مقابلة بعد صلاة العشاء .. كيف كان عبده داغر حلقة الوصل بين محمد منير ورومان بونكا؟

محمد سليم

محمد سليم تاريخ النشر: الخميس، 23 يونيو، 2022 | آخر تحديث:

رومان بونكا وعبده داغر ومحمد منير

شكلت وفاة الموسيقار الألماني رومان بونكا قبل أيام صدمة كبيرة للفنان محمد منير، الذي قدم مع بونكا أجمل أغانيه من خلال صداقة وتعاون فني استمر لعقود من الزمن.

وكما روى أحد المقربين من "الكينج" لكاتب هذه السطور، كان للقاء منير ببونكا أثر كبير في مسيرته الفنية، فهو الذي قدمه للجمهور الألماني، وكثيرا ما كان يقيم في منزله أثناء تردده على ألمانيا.

نرشح لك - معارك التسعينات – حسن الأسمر وحكيم .. سنوات الحرب الباردة على عرش الأغنية الشعبية

رومان بونكا ومحمد منير

"محمد منير واخده من عندي"

ويكشف لنا الموسيقار الراحل عبده داغر في أحد حواراته الصحفية أنه كان حلقة الوصل الأولى بين محمد منير ورومان بونكا، الذي كان قد تعرف على داغر قبل مقابلته، من خلال أعماله الموسيقية التي سمعها معزوفة على آلة العود في ألمانيا، ليجذبه سحره بالعود في رحلة قادته إلى مصر فشارع محمد علي، وأخيرا إلى ورشة أسسها عبده داغر لصناعة العود في القاهرة بعد وصوله لسن للمعاش.

عبده داغر

البحث عن موسيقى مصرية كلاسيكية

ويروي "عم عبده" - كما يناديه كل تلاميذه - أن صحفيا ألمانيا زار مصر بعد إبرام السلام مع إسرائيل، وأخذ يفتش عن الموسيقى المصرية بدأب، الموسيقى فقط وليس الغناء، ولم يقنع بما سمعه في شارع محمد علي، ولا بالأعمال التركية من نوعية السماعي والبشارف التي سمعها في معهد الموسيقى العربية، فهذه الأعمال متاحة بوفرة في ألمانيا، وما يبحث عنه هو الموسيقى الكلاسيكية المصرية.

طالع أيضا - 6 أسباب لتقديم جزء ثان ... طلقة في الرأس بحاجة لقرصين "ريفو"

خلال تلك الرحلة، التقى الصحفي الألماني بمجموعة من طلاب المعهد كانوا في نفس الوقت من مريدي عبده داغر، وأخبروه أنه سيجد ضالته والموسيقى المصرية الكلاسيكية عند شخص واحد هو عبده داغر.

رومان بونكا

جلس الصحفي في بيت عبده داغر يستمع لما كان يعزفه مع تلاميذه، ووصل انبهاره لدرجة أنه خلع حذاءه واستقر على الكنبة، وأخذ يسجل كل ما سمعه، وفقا لرواية عم عبده.

شارع محمد علي

وتمضي الأيام، ويحمل ذلك الصحفي ما سجله إلى أكاديمية في ألمانيا كان عازف الجيتار رومان بونكا يتعاون معها، بطريقة لم يوضحها الحوار المشار إليه، وما إن سمع بونكا الموسيقى حتى سارع إلى اقتناء آلة عود من تركيا، علّه يتمكن من عزف ما سمعه عليها، وعند هذه النقطة يدخل شقيق الفنان المونولوجست المصري سيد الملاح القصة ليلعب دوره فيها.

سيد الملاح

طلب رومان بونكا من عصام الملاح المشورة لاقتناء عود جيد، فنصحه بزيارة قبلة الآلات الموسيقية منذ عشرات السنين، شارع محمد علي، لكن الموسيقي المتمرس لم يخضع لـ "اشتغالات" من التقاهم - على حد وصف عبده داغر - ولم ينخدع بكلمات مثل عندي عود رياض السنباطي وما شابهها، وواصل البحث عن آلة يعجبه صوتها، ليقوده بحثه إلى ورشة عم عبده.

"نو نو غلط"

ونترك عبده داغر ليروي بكلماته قصة لقائه مع رومان بونكا لأول مرة : "كنت باصلي العشا رجعت لقيته ماسك عود من بتاعي في الورشة ومتسلطن. وقال هو ده العود اللي أنا عايزه".

رومان بونكا

"لما جيت ولقيته ماسك العود وبيلعب مزيكتي - ما الصحفي اداهاله بقى - قلتله نو نو غلط. راجع من الصلاة ولابس العباية بقى. فاتغاظ مني قوي وراح ماسك العود يديهولي وقالي : قول إنت، قلتله : لأ خليك بالعود زي ما إنت وأنا هصلحلك، ورحت ماسك الكمنجة، راح رامي العود بعد ما لعبت، ووشه احمرّ وقعد يحضن فيا، ما يعرفش لسه إن أنا المؤلف. ومسك فيا كأنه لقى لقيّة. خلاص بقى صديقي قوي وبقينا تمام التمام وقعدنا كام قعدة. بعد كده قالي اعرف إن إحنا هنجيلك السنة الجاية زي اليومين دول، قلتله ماشي، افتكرته عايز عود تاني ولا حاجة".

لم تكن الزيارة التالية بهدف شراء المزيد من الأعواد كما ظن عم عبده، بل كانت تمهيدا لصناعة فيلم عنه حمل اسم "العود"، لكن هذه قصة أخرى نتركها لوقت آخر.

ورحل عبده داغر عن دنيانا في 10 مايو 2021، عن عمر ناهز 85 عاما، وسبق رومان بونكا إلى عالم الألحان اللانهائية، ونعاه بونكا يومها بصورة تجمعهما كتب معلقا عليها بالإنجليزية : "عبده داغر واحد من أعظم فناني مصر، سأفتقدك صديقا وأستاذا".

رومان بونكا وعبده داغر

أما محمد منير، فكتب ناعيا صديقه الذي توفي في سن الحادية والسبعين : "لقد فقدت اليوم أخي و صديق عمري الموسيقار "رومان بونكا"، الذي كان بمثابة عمودي الفقري والقاسم المشترك في حياتي الشخصية و العملية .. لقد صنعنا تاريخنا سوياً من الموسيقى الجميلة التي أثرت في كل الأجيال .. سأفتقدك وإلي روحك الطاهرة الرحمة يا عزيزي رومان. إنا لله وإنا إليه راجعون ..أنعي اليوم كل جمهوري و جمهور رومان بونكا".