنية، كانت "ميرهان" مبدأه ومنتهاه وأحيانًا نقطة ارتكازه، شركة الإنتاج السينمائي لصاحبتها مديحة كامل حملت اسم ابنتها، وأسهل ما كان عندها الاعتذار عن عمل فني كبير أو رفض الزواج من شخص مهما علا شأنه طالما تعلق الأمر بابنتها، كانت "ميرهان" ابنة لـ"مديحة" قبل أن تصبح صديقة لها وحتى انتهت هي الأم في سنوات مديحة كامل الأخيرة.
مهم جدًا وأنت تستعرض تجربة مديحة كامل، ألا تنسى أن هزيمة يونية 67، وأيضًا انفتاح ما بعد نصر أكتوبر 73، شكلا عائقًا أمام انطلاق الفنانين الشباب في هذا الوقت، كما هو الوضع في مواجهة الشباب بشكل عام، فالأولى كانت هزيمة شتتت أحلامه طوال ست سنوات، والثاني أخذها في اتجاه استهلاكي بالأساس لم نفلت منه حتى اليوم، وكلاهما انعكس سلبًا بالقطع على مسيرة السينما المصرية، حتى استطاع جيل الواقعية الجديدة في السينما من المخرجين تجاوز الأزمة وتشخيص الواقع المر، وهو ما ساعد مديحة كامل على توجيه بوصلتها الفنية في الاتجاه الصحيح، فكانت أعمالها الهامة مع محمد خان وعاطف الطيب ورأفت الميهي.
كتاب "مديحة كامل.. سنوات الظهور والاختفاء" يستحق الاهتمام والقراءة، فقط بعض الملحوظات لمؤلفه المجتهد محمد سرساوي، كنت أتمنى أن يقوم الكتاب في جانب منه على ما ترويه الابنة "ميرهان" بنفسها عن حياة الأم الفنانة مديحة كامل، كما تمنيت أن يشمل الكتاب ملحق صور يوثق مختلف مراحل حياتها، وأيضًا أفيشات أهم أفلامها، كلنا يعلم مدى تأثير الصورة في استعراض السيرة الذاتية، افتقد الكتاب كذلك حصرًا موثقًا لأعمال مديحة كامل، وإن كنت أعلم صعوبة ذلك على أرض الواقع، وأخيرًا ضرورة مراجعة الفقرة الخاصة بـ"ميرهان" الأهلاوية في مواجهة "مديحة" الزمالكاوية فهي تحتاج لإعادة صياغة، ولكن كل هذا لا يقلل من احتفائنا بـ"سرساوي" وكتابه.
اقرأ أيضا:
عايدة رياض لمنتقدي احتفالها بعيد الأضحى: الذبح موجود في كل الأديان.. وربنا يخلينا لبعض
مروان حامد : ترشيح Moon Knight لـ 8 جوائز إيمي إنجاز غير مسبوق
تامر حسني يحتضن بناته على مسرح حفله في العلمين الجديدة (فيديو وصور)
كل ما تريد معرفته عن فيلم "جدران" قبل عرضه على Watch It غدا
لا يفوتك: أغنية "سلملي" لصابر الرباعي في ميزان "عمك البات"
حمل آبلكيشن FilFan ... و(عيش وسط النجوم)
جوجل بلاي| https://bit.ly/36husBt
آب ستور|https://apple.co/3sZI7oJ
هواوي آب جاليري| https://bit.ly/3LRWFz5